الحكواتي التونسي هشام درويش يدخل غينيس برقم قياسي عالمي في سرد الحكايات

الحكواتي التونسي هشام درويش يدخل غينيس برقم قياسي عالمي في سرد الحكايات
أ. رجاء السنوسي
“حكايتي حكاية… فيها كان يا ما كان، في قديم الزمان، وما يحلى الكلام كان بذكر النبي عليه الصلاة والسلام…” ويحكيو على…..وياساده يا مادة…”
بهذه الكلمات التي لا تزال محفورة في ذاكرة التونسيين، كان عبد العزيز العروي يفتتح حكاياته، ناقلًا المستمعين إلى عالم “خرافات زمان”، حيث الأبطال الأسطوريون، والعبر التي تُستخرج من بين السطور كان صوته أشبه بسحرٍ يعيد تشكيل الزمن، يجعلنا نرى ونسمع ونتفاعل مع كل قصة كأنها تحدث أمامنا..
واليوم، بعد عقود من الزمن، يُعيد هشام درويش إحياء هذا الفن العريق، ليس فقط في تونس بل على المسرح العالمي ففي قلب ساحة جامع الفنا بمراكش، حيث تلتقي أرواح الحكواتيين القدامى، نجح ابن تونس في تحقيق رقم قياسي عالمي، بعد أن سرد الحكايات بلا توقف لمدة 80 ساعة و35 دقيقة، ليكتب اسمه بأحرف من ذهب في موسوعة غينيس، وليثبت أن صوت الحكواتي التونسي لا يزال يصدح رغم تعاقب الأزمان.
لم يكن هذا الإنجاز وليد الصدفة، فهشام درويش يُعد واحدًا من أبرز الحكواتيين في تونس والعالم العربي، اشتهر بأسلوبه الفريد في السرد الشعبي، حيث يمزج بين الأصالة والتجديد في تقديم الحكايات.بدأ مسيرته عبر الإذاعة والتلفزيون، مقدمًا برامج تهتم بالموروث الحكائي التونسي والعربي، وأصدر سلسلة من الكتب بعنوان “حكايات درويش” التي تضم قصصًا شعبية بأسلوب حديث كما شارك في العديد من المهرجانات الدولية لفن الحكاية، ممثلًا تونس في أهم المحافل الثقافية.
من تونس إلى المغرب
جاء هذا الإنجاز خلال الدورة الثالثة للمهرجان الدولي لفن الحكاية بمراكش، التي أقيمت من 19 إلى 25 يناير 2025 في ساحة جامع الفنا، المكان الذي يُعتبر القلب النابض لفن الحكاية في المغرب. شارك في الحدث أكثر من 100 حكواتي من 30 دولة، مقدمين حكايات بـ21 لغة ولهجة، في محاولة لتحطيم الرقم القياسي لأطول جلسة سرد حكايات وبعد ماراطون سردي شاق، تمكن هشام درويش من تحقيق رقم قياسي عالمي بسرده للحكايات لمدة 80 ساعة و35 دقيقة دون توقف، ليحصل على شهادة رسمية من موسوعة غينيس للأرقام القياسية، وسط احتفاء كبير من الجمهور والمهتمين بالتراث الشفوي.
التحضير والتحدي: كيف نجح هشام درويش؟
لم يكن تحقيق هذا الرقم القياسي بالأمر السهل، بل تطلّب استعدادًا مكثفًا وإرادة قوية. فإلى جانب التحضير النفسي والجسدي لماراطون السرد الطويل، اعتمد درويش على اختيار قصص متنوعة من التراث العربي والعالمي للحفاظ على التشويق. كما وظّف صوته ولغة جسده لإبقاء الجمهور متفاعلًا، متكيفًا مع أجواء السرد المفتوح في ساحة جامع الفنا، التي تتطلب مهارة خاصة في التواصل مع جمهور متنوّع.
إحياء فن الحكاية الشعبية: رسالة من هشام درويش للعالم
هذا الإنجاز لم يكن مجرد رقم قياسي، بل خطوة كبيرة في إعادة إحياء فن الحكاية الشعبية، خاصة في ظل طغيان الوسائط الرقمية الحديثة. فمن خلال هذا التحدي، ساهم هشام درويش في إبراز أهمية فن الحكواتي كجزء من التراث الثقافي العربي والعالمي، وتشجيع المؤسسات الثقافية على دعم الحكاية الشعبية والحفاظ عليها، وتعزيز حضور السرد الشفوي في المهرجانات والفعاليات الثقافية، وإلهام الجيل الجديد من الحكواتيين للمضي قدمًا في هذا الفن، والحفاظ على أساليبه التقليدية مع إدخال لمسات عصرية تناسب العصر الحالي.
رسالة فن الحكاية: قوة الصوت البشري في العصر الرقمي
إنجاز هشام درويش ليس مجرد رقم قياسي، بل رسالة للعالم بأن فن الحكاية لا يزال حيًا، وأن القصص الشعبية تحمل في طياتها روح الشعوب وتاريخها. فبينما يُسجّل اسمه في موسوعة غينيس، يفتح الباب أمام جيل جديد من الحكواتيين لإكمال هذه المسيرة، ولإثبات أن الصوت البشري يظل أقوى من أي تكنولوجيا في سرد الحكايات.
من هنا، يظل فن الحكاية حيًا في قلوب الناس، يتناقلونه جيلاً بعد جيل، إذ تظل القصص تنبض بالحياة في الأذهان، مهما تطورت الوسائل. فبينما تتغير طرق التواصل والأدوات، يظل الإنسان في سعي دائم للبحث عن معنى في السرد الحي، وهذا ما أكده هشام درويش بإرادته القوية وإبداعه اللامحدود، معلنًا أن الحكاية، كما كانت، ستظل تسكن الروح، وتستمر في إلهام الأجيال القادمة.