مقالات كل العرب

الجم تستعيد امجادها: مهرجان تيسدروس الأيام الرومانية في دورته السابعة

شارك

الجم تستعيد أمجادها : مهرجان تيسدروس الأيام الرومانية في دورته السابعة

أ. رجاء السنوسي

تماشيًا مع رونق التاريخ والثقافة، تحولت بلدة الجم في دورتها السابعة وخلال يومي السبت والأحد  ٢٨ و٢٩ أفريل إلى مسرح للحياة في عصر الرومان، حيث انعقد مهرجان تيسدروس الأيام الرومانية، الذي جذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. بين الفنون القديمة والعروض الترفيهية، عاش الحاضرون تجربة فريدة من نوعها تعكس تراثنا الثقافي الغني.

بدأت فعاليات المهرجان في أجواء من البهجة والحماس، حيث امتلأت شوارع المدينة في استحضار الأمجاد الرومانية من خلال تقديم مجموعة من الفعاليات التي تعكس الحياة في تلك الحقبة الزمنية٠

بدا حاكم المدينة المشارك في الفعالية الرومانية القديمة رجلا أشقر بملابس رومانية يقف بثبات صحبة زوجته وعلى وجهها ابتسامة رافعين أيديهم لتحية شعبهم يمتطيان عربة رومانية يجرها حصان وجندي٠

و جاب الفيلق العسكري بثيابهم الرومانية التاريخية شوارع المدينة التي كانت تعرف سابقا باسم “تيسدروس” كما كانوا يفعلون في القرن الثاني والثالث ميلادي وسط موسيقى عسكرية ونظام عسكري 

 وصولا إلى القصر الأثري بالجم ليقف بنا الزمن برهة منبهرين بما تركه لنا التاريخ كتلةً من الحجر تشيد بعظمة الزمن وجلال التاريخ. ينبض برونق الماضي، يروي قصة حضارة عريقة امتدت عبر القرون، تاركةً بصماتها على جدرانه و أروقته.

 تتضمن فعاليات مهرجان تيسدروس الأيام الرومانية عروضاً فنية وثقافية متنوعة، تشمل عروض مسرحية تاريخية تعكس حياة الرومان في تلك الفترة، وعروض موسيقية تقليدية تستخدم الآلات الموسيقية التقليدية، بالإضافة إلى عروض الأزياء والمسابقات الترفيهية.كما يشهد  أيضًا تواجداً للحرفيين والصانعين المحليين الذين يقدمون منتجاتهم التقليدية واليدوية، مما يسهم في تعزيز الحرف اليدوية والفنون التقليدية في المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، يتضمن المهرجان أنشطة تفاعلية مثل ورش العمل والأنشطة الترفيهية للأطفال والعائلات، مما يجعله فعالية ترفيهية وتعليمية تستهوي الزوار من مختلف الفئات العمرية.

وتحدث السيد رضا حفيظ مدير مهرجان الأيام الرومانية بالجم عن تأثير المهرجان في نفوس التونسيين ورغبة العديدين في اكتشاف الحياة الرومانية القديمة للمدينة بالقول “مع الدورات السابقة للمهرجان شهدنا تسويقا اعلاميا كبيرا، وأصبح محل اهتمام التونسيين والأجانب” واشار حفيظ بالنسبة للورشات والمعارض ان المهرجان تضمن حوالي ١٨ ورشة موجهة للطفل وورشات فنية و حرفية للأطفال ومجموعة من ورشات التي مكنا من خلالها حرفيين ليكونو في تواصل مباشر مع الزوار لتفسير وتوضيح اسرار بعض الحرف التي كانت تمارس منذ عهد الرومان مثل الفسيفساء والدف والرسم والنسيج الروماني وصك العملة الرومانية اضافة الى الأرجوان الملكي كيف كان يتم استخراج هذا اللون النادر٠

تعتبر الأيام الرومانية تيسدروس الجم فرصة للاستمتاع بتجربة فريدة من نوعها، تجمع بين الثقافة والترفيه والتعلم، وتعيد الزوار إلى عصور الإمبراطورية الرومانية.تحتضن الأسوار العتيقة للقصر الأثري أسراراً لم تكشف بعد، وتخفي بين زواياها أثاراً لعصور اندثرت  ويحمل في أركانه روحًا تنادي بالماضي وتعلن عظمة الحاضر٠ اذ تمتد الأروقة الشاسعة كأنها أذرع تستقبل الزوار بود وتكرمهم بتاريخ عريق. تتناثر الآثار والمعروضات في كل زاوية، تحكي قصصاً لم تنسى عن حقب مضت وأحداث شاهدتها الجدران وتحمل كل حجرة قصة تستحق الاستماع إليها وتذكرها. يُعتبر القصر الأثري بالجم لوحة تاريخية حية، تنبض بالحياة وتروي قصة حضارة انطلقت من هذا الأرض الخصبة٠

 

المجالدين صراع حتى الموت 

تدخل حلبة الألعاب الرومانية في مهرجان تيسدروس الأيام الرومانية بالجم كمرآة تاريخية تعكس روعة وتنوع الثقافة الرومانية القديمة. عندما تخطو خطوة داخل هذه الحلبة، تشعر وكأنك قد عبرت بوابة زمنية لتجد نفسك في قلب عصر الإمبراطورية الرومانية، حيث يُعاد إحياء ألعاب الزمن القديم بكل فخامتها وروعتها.  تشتمل الألعاب الأولمبية الرومانية على مجموعة متنوعة من الفعاليات الرياضية والتحديات التي كانت تُقام في عصور الرومان، وتُشكل جزءًا لا يتجزأ من التراث الرياضي والثقافي لتلك الحقبة الزمنية. من بين هذه الألعاب:  السباقات العدو  ويعتبر واحدة من أبرز الألعاب الرومانية، حيث يتنافس المشاركون في سباقات مختلفة، بدءًا من السباقات القصيرة حتى السباقات الطويلة، بغية الفوز بالميداليات والشهرة. 

المصارعة  تُعد من الألعاب التي كانت تحظى بشعبية كبيرة في عصر الرومان، حيث يتنافس المصارعون في حلبة مخصصة باستخدام تقنيات مختلفة لإسقاط الخصم  عادة ما يكون المُجالد من العبيد وأسرى الحرب الأشداء والأقوياء، يتم تدريبهم داخل مدارس أشبه بسجون، على يد محترفين من الجيش الروماني. وكان بعض الملوك يدخلون الحلبة لكسب شهرة وشعبية بين الناس.

 الرماية بالسهم و القوس: تُعتبر الرماية بالسهم والقوس فنًا ومهارة، وكانت تمارس بشكل واسع في عصر الرومان، حيث يُظهر المشاركون دقة وإتقانًا في إصابة الأهداف. تتميز هذه الألعاب بروح المنافسة والتحدي، وتعكس تفاني الرومان في تطوير مهاراتهم البدنية والعقلية. وعندما يُعاد إحياء هذه الألعاب في مهرجان تيسدروس الأيام الرومانية، يتيح ذلك للزوار فرصة فريدة لاستكشاف وفهم تاريخ الثقافة الرومانية بطريقة مشوقة وممتعة.

في وسط قاعة الحلبة الرومانية الضخمة، ترتفع الجماهير بصخب مذهل، وهم ينتظرون بفارغ الصبر لبدء الألعاب الأولمبية الرومانية. تتصارع الأفكار والتوتر يعلو وجوه المتسابقين ، الذين يستعدون للمنافسة في أعظم تحدٍ قد يواجهونه.يعلو صوت الموسيقى ,مزمار القربة التي تضفي طقسًا مهيبًا على الأجواء، في حين يصطف المتسابقون في صفوفهم، تبدأ الألعاب ببطولة المصارعة، حيث يتصارع المصارعون الأقوياء والشجعان في محاولة لإسقاط بعضهم البعض. ترتفع أصوات الجماهير مع كل ضربة قوية، وتشتعل الحماسة بين المقاتلين الشجعان.

وفي معرض حديثه عن هذه الفعالية، قال مدير المهرجان رضا حفيظ إن “الجم تعيش على وقع الحضارة الرومانية، واليوم تشهد المدينة عرضا رومانيا ومشاهد كانت تقع بالفعل على مسرحها التاريخي، مثل عرض المجالدين الرومان”.وأضاف “كما عرضنا خلال فعاليات المهرجان تاريخ بعض الرياضات الأولمبية من خلال مشاهد تحاكي تلك الألعاب”.

تعتبر هذه الفعالية السنوية فرصة لاستعادة الروح الرومانية الأصيلة وتعزيز الوعي بالتراث الثقافي. ومن خلال مشاركة الشباب في العروض والفعاليات، يتسنى لهم فهم عميق للتاريخ والثقافة الرومانية، مما يسهم في حفظ هذا التراث القيم ونقله للأجيال القادمة.

علاوة على ذلك، يعتبر مهرجان تيسدروس فرصة لتعزيز السياحة الثقافية في المنطقة. حيث يتوافد الزوار من مختلف البلدان لاستكشاف تجربة فريدة وممتعة في جو من الثقافة والترفيه. وبالتالي، يعزز المهرجان الاقتصاد المحلي ويسهم في تعزيز التنمية المستدامة للمنطقة.

في الختام، يعكس مهرجان تيسدروس الأيام الرومانية بالجم الروح الحية للتراث الروماني ويبرز أهمية الحفاظ على التراث الثقافي كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية والعالمية. إنه تجسيد لروح التعايش والتفاهم بين الشعوب من خلال الاحتفاء بالتنوع والتاريخ الغني للإنسانية.

بهذه الطريقة، يحتفل مهرجان تيسدروس الأيام الرومانية في الجم بالتراث القديم بطريقة تركز على الأثر التاريخي العميق الذي خلفته الإمبراطورية الرومانية، مما يجعل كل زائر يشعر وكأنه عائد إلى العصور القديمة مع كل خطوة يخطوها في أراضي الجم الساحرة لقد أضاف مهرجان تيسدروس الأيام الرومانية بالجم قيمة ثقافية ملموسة للمنطقة، وأصبح حدثًا مرتقبًا ينتظره السكان المحليون والسياح على حد سواء. وبهذا النوع من الفعاليات، يتجلى دور الثقافة في توحيد الشعوب وتعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات المختلفة٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى