مقالات كل العرب

تجديد الفكر الإسلامي: أحاديث تحريم الغناء والموسيقى!!

شارك

تجديد الفكر الإسلامي:

 أحاديث تحريم الغناء والموسيقى!!

 

الدكتور صفوت حاتم

 

قلنا أن ” الحديث النبوي ” يتألف من قسمين , يسميهما العلماء  ” السند ” و ” المتن ” . والأسناد هو سلسلة رواة الحديث وصولا الى النبي – صلى الله عليه وسلم –  والسلسلة  تشمل النبي .. الصحابي .. التابعي .. فتابع التابعي .. وهكذا إلى الراوي الأخير الذي روى لنا الحديث.

ويطلق على السند أيضا الطريق , ويراد به المنهج والأسانيد المختلفة التي يروى بها الحديث . وكل طريق من طريق الرواية يسمى سلسلة سند , أو سلسلة إسناد .

يقول الأمام الأكبر الشيخ “محمود شلتوت “،  رحمه الله،   في كتابه “الأسلام عقيدة وشريعة ” : “… قسم العلماء الحديث إلى قسمين : ما ورد بطريق التواتر , وما ورد بطريق الأحاد . وضابط التواتر أن يبلغ الرواة حدا من الكثرة تستحيل العادة معهم تواطؤهم على الكذب . ولابد أن يكون ذلك متحققا في جميع طبقاته : أوله ومنتهاه ووسطه , بأن يروي الحديث جمع  ( جماعة كثيرة ) سمعوا عن النبي – صلى الله عليه وسلم – ثم يروي عنهم جمع مثلهم , وهكذا حتى يصل إلينا . وهو عند التحقيق : رواية الكافة عن الكافة .

أما إذا روي الحديث شخص واحد أو عدد يسير ولو في بعض طبقاته , فإنه لا يكون متواترا مقطوعا بنسبته إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – إنما يكون حديث ” أحاد ” , ويكون في اتصاله بالرسول شبهة , فلا يفيد اليقين هنا . ( الأمام الشيخ محمود شلتوت , الإسلام عقيدة وشريعة , صفحة 59 ).

ويستطرد قائلا :

” وقال الغزالي : خبر الواحد لا يفيد العلم , وهو معلوم بالضرورة .

وقال الأسنوي : ” ان رواية الآحاد إن أفادت فإنما تفيد الظن , والشارع إذا أجاز الظن في المسائل العملية , وهي الفروع دون العلمية كقواعد أصول الدين ” .  وهكذا نجد نصوص العلماء من متكلمين وأصوليين مجتمعة على أن خبر  الآحاد لا يفيد يقين , فلا تثبت به عقيدة ولا يصح الإعتماد عليه في شأن الغيبيات , وهذا أمر مجمع عليه وثابت بحكم الضرورة العقلية التي لا مجال للخلاف فيها عند العقلاء ! ( الأسلام عقيد وشريعة , الشيخ محمود شلتوت , دار الشروق , ص 59 , الطبعة الثامنة عشرة 2011 ) .

المتن

المتن هو المروي من الألفاظ التي يتكون منها الحديث . أو بعبارة أخرى نص الحديث . وفي هذا يقول الدكتور ” النعمان عبد المتعال القاضي  ”  : ” … ومنذ وقت مبكر كان اهتمام العلماء بدراسة  ” السند ” . وذلك عندما بدءوا يراجعون الحديث من أجل تصفية ومعرفة صحيحه من ضعيفه في القرن الثاني الهجري . ووجد العلماء أنفسهم أمام مجموعات ضخمة من الأحاديث رويت كلها روايات شفوية ولم يعد من اليسير تبين صحيحها من زائفها . فظهرت الحاجة الى وضع علم أصول الحديث , أو علم مصطلح الحديث . ولما أخذ علماء الحديث في عملية التصفية وجدوا أنفسهم أمام ركنين اساسيين هما : المتن والسند . ولما لم يكن بمقدورهم الهجوم على النص وتقييمه , والحكم عليه لإعتبارات الحرج التي كانت تسيطر على الرجال , في هذا الوقت , فقد اتجهوا إلى السند وركزوا عليه اهتماماتهم , لأنه المادة التي تقبل أن تخضع للبحث العلمي , ولهذا كان اهتمامهم ” بالسند ” أشد من اهتمامهم ” بالمتن “.( الحديث الشريف , رواية ودراية , الدكتور النعمان عبد  المتعال القاضي , طبعة مكتبة الأسرة 2013 , صفحة 87-88).

وكما هو معروف فأمور العقيدة لا تثبت إلا بنصوص قاطعة وحاسمة  في ورودها وفي دلالتها بحيث لا يتسرب إليها الظن أو الإحتمال . وهو ما جاء في القرآن الذي ورد إلينا كما أنزله الله متواترا جيلا عن جيل .

أما السنة  فقد يلحق بها بعض الظن وعدم التيقن والقطعية . يقول الأمام الأكبر الشيخ ” محمود شلتوت ” : ” … أول ما يجب التنبه له في هذا المقام أن ( الظنية ) تلحق السنة من جهتي الورود والدلالة : فقد يكون في اتصال الحديث برسول الله – صلى الله عليه وسلم – به شبهة , فيكون ظني الورود . وقد يلابس دلالته احتمال , فيكون ظني الدلالة . وقد يجتمع فيه الأمران : الشبهة في اتصاله , والإحتمال في دلالته , فيكون ظنيا في وروده ودلالته . ومتى لحقت ( الظنية ) الحديث على أي نحو من هذه الثلاثة , فلا يمكن أن تثبت به عقيدة يُكفر منكرها . وإنما يثبت الحديث العقيدة وينهض حجة عليها إذا كان قطعيا في وروده ( أي السند ) وفي دلالته ( أي المتن ) .  ( الإسلام عقيدة وشريعة , صفحة  58 ) .

الإسراف في وصف الأحاديث بالتواتر !!

ويبدو أن حماسة الناس في رواية الأحاديث عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد جعلتهم يفرطون في الرواية ويفرطون في اعتبار  أحاديث ” الأحاد ” أحاديث متواترة .

وعن هذا يقول الأمام ” محمود شلتوت ”  رحمه الله : ” .. ويجدر بنا أن نعرض لظاهرة غريبة  شاعت في الناس , وإن الحق ليتقاضى فيها واجبه من العلماء المسئولين أمام الله وأمام الرسول – صلى الله عليه وسلم – ( يقصد أن المسئول عن هذه الظاهرة الغريبة  هم علماء الحديث ) . تلك الظاهرة هي أن بعض المؤلفين , قديما وحديثا  , يسرفون ( يكثرون )  في وصف الأحاديث بالتواتر , وقد يقتصدون  فيخلعون عليها أوصافا أخرى كالشهرة والإستفاضة والذيوع على ألسنة العلماء , وتلقى الأمة إياها بالقبول والثبوت في كتب التفسير وشرح الحديث أو في كتب التاريخ والمناقب …. الخ  . وقد يشتط أناس في سلوك هذا السبيل , فتراهم يتتبعون مع هذا أسماء الصحابة والتابعين والأئمة والمؤلفين الذين جرى ذكرهم على ألسنة النقلة في رواية الحديث , وهم يعلمون أنها ” روايات  ضعيفة  ” لا تصبر على نقد , وأن هذه الأسماء التي يحرصون على جمعها توجد في كل حديث , حتى في الأحاديث الموضوعة ( !! ) ولكنهم مع ذلك يجمعونها , ويجتهدون في عدها وإحصائها وذكر الكتب التي اشتملت عليها … وقد كان للقائمين ( بالترغيب والترهيب ) ونقل الملاحم والفتن وغرائب الأخبار التي تميل النفوس إلى التحدث بها والإستماع إليها , أثر عظيم  في خلع أوصاف الشهرة والتواتر على أنواع خاصة من الأحاديث التي ليست بمشهورة ولا متواترة , بل ربما كانت غير صحيحة ( !! ) . وقد رويّ عن الإمام أحمد أنه قال : ” أربعة أحاديث تدور بين الناس في الأسواق ولا أصل لها ” . وقد تأثرت بذلك طبقة من الخاصة ( يقصد من علماء الحديث ) لم تعن بتحقيق رواية الحديث , ولا بمعرفة درجة الحديث , واكتفت بنقل ما يقوله هؤلاء وإجرائه على ألسنتهم وفي كتبهم حتى شاع واشتهر . ( الشيخ محمود شلتوت ,  صفحة 63 ) .

ويضيف الأمام ”  محمود شلتوت ”  : ” … وبذلك روّوا الأحاديث الضعيفة , بل الموضوعة , ثم توسعوا فوصفوا الأحاد  ( بالتواتر ) , وتناسوا مقاييس التواتر والأحادية , ومقاييس الصحة والضعف . ومن هنا رأينا أن يصف ( المعجزات الحسية ) كإنشقاق القمر وتسبيح الحصى , وكلام الغزالة , وحنين الجذع , بالتواتر مع أنها غير متواترة , وإنما هي أحادية , كما قرره علماء الأصول . وكذلك رأينا من يصف أخبار المهدي والدجال ويأجوج ومأجوج . وما إلى ذلك مما يذكر بإسم ( أشراط الساعة ) بأنها أحاديث مشهورة أو متواترة . والذي لابد تقريره هو أن تلك الأحاديث , كيفما كانت , ليست من قبيل المحكم الذي لا يحتمل التأويل حتى تكون قطعية  الدلالة . فقد تناولتها أفهام العلماء , قديما وحديثا ,   ولم يجدوا مانعا من تأويلها …. ”

( الإسلام عقيدة وشريعة , مصدر سابق صفحة 64 ) .

ويقول الأستاذ  ”  أحمد أمين ” المفكر الإسلامي في هذا الصدد : ” … وقد تساهل بعضهم في باب الفضائل والترغيب والترهيب, ونحو ذلك مما لا يترتب عليه تحليل حرام او تحريم حلال  , واستباحتهم الوضع فيه ( يقصد الأحاديث الموضوعة ) فملئوا كتب الحديث بفضائل الأشخاص , , حتى من لم يرهم الرسول – صلى الله عليه وسلم –        كوهب بن منبه . بل وضعوا أحاديث بفضائل     آيات القرآن وسوره , كالذي رويّ عن أبي عصمة نوح بن أبي مريم أنه وضع أحاديث في فضائل القرآن سورة بسورة , بعنوان أن من قرأ سورة كذا  فله كذا , وروى ذلك عن عكرمة عن ابن عباس ’ وتارة يروي عن أبيّ بن كعب – فلما سئل : من أين هذه الأحاديث ؟ قال : لما رأيت اشتغال الناس بفقه أبي حنيفة , ومغازي محمد بن اسحاق وأعرضوا عن حفظ القرآن وضعت هذا الأحاديث حسبة لله تعالى ” . ( فجر الإسلام . أحمد أمين , طبعة دار الكتاب العربي , بيروت , لبنان , صفحة 215 ) .

أحاديث  تحريم الغناء والموسيقى

راجت في السنوات الأخيرة أحاديث كثيرة في تحريم الموسيقى والفنون من غناء وموسيقى . ومع ظهور شيوخ الفضائيات والدعاة السلفيين , وتكرار ظهورهم عبر هذه الفضائيات ومواقع الإتصال الإجتماعي ( الإنترنت واليوتيوب )  ظهرت جوانب من التحليل والتحريم لم تكن معهودة من قبل , حتى سادت فوضى الأفتاء  لمن لا حظ له من علم راسخ في جامعاتنا الدينية المختصة بدراسة علوم الدين .

ولعل أهم من تعرض لهذه القضية , وبأسلوبه الجذاب  , هو الشيخ المجدد ” محمد الغزالي ” رحمه الله .

وقد يكون من المفيد  والممتع أن نتابعه في رده على  ” فقهاء الصحراء ”  الذين يحرمون الفنون المختلفة وأهمها  فن الموسيقى والغناء  , ويستدلون بذلك بأحاديث شتى من هنا  وهناك .

يقول الشيخ  ” محمد الغزالي ” في  كتابه ” السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ” : ” … في حديث  لي مع أحد الأخوة من علماء الخليج  .. قال لي : إن للأحاديث الموضوعة  والواهية سوقا رائجة عندكم !!!

فقلت له : وللأسف عندكم أيضا !!

فرد علي قائلا : لا … نحن نتحرى الأحاديث التي نصدر وفقها أحكامنا !!

فضحكت وقلت  أرد عليه بإجابة سريعة : أظن الأحاديث التي وردت في ليلة النصف من شعبان أقوى من الأحاديث التي وردت في تحريم الغناء!!

فأجاب مستنكرا : هذا غير صحيح ! إن تحريم الغناء وآلاته ثابت في السنة النبوية …

قلت له : تعال نقرأ سويا ماقاله ” ابن حزم ” في ذلك الموضوع .. ثم أنظر بنفسك ماقال ابن حزم : “…  وبيع الشطرنج والمزامير والعيدان والمعازف والطنابير حلال … ومن كسر شيئا من ذلك ضمنه – يقصد من كسر من هذه الألات من ملك الغير تكفل بالتعويض – ألا أن يكون صورة مصورة – تمثالا مجسما – فلا ضمان على كاسرها . وتضمين  ( تعويض ) المعتدي على هذه الأشياء واجب .. لأنها مال من مال مالكها …

ويقول ايضا أبن حزم : ” وكذلك يجوز بيع المغنيات من الجواري وابتياعهن واساس الجواز في كل ما ذكرنا قوله تعالى :  ” خلق لكم مافي الارض جميعا .. ” وقوله تعالى أيضا : أحل الله البيع ” … وقوله : ” وقد فصل لكم ماحرم عليكم ” .. وهذا يعني أن الأصل هو ” الإباحة ” .. وانه لا تحريم ألا بنص .. وقد فصل الله ماحرم في كتابه وعلى لسان نبيه ” .. ولم يأت بنص تحريم شيئ من البيوع السابقة ”

ثم ذكر ابن حزم أن أبا حنيفة يوجب الضمان – أي التعويض – على من كسر شيئا من ألات اللهو التي سماها آنفا !!

ثم قال ابن حزم : ” واحتج المانعون بآثار لا تصح .. أو يصح بعضها .. ولا حجة لهم فيه !!

منها ما رويّ عن عائشة أم المؤمنين – رضي الله عنها – التي روت عن الرسول صلى الله عليه وسلم .. أنه قال : ” إن الله حرم المغنية وبيعها وثمنها وتعليمها والاستماع اليها ”

قال ابن حزم وهو يناقض هذا الحديث وصحة سنده .. فقال : ” فيه من الرواة ” ليث ” وهو ضعيف .. وفيه سعيد بن رزين نقلا عن أخيه .. وسعيد نفسه مجهول لا يدرى أحد من هو .. ومن  أخيه !! وما أدراك ما عن أخيه !! هو لم يعرف وقد سمي .. فكيف أخوه الذي لم يسم ؟

يقصد أن سعيد بن رزين نفسه مجهول  فهل يصح أن  ننقل عن أخيه الذي لا نعرف له اسما ؟!!

وهكذا ضعف ابن حزم هذا الحديث لوجود ” ليث ” في سلسلة الرواة وهو ضعيف في سلسلة الرواة .. ثم هناك ” سعيد بن رزين ”  وأخوه .. والأثنان مجهولان !!

ثم ينتقل ابن حزم لحديث آخر من أحاديث تحريم الغناء والموسيقى : عن علي ابن ابي طالب قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء .. منهم : واتخذوا القينات والمعازف .. فليتوقعوا عند ذلك ريحا حمراء ”

يقول ابن حزم : ” في رواة هذا الحديث :   لاحق بن الحسين  ” , و ضرار بن علي  , والحمصي .. وهم  مجهولون ..  وفرج ابن فضالة  متروك …

ثم ذكر ابن حزم حديث معاوية : ” نهى الرسول عن تسع .. وأنا أنهاكم عنهن الآن .. فذكر فيهن الغناء والنوح ”

قال ابن حزم : ” في رواته محمد بن المهاجر وهو ضعيف .. وفيه كيسان وهو مجهول !!

وروى أبو داود بسنده عن شيخ ( ! ) عن ابن مسعود يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول : إن الغناء ينبت النفاق في القلب ” ( ! )

يقول ابن حزم : الرواية عن شيخ .. عجب جدا .. من هذا الشيخ ؟!!

وعن ابي مالك الأشعري أنه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول : يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها .. يضرب على رؤسهم بالمعازف والقينات .. يخسف الله بهم الأرض ”

يقول ابن حزم وهو يناقش السند : ” معاوية بن صالح ضعيف .. وليس فيه ان الوعيد المذكور انما هو على المعازف .. كما ليس على اتخاذ القينات .. والظاهر أنه على استحلالهم الخمر .. والديانة لا تؤخذ بالظن ”

وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله : ” من جلس الى قينة  فسمع منها صب الله في أذنيه الآنك يوم القيامة ” والآنك هو الرصاص المذاب

قال ابن حزم : هذا حديث موضوع فضيحة .. ماعرف قط عن طريق أنس !!

وأن مكحول عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله من مات وعنده جارية مغنية فلا تصلوا عليه ”

يقول ابن حزم : مكحول  لم يلق عائشة .. وهاشم وعمر .. الراويان مجاهيل !!

                                آية : لهو الحديث

وعن أبي أمامة سمعت الرسول – عليه الصلاة والسلام – يقول : ” لا يحل بيع المغنيات ولا شراؤهن .. وثمنهن حرام ” .. وقد نزل تصديق ذلك في كتاب الله ” : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله   بغير علم ويتخذها هزوا ” .. والذي نفسي بيده مارفع رجل قط عقيرته بغناء إلا ارتدفه شيطانان يضربان على صدره وظهره حتى يسكت ”

ويقول الشيخ محمد الغزالي : وقد نظر ابن حزم في رواة  هذا الحديث  فوجدهم بين ضعيف ومتروك ومجهول !!

ويضيف الشيخ محمد الغزالي : ” ولعل أهم ما ورد في هذا الباب مارواه ” البخاري ” معلقا على أبي مالك الاشعري أنه سمع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : ليكونن في أمتي قوم يستحلون الخز والحرير والخمر والمعازف ”

ومعلقات البخاري يؤخذ بها .. لأنها في الغالب متصلة الأسانيد .. لكن ابن حزم يقول : ان السند هنا منقطع .. لم يتصل مابين البخاري وصدقة بن خالد رواي الحديث .

ثم يضيف الشيخ ” محمد الغزالي ” : … ونقول لعل البخاري يقصد أجزاء الصورة كلها .. أعني جملة الحفل الذي يضم الخمر والغناء والفسوق .. وهذا محرم بإجماع المسلمين .

ثم يقول ايضا  : وقد قال ابن حزم عن تحريم الغناء : لا يصح في هذا الباب شيئ ابدا .. وكل ماورد فيه ” موضوع ” .. والله لو أسند جميعه .. أو واحد منه عن طريق الثقات الى الرسول – صلى الله عليه وسلم – ماترددنا في الأخذ به .

تفسير آية : لهو الحديث

ونستمر مع الشيخ ” محمد الغزالي ” فنراه يقول : ” ثم نظر ابن حزم في الآية الكريمة ” ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا ” سورة لقمان الآية 6 .

ونفى ابن حزم أن تكون في الغناء وقال : إن نصها يشرح المراد منها .. فإن من يريد الإضلال عن سبيل الله واتخاذها هزوا  هو كافر بإجماع المسلمين .. ولو ان امرءا اشترى مصحف ليضل عن سبيل الله لكان كافرا ” !!

ثم يقول الشيخ ” محمد الغزالي ” : ” إن الله ما ذم قط من رفه  عن نفسه بشيئ من اللهو ليعينه على الكثير من الجد .. وانما الأعمال بالنيات .. ولا حرج على مسلم أن ينظر في بستان .. أو يتنقل هنا وهناك متفرجا ليريح طبعه المكدود ..

والحق أن الغناء كلام .. حسنه حسن وقبيحه قبيح .. هناك أغان آثمة , تلقى في ليال ظالمة مظلمة وإن كثرت فيها الاضواء , لا تسمع فيها الا صراخ الغرائز أو فحيح الرغبات المحرمة

وهناك أغان سليمة الاداء , شريفة المعنى , قد تكون عاطفية , وقد تكون دينية , وقد تكون عسكرية وطنية , تتجاوب معها النفوس وتمضي معها الالحان الى أهداف عالية .. ” ص 85 .

هل تلهي الفنون عن ذكر الله ؟

ومعظم من يحتجون على الفنون –  بمختلف انواعها –  يرون أنها تلهي الأنسان المسلم عن ذكر الله – وشغله  فيما لايفيد ولا ينفع .. وأن هذا الوقت يجب أن يشغل بالعبادة وقراءة القرآن والذكر .

وبالتالي يحكمون بتحريم هذه الوسائل الترفيهية !!

ولا أظن أن هذه الحجة كافية لتحريم الغناء والموسيقى والمسرح مادامت تقدم فنونا راقية حسنة .. ولا تثير غرائز الناس .

ولعل فتح باب التحريم على هذا المنوال – أي تحريم كل ما يلهي عن ذكر الله – يجعلنا نحكم قياسا بتحريم الرياضة بكل أنواعها  وتحريم مشاهدتها .. كذلك تحريم  الثقافة والقراءة في الاداب والعلوم المختلفة .. كهوايات في أوقات الفراغ .. فهل الرياضة والقراءة والثقافة تلهي عن ذكر الله وحرام؟!

وهل يلهي  الجماع مع الزوجة – أو الزوجات –   عن ذكر الله  قياسا على هذه الامور ؟ !

ونستمر في  موضوع مقالنا اليوم عن  الفنون والثقافات الراقية والرياضات النافعة :

يقول الشيخ ” محمد الغزالي ” ما موقف الاسلام من مظاهر الحضارة الحديثة , السينما والمسرح والموسيقى والفنون جميعها , كالرسم والنحت والتصوير ؟

ويجيب : الحضارة الحديثة نتاج تقدم علمي باهر , وصل اليه الانسان بعد قرون من البحث المضني والتجارب الغالية !

ولم يكن عجبا أن يستغل الإنسان كشوفه لإسرار الكون وقواه الخفية في ترقية نفسه وترقية معايشه .. وذلك اقرب الى الحكمة من استغلال هذه الكشوف في تدمير الحضارة نفسها وتيسير الانتحار الجماعي على الناس !

ومن ثم فالأصل في الاشياء الاباحة , ولا تحريم ألا بنص قاطع , والواقع ان نفرا من سوادويي المزاج أولعوا بالتحريم , ومنهجهم في الحكم على الاشياء يخالف منهج نبي الأسلام .. الذي ماخير بين أمرين ألا أختار أيسرهما .. مالم يكن إثما .. فإن كان إثما .. كان أبعد الناس عنه .

روى أنس بن مالك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : ” لا تشددوا على أنفسكم فيشدد عليكم , فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد عليهم , فتلك بقاياهم في الصوامع والأديرة رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ”

أما الغناء فكلام , حسنه حسن , وقبيحه قبيح .. ومن غنى أو استمع الى غناء شريف المعنى .. طيب اللحن فلا حرج عليه !!!

وما نحارب الا غناء هابط  المعنى واللحن …

ويضيف  الشيخ ” محمد الغزالي  قائلا : : ” وهكذا نقول أنه لم يرد حديث صحيح في تحريم الغناء على الاطلاق .. واحتجاج البعض  بقوله تعالى : ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا … ”

ولعمري : أن من يشتري جد الحديث أو لهوه للأسباب المذكورة – الإضلال عن سبيل الله – جدير بسوء العقاب , أما من يريح أعصابه المكدودة بصوت حسن ولحن جميل فلا علاقة للآية به .. وكما يقول ابن حزم : لو اشترى مصحفا للإضلال به فهو مُجرم !!

والموسيقى كالغناء .. وقد رأيت في السنة أن النبي – صلى الله عليه وسلم – مدح صوت أبي موسى الاشعري فقال له : لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود ! ولو كان المزمار آلة رديئة ما قال له ذلك .. وقد سمع رسول الله  صوت الدف والمزمار دون تحرج .. ولا أدري من أين حرم البعض الموسيقى , ونفر من سماعها ؟!! (  محمد الغزالي , ص 98 )

رحم الله  الفقيه ابن حزم .. ورحم الله استاذنا الشيخ ” محمد الغزالي ” رحمة واسعة .

باحث في شؤون الفكر العربي عربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى