مقالات كل العرب

السهو الكبير للكتاب العرب

شارك

السهو الكبير للكتاب العرب

 


أ. نافذ الرفاعي

تكلم حتى أراك، وما الذى أسكتك زمن نفير الكلام ووطيس الصمت ألجمك، كرنفال الموت لا يحتاج إلى أهازيج خائبة، يا عازف البوق لا تنَم الآن، وأيقظ كل من فى الزقاق العربى الضيق، لا تتسلح بالتحليلات السياسية الرثة وأنصت لصوت الوجع.

قد نفيق أيها الأدباء وأشياء غريبة فى أحشائنا زرعها الدمار، لا حاجة للتعرف على قدسية دم الأطفال والأبرياء، تقف مشدوهاً أيها الكاتب العربى، وعاجزاً أيها الشاعر مدعياً معاندة الحروف لحزنى، وهذه اللحظة التاريخية الشاردة من المثقف الذى طوق روحه بيديه المقطوعة افتراضياً.

يا أيها الشعراء والأدباء.. ألم تروا حورية البحر تغرق بين ثنايا موج غزة الرابض فى زخات الرصاص، تكلم حتى أراك قبل انصهار الكلمات والحروف مع وقع حرارة جحيم زنادقة الحرب.

أتحاشى الجواب لأن ذلك يقرع بشدة على بوابة السجن الكبير الذى صنعنا زرده باضطرابنا، كنت قد كتبت تخيلاً عن راهن الحال فى أرض المحنة، ولكننى مزقته مع اقتراب أحذية الجنود من بيتى، سمعت صراخ النساء.

قلت ما هى الملحمة ومن كتبها فى ظلنا، أبحث عن وردة فى أرض غزة لعل عطرها يخفف من رائحة البارود والموت الذى ترسله الطائرات.

سألت نفسى: متى تنتهى الحرب وتملأ العصافير البلاد؟ هل نحن بحاجة إلى أن ننشد لموتنا ونغنى القصائد الممنوعة لتخفف العنت الذى يملأ عالمنا؟

اعذرونى أيها الكتاب العرب، وأنتم لستم أقل منِّى وجعاً وحيرة وريبة بنا نحن معشر البلهاء، وهل توقيتنا ضمن ساعة غزة مكتظ بالحزن والوجع؟!

امسح التقويمات الميلادية والهجرية، واكتب التاريخ الجديد السابع من أكتوبر الذى كسر سيف «جدعون» الذى طالما أدمانا وحمل نبوءات الأضواء المهلكة فى سماء غزة.

هل أرسل لكم برقية عزاء، أم نداء استغاثة، أم تحريضاً على الصمت، أو أطلعكم على أحلام طفل أضاع لعبته تحت الردم؟

سادتى وأنا منكم تلفنى الحيرة عن خطابى لكم، هل هو رسالة، أم تحذير من أحلام عابث بالكون يريد مملكة من النيل إلى الفرات، وجيشاً من الأقنان يخدمون تفوقه، هل أخبركم أن هذا الأمريكى هرع يلملم سمعته فى انخطاف مذهل؟!

هل هذا البوح المحرم يؤذى قلقكم المبهم، أم يسبب اكتئاباً متلاشياً؟ صدقونى أن خرائط وطنى العربى لا تعطى لذة لقطيع خارج اللوحة العربية الباهرة، ولكن حذارِ لأن رخاوتها قيد مربوط بخيط نحيل، وأن الاستغراب لن ينفعكم.

فى دقائق معدودة عليكم وأنا منكم لن ينفعنا الخجل الزائغ عن مصيرنا، لن يفيد أن نتعامل مع المحنة كمضغ القات بمتعة التنطع، أيها الأدباء ما زالت خيلنا تصهل والغرب الإمبريالى يريد تشويه السابع من أكتوبر، يعبر رقم الثلاثين ألف قتيل أو شهيد فى معادلة رقمية باهتة، وكأن هؤلاء ليسوا بشراً وأطفالاً لهم أحلام ونساء لهن حكايا، وفنان بُترت يده سيمسك الريشة بأصابع قدميه، أرقام يريدها بلا قيمة مجردة من كينونتها. فى الممر الإجبارى لكم مسار واحد، أن تكتبوا وتتمردوا على الصمت وعلى انكسار الأقلام، لتنشدوا رغم اللحظة الطاغية.

لن تنتهى الأعداد ولكن أنتم من تبثون فيها روحاً جديدة، تعيدون مواعيد وأحلام العاشقين، تحكون أمنيات جائع مُحاصر لرغيف الخبر، وطعم مياه البحر لمحروم من الشرب، وعن جدران بيته المهدود بين الركام، عن أحلام مرحلة داهمتنا فى غفلة ما واجتازت البلاد بحدودها، وكنا نتجادل حول رأس الدبوس الذى يسكن على قمته تسع وتسعون إبليسا.

ونحن هنا رمادٌ للحرب الذى يحترق فى مهبل الشيطان الأمريكى، ورغم ذلك الله فى قلبى، رائحة العطر للأطفال الذين ينامون على وجه القمر، يغفون ويبتسمون لكم، وتحرضكم: اكتب فى اللحظة الطاغية كى أراك، أو لا أعود أراك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى