مقالات كل العرب

الاشتباك الجيوسياسي بين التنين و العم سام

شارك

الإشتباك الجيوسياسي بين التنين والعم سام

أ. نسيم قبها

جولة إفريقية بدأها مؤخرا وزير الخارجية الصيني تشين جانغ في مسعىً لتعزيز علاقات بكين مع القارة الأفريقية. وتشمل جولة وزير الخارجية الصيني زيارة إثيوبيا ومقر الاتحاد الأفريقي، والغابون وبنين وأنغولا (والتي تعد أكبر شريك تجاري للصين في القارة)، وصولًا إلى القاهرة ومقر جامعة الدول العربية.
وتعد هذه الرحلة أول زيارة خارجية له بعد تعيينه وزيرًا للخارجية. وتحظى إثيوبيا مكانة خاصة في العلاقات الصينية الأفريقية نظرًا لأهميتها الجيوسياسية وحجم الاستثمارات الصينية فيها، حيث تحتضن أديس أبابا مقر الاتحاد الأفريقي والذي يُظهر إثيوبيا وكأنها عاصمة أفريقيا.
غير أن هذه الزيارة تأتي في أعقاب وصف الرئيس بايدن العلاقات الأميركية الصينية في قمة العشرين في إندونيسيا بأنها “تنافسية بقوة”، بالإضافة إلى أنها جاءت عقب القمة الأميركية الأفريقية وفي ظل استطلاعات ومؤشرات تبين أن الصين أصبحت أكبر شريك تجاري لأفريقيا؛ حيث بلغت قيمة التجارة المباشرة بين الطرفين أكثر من ٢٥٤ مليار دولار، بالإضافة إلى عديد مشاريع البنية التحتية بما فيها تحديث وبناء أكثر من 10.000 كيلو متر من السكك الحديدية، وحوالي 100.000 كيلو متر من الطرق العامة. وعلاوة على ذلك فقد بنت الصين عبر منتدى التعاون الصيني الأفريقي (فوكاك) منصة مهمة وفعالة للسياسة الخارجية والتجارية لتعزيز العلاقات الصينية الأفريقية، حيث تأمل أن تحقق من خلالها الرؤية الصينية للعالم “المستقبل المشترك للإنسانية” والتي أبرزها الرئيس الصيني في خطابه بمؤتمر الحزب الشيوعي ٢٠٢٢، والتي تُعدُّ محاولة لوضع رؤية قيمية تقوم على “المصالح المشتركة للبشرية” طالما افتقرت إليها الصين في علاقاتها الخارجية، وتسعى من خلالها فك الحصار الذي تعمل أميركا على بناءه لاحتوائها في نطاق منطقة الأندو باسيفيك عبر استراتيجية التنميط والعزل ونعتها بالتدخل في شؤون الدول الإفريقية وإغراقها بالقروض والاتفاقيات التي لا تحقق المصالح الوطنية والتنموية للقارة الإفريقية؛ ولذلك أوعزت لرئيس جمهورية الكونجو الديمقراطية فيلكس شيسكيدي بالاعتراض على اتفاق المعادن مع الصين حيث قال من منصة منتدى دافوس ٢٠٢٣ إن “بلاده لم تستفد من الاتفاقية، بينما جنى الصينيون أرباحًا كبيرة من هذ العقد، ومطلبنا هو موازنة الأمور لتخدم مصالح الطرفين”.
ولعل من أبرز مخرجات إعلان مؤتمر فوكاك في داكار ٢٠٢١ هي وثيقة رؤية ٢٠٣٥ “التعاون الصيني الأفريقي” والتي وضعت استراتيجية “للتحول نحو التنمية الصناعية المشتركة” وهو الأمر الذي يشير إلى محاولة الصين استغلال حاجة الدول الأفريقية للاستثمار في مجالات الصناعة، وتوفير وظائف لشعوب القارة، وفتح الطريق أمام تحويل جزء من طاقتها الصناعية التي تواجه منافسة شديدة من بعض الدول، وإتاحة الفرصة لشركاتها بالاستمرار في السيطرة على سلاسل التوريد الاستراتيجية.
وأما من الناحية السياسية، فبينما تركز الدول الغربية على الديمقراطية وحقوق الإنسان وليبرالية الأسواق، عمدت الصين إلى استغلال قدراتها المالية وصادرات الأسلحة لكسب نفوذٍ سياسيٍّ تأمل من خلاله تكوين قوة تصويتية داعمة لها في المحافل الدولية لتعزيز المواقف الصينية بشأن بعض القضايا، مثل تايوان (سياسة الصين الواحدة)، وبحر الصين الجنوبي، وهونج كونج. مستفيدة من الميول الدكتاتورية للقادة الأفارقة وحاجتهم للدعم الاقتصادي، ومستفيدة أيضًا من رغبة الولايات المتحدة بتقويض النفوذ الفرنسي وتفريق مواقف الدول الكبرى. وهو الأمر الذي يؤكده تصريح الخارجية الصينية أن واشنطن ستجد صعوبة في التنافس مع بكين طالما أن (الكرَم الصيني) “يظل عند مستوى لا تستطيع الولايات المتحدة أن تضاهيه”.
إلا أن السياسة الأميركية وإن كانت تنطلق من وجهة نظر ظاهرها قيميٌّ متمثلًا في الدعوة إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وليبرالية الأسواق، لكنها تساند الأنظمة الاستبدادية بطرق مختلفة بل وتستثمر في المنافسة بين الدول وتشجعها نحو تشجيعها لدول الخليج وتركيا وروسيا للعمل في القارة الأفريقية لتأجيج تنافسها وتصادمها مع الصين. كما تستغل أميركا الحركات المسلحة مثل داعش وبوكو حرام للتمدد في أفريقيا وتنفيذ أعمال “تخريبية” في القارة الأفريقية. ويمكن ملاحظة ذلك من تتبع مناطق الصراع في القارة الأفريقية، والتي يتركز كثير منها في مناطق الاستثمارات الصينية مثل جنوب السودان وزيمبابوي، وهو الأمر الذي اضطرت معه الصين، حسب تقرير راند، لتوفير الحماية الأمنية العسكرية عبر متعاقدين لاستثماراتها في المناجم والموانئ والقطارات.
‏وأما ما يخص إثيوبيا فإن زيارة الوزير الصيني قد جاءت لتوطيد العلاقة الثنائية، حيث يعتمد رئيس الوزراء آبي أحمد على القروض والمنح والصادرات العسكرية، وتواجد قوات سلام صينية مسلحة في محاولة منه للسيطرة التامة على إقليم تغراي؛ حيث انتقد في شهر تشرين أول/نوفمبر الماضي وبشدة “أعمال التدخل غير المرحب بها وغير القانونية” في الشؤون الإثيوبية ويقصد بذلك المطالب الأميركية والأوروبية لإنهاء الصراع في الإقليم. وفي هذا الصدد استغلت الصين النزاع الإثيوبي الداخلي لدحض تهمة “فخ القروض” الصينية التي تروج الولايات المتحدة لها، وذلك عبر إعفاء إثيوبيا من “جزءٍ” من إجمالي مديونتها للصين والبالغة قرابة ١٤ مليار دولار.
‏وأما زيارة وزير الخارجية الصيني لدول غرب أفريقيا؛ أنغولا والغابون وبنين فتكمن أهميتها في إطلال تلك الدول على المحيط الأطلسي ومحاولة فرنسا التمسك بنفوذها في غرب القارة، وسكوت الولايات المتحدة على التمدد الصيني على حساب الفرنسيين، مع احتفاظ أميركا بنفوذها على القارة الأفريقية أكثر من أية دولة كبرى. وزيارة الوزير الصيني تندرج ضمن مشروع الحزام والطريق وتوطيد العلاقات مع تلك الدول بالإضافة إلى رغبتها بنشر قواعد عسكرية لحماية مشروعها الجيو اقتصادي الدولي، فتفيد الأنباء بوجود رغبة صينية ببناء قاعدة بحرية في المحيط الأطلسي.
كما تحاول الصين تخفيف حدة التوتر الذي ساد العلاقات مع أنغولا بسبب الديون الصينية المستحقة، حيث صرح الرئيس الأنغولي جواو لورينسو عقب مشاركته في القمة مع بايدن أن “بلاده تتطلع إلى تعزيز علاقاتها مع حلف شمال الأطلنطي (الناتو)”، مضيفًا في رسالة للصين أنه “يفضل التكنولوجيا العسكرية الأميركية على نظيرتيها الصينية والروسية”. وتأتي هذه التصريحات في ظل تصاعد حدة التنافس بين الشركات الأميركية والصينية في أنغولا، والتي تمثل للصين علاقة استراتيجية تم بناؤها على مدى ٤٠ عامًا، وبخاصة وأنها دولة نفطية مهمة في غرب أفريقيا. ومن ذلك أيضًا تنافس شركتي هواوي الصينية وأفريسيل الأميركية في سوق الاتصالات. ‏
وأما مصر والتي استقبلت استثمارات صينية تفوق مليار دولار في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة، بالإضافة إلى أهمية العلاقة الصينية المصرية لناحية الثقل الذي تمثله مصر في العالم العربي وشمال أفريقيا، وأهمية إيجاد نفوذ صيني في مصر وتسخيره في احتواء الخلافات بين الأخيرة وأثيوبيا حول سد النهضة. حيث تتطلع الصين في ظل الظروف الاقتصادية المنهارة لمصر إلى إيجاد تأثير في السياسات المصرية الأفريقية والعربية من بوابة الاستثمار والقروض. فقد ذكر وزيرا خارجية البلدين في تصريح عقب لقائهما إنهما ناقشا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وحث الوزير الصيني في رد على سؤال صحفي على ضرورة “وقف التحريضات والاستفزازات، والامتناع عن اتخاذ إجراءات أحادية يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الوضع”. كما دعا إلى “الحفاظ على الوضع الراهن” في أهم موقع مقدس في القدس، على إثر اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى. كما شدد الوزير على موقف الصين الطويل الأمد والقائم على حل الدولتين حيال الصراع “الإسرائيلي الفلسطيني”، وهي رسالة للولايات المتحدة أكثر منها لأطراف النزاع؛ وذلك للتأكيد على حرص الصين على التوافق مع أميركا فيما يخدم مصالح البلدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى