كل السياسة

حوار خاص و حصري مع د. خالد فرح سفير السودان في فرنسا

حوار: أ. ليلى قيري

شارك

يسرنا أن نستضيف في هذا الحوار الدكتور خالد فرح سفير السودان في فرنسا.

حوار: أ. ليلى قيري

– نبدأ من الاخير: ما هي آخر التطورات الميدانية و السياسية في السودان؟
– اود ان اشكركم اولاً على هذه الاستضافة الكريمة، كما ارجو ان ازجي اطيب التحايا الى قرائكم ومتابعتكم حيثما كانوا. اما آخر التطورات الميدانية فاستطيع ان اقول بشانها على الرغم من انني لست خبيرا مختصاً في الشؤون العسكرية، ان القوات المسلحة السودانية ، قد انجزت المهمة الاولى في هذه الحرب المفروضة عليها، اولا بامتصاص الصدمة المفاجئة المتمثلة في العمل الغادر والجبان، الذي قامت به قوات الدعم السريع المتمردة بمهاجمتها قيادة الجيش الوطني بمباغتة تامة، وبنيران كثيفة بهدف اغتيال القائد العام للجيش ورئيس الدولة او اعتقاله، كخطوة اولى في تنفيذ انقلاب عسكري دموي مكتمل الاركان. ولكن ذلك المخطط الاجرامي باء بالفشل الذريع، وسرعان ما تدارك الجيش الوضع ورد الصاع صاعين للقوات المتمردة ، فدمر مقرات قياداتها ومراكز تجميعها ومعسكراتها جميعها داخل العاصمة، كما قام بتدمير عدد كبير من قوافل الدعم والامداد التي بدات ترد اليها من الولايات الاخرى، كذلك استطاعت القوات المسلحة اخراج قوات المتمردين من جميع المرافق المدنية والعسكرية التي كانت مشاركة اصلا في حمايتها وحراستها قبل هذا الانقلاب الفاشل، مما ادى الى تشتتها وانتشارها عشوائيا داخل احياء المدنيين للاختباء بها ، واتخاذ الكثيرين منهم دروعا بشرية في مواجهة الجيش الوطني الذي يستمر في ملاحقتهم ومطاردتهم بشتى السبل ، من اجل اخراجهم منها، مع مراعاة سلامة ارواح المواطنين وممتلكاتهم. ونعتقد ان الجيش الوطني سوف ينتصر في هذه الحرب في نهاية المطاف، وباقل الخسائر في صفوفه وفي صفوف المواطنين، وسوف يضع كل الامور في نصابها في اقرب وقت باذن الله.
واما سياسياً، فان هذه الظروف الاستثنائية العصيبة التي يمر بها السودان حالياً، قد كشفت عن المعدن الحقيقي والاصيل للشعب السوداني عند النوازل التي تحل بالوطن، حيث تجلى ذلك في شكل اصطفاف مبهر ، وتلاحم نبيل بين القيادة والمواطنين ، وبين الجيش والشعب ، ذوداً عن الوطن، واستعدادا لبذل الغالي والنفيس من اجل الدفاع عنه ، وعن كيانه وسيادته وسلامة ارضه ومواطنيه. وهذه هي الميزة الايجابية الواضحة للجيش السوداني، كون انه يعول بالدرجة الاولى على مؤازرة مواطنيه وشعب بلاده بالكامل، بينما تعوز المتمردين الحاضنة الشعبية الوطنية المساندة.
اما على الصعيد الدبلوماسي، فقد اجتهدت الدبلوماسية السودانية خلال الايام الفائتة ، من اجل توضيح الحقيقة لشركاء السودان على مختلف الاصعدة والراي العام العالمي ايضا، بان ما يجري فيه عبارة عن تمرد فصيل تابع للقوات المسلحة على قيادتها التي من المفترض ان ياتمر باوامرها ، مما استوجب التصدي له بكل قوة، حتى يستسلم ، او يتم القضاء عليه.
وعلى صعيد اخر، ظل السودان يتجاوب مع بعض النداءات المتعلقة بالتزام هدنتين اثنتين على التوالي لاغراض انسانية والسماح للدول باجلاء منسوبي بعثاتها الدبلوماسية ورعاياها المقيمين بالسودان.

– كيف تفاقمت الأمور وصولا إلى الاشتباكات المسلحة؟
– يتعلق الامر أساساً في تقديري الخاص، بطبيعة هيكل السلطة التي تصدرت المشهد السياسي في البلاد ، عقب الاطاحة بالنظام السابق منذ الحادي عشر من ابريل من عام 2019م، الذي لعب فيها الجنرال حميدتي دورا بارزاً، بفضل ما كان يمتلكها من قوة عسكرية وامكانيات مالية، اهلته مباشرة لكي يتولى منصب نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي. بيد ان الجنرال حميدتي كان يتصرف كما لو كان فعلاً رئيسا مناوبا او موازياً ، وليس مجرد نايب رئيس، وقد ظل يتحين الفرصة لكي يحقق طموحه بان يكون الرئيس الفعلي للبلاد، فانتهز فرصة الخلاف حول التوقيع على الاتفاق الاطاري الذي سبق الاتفاق عليه مبدئيا في 5 ديسمبر من العام الماضي 2022م، الذي تقف من ورائه بعض القوى السياسية المدنية ممثلة في قوى الحرية والتغيير، تساندها في ذلك بعض الاطراف الدولية والاقليمية، وذلك على الرغم من احتوائه على مواد تدعو صراحة الى تفكيك القوات المسلحة، ودمج الدعم السريع فيها. وهنا ايضا برز الخلاف بينه وبين قيادة الجيش التي ترى ان اندماج قوات الدعم السريع فيه ينبغي الا يتجاوز العامين، بينما اقترح حميدتي عشر سنوات واكثر من اجل انجاز هذه المهمة، مما ادى الى تعطيل التوقيع النهائي على الاتفاق. وفي هذه الاثناء ذاتها، عمد الجنرال حميدتي في خطوة آحادية ، وبدون اذن وموافقة القائد العام للقوات المسلحة ، الى تحريك اعداد كبيرة من قواته مع اسلحتها والياتها وحشدها حول مطار مدينة مروي الاستراتيجي بشمال السودان ، مما جعله عمليا تحت قبضته، وذلك بتاريخ 13 ابريل المنصرم، اي قبل اندلاع القتال بيومين، وكانت تلك الخطوة من قبل حميدتي هي البداية الفعلية لتمرده على قيادة الجيش الوطني في الواقع.

– من هم قوات الدعم السريع؟
– قوت الدعم السريع هي عبارة عن قوات شبه عسكرية ، في اصلها مليشيا عشائرية صغيرة ومحدودة، من بطن واحد من بطون قبيلة الرزيقات الماهرية، ظهرت مع بدايات الصراع في اقليم دارفور ، رعاها ومولها وسلحها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، بغرض التصدي لمليشيات حركات التمرد بدارفور التي كان قوامها من القبايل غير العربية. ولكن هذه المليشيا قد نمت وازداد عدد افرادها من بضعة الاف فقط في البداية ، الى ان بلغ تعدادها نحو مائة الف مقاتل كما يرد في بعض التقارير. وقد اعتمد النظام السابق قوات الدعم السريع باعتبارها قوة تابعة للقوات المسلحة ادارة وتدريبا وتسليحا وتوظيفا عملياتيا ايضا.
لقد مكنت الثروة الهائلة التي حاز عليها الحنرال حميدتي بفضل استغلاله لعدد من مناجم الذهب في دارفور خاصة في الصرف على هذه القوة وتسليحها، وتجنيد المقاتلين باستمرار من داخل السودان وخارجه ايضا من بعض دول الجوار الافريقي مما ساعد على تنامي قوتها العددية ، بحسب ما تشير الى ذلك عدد من المصادر.

– كيف يمكن نزع سلاح كافة الميليشيات و حصره بيد الجيش و القوى الأمنية؟
– هنالك في الواقع تجارب عديد خاضها السودان نفسه في تاريخه المعاصر، يمكن الاستفادة منها من اجل تطبيق ذلك في سهولة ويسر، كما يمكن الاستئناس بتجارب بعض الدول التي مرت بظروف مشابهة ، مثل تجربة الجيش الاثيوبي مع مقاتلي جبهة تقراي على سبيل المثال فقط. ثم ان ملف التعامل مع الفصائل المسلحة وضرورة دمجها في الجيش الوطني وفق التقاليد المرعية في هذا الشان، ظل هو ابرز بنود اتفاقية جوبا لسلام السودان الموقعة في اكتوبر ٢٠٢٠م.

– كيف ترى الحل النهائي للوضع في السودان؟
– بان تجنح القوة المسلحة المتمردة للسلام ، بايقاف القتال ، ووضع اسلحتها والتسليم لقيادتها والانصياع لاوامرها، وان تلتفت السلطة والقوى السياسية جميعا ، للتوافق على نحو جاد، الى استئناف مسيرة التحول الديموقراطي، بوضع السبل والوسائل والاليات الكفيلة بتحقيق ذلك، وصولا الى اجراء انتخابات عامة حرة ونزيهة وشفافة في اقرب تاريخ ممكن، وبمراقبة المجتمع الدولي والاقليمي، حتى يقرر الشعب السوداني عبر ارادته الحرة، اختيار من يحكمه، من خلال عملية تداول سلمي وديموقراطي راسخة ومستدامة للسلطة.

– نلاحظ الغياب الفعلي العربي و الإقليمي و الدولي عن مشكلة السودان، لماذا حسب رأيك؟
– ربما انهم ينتظرون الى حين هدوء العاصفة ، ومعرفة مسار اتجاه الريح في آخر الأمر. على انهم جميعهم قد اصدروا – على كل حال – بيانات اشتركت كلها بصفة عامة في الدعوة الى تجنب التصعيد، وضرورة وقف القتال، والعمل على حماية المدنيين، وتيسير عمل موظفي الاغاثة، وهلم جرا.

– يرى العديد من المراقبين أن هناك اطماع إقليمية و دولية بالسودان بسبب موقعه الهام و ثرواته الطبيعية، هل توافق على هذا الرأي؟
– نعم اوافق عليه بشدة، وازيد عليه ان الاعداء يسعون الى تحطيم السودان ومحوه من الوجود بالكلية حقداً وحسداً لو استطاعوا، ليس فقط لموقعه وموارده التي لن يستطيعوا ان ياتوا بشعب اخر يحل محل شعبه لكي يتمتع بها ويستفيد منها، ولكن لروحه ورمزيته ، ولما ظل يمثله من امة عريقة ضاربة بجذورها في اعماق التاريخ، وجمع الله لاهلها افضل ما في البشر من قيم ومثل واخلاق ومودة ورحمة وتسامح وانسانية. ولكن هيهات، فالله هو حسبنا ونعم الوكيل.

– تتحدث مصادر عن نوايا لتقسيم السودان، كيف يمكن الحفاظ على وحدة السودان و منع اي محاولات مشبوهة لتفتيته؟
– باستثارة الوعي باسرع واعمق ما يمكن لدى كافة شرائح المجتمع السوداني وفئاته وطبقاته، وخاصة قواه الحية والمؤثرة، حيال هذه النوايا الخبيثة التي صرح بها بالفعل من قبل ثلة من اعداء السودان خاصة، والامة العربية والاسلامية بصفة عامة، وعلى نحو ما ظلت تعكسه ايضا، بعض العبارات الصحفية التي سارت بها الركبان مثل مقولة: ” شد الاطراف ” ، و ” تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم “، وهي عبارات تستقرئ آفاق المستقبل بصورة موضوعية وعقلانية ، من واقع المعطيات الماثلة، وليس انسياقا وراء ما يسمى بنظرية المؤامرة ، التي هي – على كل حال – ليست حديث خرافة في كل الاحيان.

– كلمة اخيرة لقراء كل العرب
– أحييهم جميعا ، وأشد على أياديهم فرداً فردا، وأذكرهم بأثرين من آثار أدبنا العربي، الاول نثري هو المثل القائل:
” أكلتُ يوم أكل الثور الأبيض ! ”
والثاني شعري هو قول متمم بن نويرة اليربوعي لمن جاءه شامتاً ينقل اليه خبر مصرع أخيه مالك:
فلا تفرحَنْ يوماً بنفسك إنني أرى الموتَ وقّاعاً على من تشحّعا
لعلّك يوماً أن تُلمّ مُلمّةٌ. عليكَ من اللائي يذرْنَكَ أ جدعا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى