مقالات كل العرب

درويش و العروبة

شارك

درويش والعروبة

أ. أماني حجازي

سجل أنا عربي .. ورقم بطاقتي خمسون ألف .. وأطفالي ثمانية .. وتاسعهم سيأتي بعد صيف .. فهل تغضب ؟

بالطبع أعرف سبب استحضاري لهذه الكلمات التي صاغها محمود درويش معلنا تحديه للمحتل وهو يرفع في وجهه متحديا راية العروبة ويؤكد أننا ننجب الكثير من الأبناء ولم تزل زوجاتنا تحبل بأجيال جديدة ، ولكن لا أعرف لم تتراءى لي من مخزون ذاكرتي المزدحمة بأحداث وتواريخ صورة أخرى لمحمود درويش في قصيدته ( يطير الحمام ) وهو يطلق زفرة الألم حيث يقول / رأيت على الجسر أندلس الحب والحاسة السادسة / فيما أظنه إسقاطا قويا واستدلالا عميقا على سقوط الحب كما سقطت الأندلس ، لذلك أراني واقفة على مفترق المشاعر بين تحريض محمود درويش لمداده أن يسجل عروبته على دفتر الزمن وبين هذه الإحالة للحب المهزوم إلى السقوط المريع للأندلس ، وكأنني أنا أيضا بلا إرادة أخرج رأسي قليلا من رمل الانكسارات في زمن أعيشه وسط تداعي الأمم علينا وفي ساعة تنهش الذئاب فيها القدس وسط دائرة من قطيع الجواميس الذين يحفظون قرونهم بالتخلي وهم لا يعرفون بأن الذئاب الجائعة ستنالهم واحدا تلو الآخر مهما قدموا لها من تنازلات ليفتدوا أنفسهم ، أخرج رأسي لأستعيد عشرات المرات التي سقطت فيها القدس من قبل التاريخ حتى مقولة صلاح الدين الأيوبي بعد التحرير الأخير للقدس في معركة حطين عام 1187( لقد حصل المطلوب وكمل المخطوب وجاءنا ما نريد ) وهكذا ظلت القدس محررة لأكثر من ثمانية قرون حتى أعاد الصهاينة حصارها وتشريد أهلها على مرأى ومسمع من مسلمي العالم العربي الذي يدعيه محمود درويش ، ولعلي أتجاوز حدود النثر إلى الشعر لأستحدث مفردة تغص وجداني في وتريات مظفر النواب ( القدس عروس عروبتكم ) لأقول ( القدس فداء عروبتكم ) وربما تتناثر مني الحروف وأنا أخلع عن المطبعين المنبطحين من الحكام العرب عروبتهم لتصل إلى صدور الأحرار من الشعوب التي يجب أن تخلق أيدلوجيا مغايرة لإعادة بناء وطن عربي حر ضد هذه الأنظمة المتكلسة ، وربما تعاتبني مرآتي وأنا أعلن خجلي من هويتي العربية ، ذلك الخجل الذي زرعته داخلي أنظمة مهزومة في داخلها ، أشعر بنشيج الشاعر اليمني محمد عبد الله البساطي وهو يراجع محمود درويش 

( يا ليت درويش ألغاها من الكتب … ولم يقل زاهيا سجل أنا عربي 

فلو درى كيف أضحى العرب في وهن … لقال لا تنسبوا هذا إلى أدبي

والله لولا بقايا عزة ثبتت … في غزة المجد لاستبرأت من نسبي

عروبة اليوم خزي كأسه طفحت … بالعار فاستعذبتها أمة العرب

قولوا لدرويش اسحبها فليس لها … أهل بتطوان أو في الشام أو حلب )

الآن أنا أفتح دفترا أبيضا لأسجل فيه سؤالا يستدعي عشرات الأسئلة ، لماذا على أهل فلسطين وحدهم أن يدفعوا من أرواحهم ودماء أبنائهم ثمن الدفاع عن المسجد الأقصى وعن بيت المقدس وعن أرض عربية ؟! وسأكتب في صفحة أخرى ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) صدق الله العظيم. ليتجلى أمامي الطريق الوحيد لخروج أمتنا من مأزقها التاريخي وهو الإيمان وليس الإسلام فحسب .

أما الآن فأقول مع درويش ( لا شيء يعجبني .. لا الراديو .. ولا صحف الصباح .. ولا القلاع على التلال .. أريد أن أبكي )

 

كاتبة من مصر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى