أخبار كل العرب

اللغة العربية في الأحواز

د. يوسف عزيزي

شارك

اللغة العربية في الأحواز

 

كلمة يوسف عزيزي في حفل مجلة كل العرب لتكريم الكتاب العرب

أشكر القائمين على هذا الحفل وخاصة الأستاذ علي المرعبي لهذه الدعوة والتكريم. أنا جئت من مملكة عربية كانت توصف بعربستان لقرون عديدة، جئت من إقليم الأحواز العربية.

إخوتي وأخواتي، معظمكم أتيتم من بلدان كانت مستعمرة وأصبحت مستقلة حاليا، رغم أن العديد منكم يعاني في بلاده من بطش الرقابة وفقدان حرية التعبير، وأنا جئت من بلد يشبه بلدانكم في هذا المجال لكن هناك أمر يختص بنا نحن الأحوازيون، إذ تذبح لغة الأم – اللغة العربية – قربانا على مذبح اللغة الرسمية الوحيدة وهي اللغة المهيمنة بقوة السيف والسجون، اللغة الفارسية.

انتهى عندكم الاستعمار لكنه لم ينته عندنا، فالحكام في إيران رغم تشدقهم بالدين والإسلام، يمنعوننا من التعليم بلغتنا، لغة القرآن والأيمة والصحابة. أغلقوا مدارسنا العربية بعد سيطرتهم على مملكة عربستان في نهاية الربع الأول من القرن العشرين. إذ تم حظر التدريس باللغة العربية في مدارس الأحواز في العهد الملكي وقد استمر النظام الشمولي الديني في هذا السياق. وكل ديدنهم أن نصبح فرسا وفقا لمشروع الدولة- الأمة الفارسية.

ربما يسأل سائل: كيف حرمتم من لغتكم العربية وأنت تتكلم وتكتب بهذه اللغة، فأقول لكم، أنا والكتاب والشعراء الأحوازيون الذين يكتبون بالعربية، تعلمنا لغتنا الأم بجهودنا الفردية، ونعتبر أنفسنا عصاميين في هذا المجال، لأننا تجاوزنا الحواجز وممنوعات النظام الحاكم في إيران. فهم لم يحاربوا لغتنا فقط بل ثقافتنا وتراثنا وفنوننا وأسماء مدننا وقرانا وحاراتنا ليلبسوها لباسا فارسيا. غير أن أبناء شعبنا يقاومون ذلك بشتى الوسائل ويساعدهم في ذلك المذياع والتلفاز والإنترنت مؤخرا. هذا الأمر لازم لكن ليس كافيا، وهناك استنزاف لغوي وثقافي يتعرض له شعبنا الأحوازي وسيتعاظم هذا الاستنزاف إذا لن تكون هناك مدارس يتعلم بها أطفالنا لغة الضاد. الطفل الأحوازي مضطر أن يترك لغة أمه على عتبة أبواب المدارس الفارسية وأن يتعلم لغة اجنبيه وهذا ما يجعله أن يتخلف عن زميله الفارسي في الصف. ومن هنا أي منذ انطلاق مباراة الحياة يتخلف الطفل العربي من الطفل الفارسي ويبدأ دومينو التخلف: من التخلف اللغوي إلى التخلف الثقافي إلى التخلف الاقتصادي، وكله مفروض من سلطة شمولية استعمارية تحقر الإنسان العربي.

فمن بطن هذه العتمة الثقافية والسياسية، نرى ضوء يشع أيضا في سماء الأحواز، ومنشأ هذا النور هم حملة القلم الذين يتحدون المستحيل ويكتبون بلغة الضاد. إذ علاوة على الشعر، وهو ديواننا ولم يفارقنا حتى في أحلك الفترات، شاهدنا خلال العقود الأخيرة كتابة الرواية والقصة والمسرح والنقد الأدبي باللغة العربية، بل وحتى أصبح للمرأة الأحوازية حصة في هذا المجال. لكن هذه العملية جنينية وبحاجة إلى دعم ومواظبة كي لا تذبل إثر الأعاصير العاتية الآتية من اللغة والثقافة المهيمنة. وهنا أطلب منكم أنتم الناشرون وأصحاب الصحافة العربية أن تساعدوا هؤلاء الأحوازيين في نشر ما يكتبونه في الداخل والذي يواجه العراقيل والرقابة الحكومية. وفي الختام أحيي الشعب الفلسطيني الشقيق في نضاله ضد الاحتلال والعنصرية وهنا أنا كأحوازي أشعر بعمق معنى هاتين الكلمتين في إيران.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى