مقالات كل العرب

إيران بين فزاعة نتنياهو و تبريرات السلام الإبراهيمي

شارك

إيران بين فزاعة نتنياهو وتبريرات السلام الإبراهيمي

أ. نسيم قبها

منذ اكثر من أسبوع والحديث يدور حول التحضيرات الأميركية والإسرائيلية لضرب إيران على إثر تقرير غير معدٍّ للنشر للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يتضمن اكتشاف جزئيات من اليورانيوم المخصّب بنسبة 83,7 في المئة؛ أي أقل بقليل من 90 في المئة اللازمة لإنتاج قنبلة ذرية، في مصنع فوردو جنوب العاصمة طهران. وأشيع بأن إيران على بعد 12 يوم من بلوغ النسبة الكافية من اليورانيوم المخصب لصناعة القنبلة النووية.
وفي السياق قال قائد أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي إن قواته حسّنت جاهزيتها لضرب أهداف نووية إيرانية، مؤكدًا أن مستوى الاستعداد لعملية ضد إيران قد تحسن بشكل كبير. فيما توعد قائدان عسكريان إيرانيان بالرد على أي هجوم إسرائيلي على بلادهما. حيث حذر قائد الجيش عبد الرحيم موسوي -في ختام مناورات للجيش الإيراني-: إن القوات المسلحة سترد بحزم إذا واجه أي جزء من إيران تهديدًا من قبل الكيان الصهيوني.
ومن جهته، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) وليام بيرنز حيال “التقدّم المفاجئ” للبرنامج النووي الإيراني، إنَّ الايرانيين لا يحتاجون سوى بضعة أسابيع لبلوغ نسبة تسعين في المئة من التخصيب “إذا قرّروا تجاوز هذا السقف”، لكنه أضاف إن الولايات المتحدة لا تعتقد أنّ المرشد الأعلى علي خامنئي قرّر “استئناف برنامج التسلّح الذي نقدّر أنه علّق أو أوقف نهاية العام 2003”. كما أبدى قلقه إزاء التطوّر “الخطير” في التعاون العسكري بين طهران وموسكو.
وقد أثيرت هذه الضجة الصاخبة والتهويل في أجواء مؤتمر هارتوغ بحضور عدد من السياسيين الأميركيين (من بينهم وزير الخارجية السابق مايك بومبيو)، والذي استغله نتنياهو في التأكيد على أولوية حكومته بمنع امتلاك إيران للسلاح النووي، ومواصلة “الاتفاقيات الإبراهيمية” ومعالجة الملف الفلسطيني.
وكما هو معلوم، فإن ورقة التهديد الإيراني تُعتبر الركيزة الأساسية في أجندة نتنياهو السياسية المتمثلة بتصفية قضية فلسطين عبر “الاتفاقيات الإبراهيمية”، وهي الفزاعة التي يستعملها للتغطية على الانقسام الداخلي والمظاهرات المنادية بخلعه، ويستغلها لحشد الأصوات الانتخابية إلى جانبه، باعتبار أن “الأمن” يمس مركز التنبه لدى الناخبين بمختلف توجهاتهم. مستغلًا تبني فريق من الدولة العميقة في الولايات المتحدة “المشروع الإبراهيمي” و”الحل الإقليمي” وتقاطعهم مع أجندته.
ومعلوم أيضًا أن حكومة نتنياهو المتطرفة، والتي تهدد باستفزازاتها المشروع الأميركي في المنطقة برمتها لا تحظى بقبول الولايات المتحدة، وبخاصة وأن ما تقوم به من تصعيد قد يجر المنطقة إلى حرب شاملة تربك أولويات السياسة الأميركية بشأن روسيا وأوروبا والصين؛ ولذلك لا غرابة بأن تُفشي أميركا المعلومات المتعلقة بكثير من التحركات العسكرية الإسرائيلية لإيران، وإفشالها منعًا للتصعيد كما حصل في العملية الاسرائيلية في كفر سوسة بسوريا مؤخرًا، ولا غرابة بأن تعارض التصعيد الإسرائيلي في الضفة كما حصل مؤخرًا في بلدة حوارة، والتي عقبت الخارجية الاميركية على تصريحات سموتريتش المنادية بـ”محوها” بأنها تصريحات “بغيضة”، و”مثيرة للاشمئزاز” و”تحريض على العنف” ، ودعت كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى القيام “علنًا وبوضوح إلى رفضها والتنصل منها”.
ومن قراءة التصريحات وحيثيات التصعيد الأخير يتضح أن الأمر يندرج في مساعي أميركا لاحتواء سياسات الحكومة الاسرائيلية المتطرفة، وإبقاء التصعيد الإسرائيلي الخارجي في حدود الهجمات على المواقع الإيرانية في سوريا، والعمليات الأمنية في الداخل الإيراني، وما يُسمى بـ”حرب السفن”، وذلك لمنع انزلاق المنطقة إلى حرب، بالإضافة إلى أهداف أخرى تتوخاها أميركا على هامش التصعيد الأخير، ومن ضمنها تحذير إيران من التمادي في العلاقة مع روسيا والصين، وهو ما أشار إليه بايدن أثناء زيارته لليونان، وأشار إليه أيضًا مدير وكالة المخابرات الأميركية، ومن ثم تريد الولايات المتحدة معالجة سلوك النظام الإيراني وإعادته إلى مربعه الوظيفي عبر إطلاق المفاوضات معها مجددًا، والذي تأمل إيران من ورائها رفع العقوبات عنها ومعالجة اقتصادها ومعيشة شعبها المتردية، وبخاصة وأن أميركا قد أعلنت غير مرة بأنها لا تسعى لإسقاط النظام الإيراني بل تريد ضبط سلوكه.
فمن تتبع حيثيات التصعيد نجد أن أميركا هي التي بادرت به عن طريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي قد توعز لها بإحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن للحد من استغلال روسيا والصين لتوتر العلاقة الأميركية الإيرانية والتمدد في شقوقها، وإظهارهما بالدول الداعمة لـ”محور الشر”، ومن أجل أن تُمسك بزمام أي تحرك عسكري إسرائيلي ضد إيران في هذه الظروف الدولية المحتقنة، ولا سيما أن إسرائيل لا تستغني عن الغطاء السياسي والتنسيق العسكري الأميركي خارج حدودها. ولذلك اندفعت أميركا إلى حيث يريد نتنياهو من أجل الإمساك بزمام تحركاته، فقد صرَّح سفير أميركا في إسرائيل توماس نيدز “يمكن لإسرائيل وينبغي لها أن تفعل كل ما تحتاجه للتعامل مع إيران ونحن نساندهم”. غير أن النهج الأميركي الواقعي حيال الملف الإيراني قد عبر عنه الرئيس بايدن أثناء زيارته لليونان إذ أعلن من أثينا أن “الخيار الدبلوماسي ما زال الحل المثالي لحل الأزمة النووية”.
ويبدو أن إيران متماهية تمامًا مع أميركا في ردع نتنياهو عن العدوان والتزام قواعد اللعبة وإبقائها في حدود المناوشات التي تخدم كافة الأطراف، سيما وأن القادة الإيرانيين يدركون اللعبة تمامًا ويعلمون أن الانسحاب الأميركي سنة 2018 قد منحهم الضوء الأخضر للاستقواء، ولذلك يلعبون دور الفزاعة لدول المنطقة والرأي العام الإسرائيلي ما دام يضيف إلى رصيدهم القومي والمذهبي نفوذًا على حساب الجوار المنافس في مستنقع التبعية للمستعمر.
وفي هذا السياق، وصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل غروسي الجمعة 3 آذار/مارس إلى طهران والتقى الرئيس الإيراني، حيث أكد في ختام زيارته، أن إيران وافقت على إعادة توصيل كاميرات المراقبة في عدة مواقع نووية، وزيادة وتيرة عمليات التفتيش. بينما أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية إن طهران توصلت إلى “تفاهمات جيدة” مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن أن تكون أساسًا لحل القضايا التقنية العالقة فيما يخصّ العودة للاتفاق النووي. وأكدت تمسك إيران بالدبلوماسية كـ”أفضل إطارٍ للعمل”. وهو الأمر الذي يضع التصعيد الأخير في خانة التهويل الإعلامي والاستثمار السياسي من قبل كافة الأطراف.
ومن ذلك استغلال بايدن للتجاوزات الإيرانية النووية للطعن بسياسة ترمب، وإثبات فشل قراره بالانسحاب من الاتفاقية؛ حيث أجاب مسؤول سياسات البنتاغون كولن كال في جلسة استجواب بالكونجرس على تساؤل عضو اللجنة الجمهوري بشأن محاولات إدارة بايدن إعادة إحياء الاتفاق النووي بقوله: “إن تطور برنامج إيران النووي لافت للنظر منذ انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق فلقد تمكنت من تقليص نافذة تطوير سلاح نووي من ١٢ شهرًا إلى ١٢ يومًا”.
فيما استغل نتنياهو التصعيد لإشغال الرأي العام الإسرائيلي بالتهديدات الخارجية عبر التلويح بالحرب وعبر الضربات الجوية لمواقع إيرانية في سوريا، والعمليات الأمنية والعسكرية في الداخل الإيراني، وعبر التصعيد مع الفلسطينيين في مدن الضفة الغربية، وضرب الفلسطينيين ببعضهم وزيادة الإنقسام ، وبث اللغط فيما جرى بحثه في لقاء العقبة في 26 شباط/فبراير الماضي بين ممثلين عن الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بحضور مسؤولين أمنيين من الأردن ومصر، وحضور منسق البيت الأبيض للشؤون الأمنية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، والذي حاول خفض التصعيد الإسرائيلي في الظرف الراهن من خلال التنسيق الأمني وما يترتب عليه.
ومن ناحية أخرى يحاول نتنياهو من خلال هذا التصعيد أن ينتزع موافقة الكنيست على ميزانية استثنائية للدفاع، حيث طالبت وزارة الدفاع بزيادة استثنائية بمبلغ 10 مليارات شيكل (2.8 مليار دولار) لميزانيتها للعامين الحالي والمقبل تحوطًا لاحتمال الحرب مع إيران. والأهم من ذك كله أنه يحاول ابتزاز إدارة بايدن من خلال التلويح بالحرب لفتح الطريق أمامه لاستكمال “الاتفاقيات الابراهيمية” وبخاصة مع السعودية. إذ اعتبر أن مسار التطبيع وما سينتج عنه من تحالفات بين الدول العربية وإسرائيل سيشكلان أفضل درع في مواجهة إيران. وذلك خلال تركيزه في مؤتمر هارتوغ على أهمية “اتفاقيات أبراهام” وتشديده على “الانفتاح السعودي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى