كل الثقافة

مختارات من ديوان تشيخ المدن بعد رصاصة حرب واحدة

شارك

مختارات من ديوان تشيخ المدن بعد رصاصة حرب واحدة

 

أ. حميد عقبي

 

تشيخ المدن بعد رصاصة حرب واحدة، هو ديواني الثاني والذي صدر ورقيا، هنا أخص قراء مجلة كل العرب ببعض المقاطع من هذا الديوان واخترت خمسة مقاطع من النص الأول وهو نص طويل أو يندرج تحت مسمى النص المفتوح وفي نهاية هذه المادة التي ستجدون رابط ندوة نقاشية عن هذا الديوان وطرحت فيه مداخلات نقدية متعددة مع نخبة من النقاد العرب عبر منبر المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح.

سبق لي ونشرت عددا من نصوصي المسرحية عبر منبر  كل العرب ـ نافذ الثقافة، وكانت المتابعة والتلقي مدهشة ومغرية وكل الشكر والتقدير لأستاذنا رئيس التحرير علي المرعبي.

أتمنى أن يجد القارئ بعض بعض المتعة وأرحب بأي ملاحظات.    

 خمسة مقاطع

 

من قصيدة تشيخ المدن بعد رصاصة حرب واحدة

المقطع الأول

يهطلُ الفراغُ، 

يملأ غرفتي 

أُصبحُ  شخصاً حياً يتوقُ لموتهِ

على مسافةِ خمسينَ متراً يوجدُ وسطَ  المدينةِ

أضواءُ النيون، وواجهاتُ الحاناتِ،

وفتياتُ يلبسنَ تنوراتٍ قصيرةً

الكأسُ على الطاولةِ 

أمدُ يدي، 

تبدو خاليةً من العظامِ!

عندما  تتهدمُ النجماتُ الصغيراتُ 

تعطسُها السماءُ كرشةِ عطرٍ يميل للبرتقاليّ،

تُسرعُ فراشاتُ أبوللو؛  لوضعِها على أجنحتها،

اودُ  لمسَ بشرتِها الناعمةِ،

أن يبلل الندى  أفخاذ الموج

خذيني من هنا 

أللاضوءُ يعصفُ بي،

لنكسر مسلماتِ الفيزياءِ؛

نتجاوزُ قانونَ الاحوالِ المدنية

أريدُ التحرّرَ منَ الشرنقةِ الرمادية

لنلتقيِ..  

هاهي جدرانُ سدًَ يأجوج ومأجوج تتشقّق

سنخرجُ الفراشاتِ الأميراتِ

لنكن معاً في آخر صلاةٍ

لحظةَ الانبثاقِ 

لتكن السكرة،

الرعشة،

القصيدة.

 

المقطع الثاني

شرهةُ هي هذه الحربُ 

ماتزالُ تُخفي في أجنةِ الرمادِ ارواحاً وبقايا أجسادِ 

تبسطُ ظلمتَها على المدنِِ والقرى، 

تكبّل الموجَ وتلتهمُ  بياضَه

يحلمُ النخيلُ بالتزواج الخريفَ القادمَ 

أمنياتُ  أشجارِ التين ماتزالُ مؤجلةً، 

وياسمين تهامة  أيضاً

يتصاعدُ البخورُ في صلواتِ الجنائز، 

يحاولُ ترميمَ سمواتٍ مشققةٍ 

قل للارواح : إمتطي المعاريجَ إلى أعلى، 

أبلغيهم رسائلَ الأنين،

فالموتُ يبالغُ في قسوتهِ 

كبطلٍ اسطوريَّ يرتكبُ حماقاتٍ مرعبةً

طالَ صبرُ الحقولِ، 

تنتظرُ مطراً عذباً غيرَ ملوثٍ

بقايا الرصاصِ، والقنابل لا  تزهرُ  ورداً!

اهازيجُ الصيادين حزينةُ،

كذلك ما يكتبًه العشاقُ

يا أبي : هل أبلغت الله أن الأطفالَ يحبونه،

وكذلك العجائز يمجدونه،

والحبالى منَ النساء يهتفن باسمه،

الرضّعُ يعضون أياديهم 

انتهى زمنُ المعجزاتِ،

لا لبنَ في الأضرعِ  اليابسةِ، ولا الأصابع المحترقة

قلت لها : لم أعُدْ شخصاً سوياً

نعم،  أتذكّرُ عناقاتِنا،

وخارطةً جسدِك الشهيّ

البسي يا فتاتي  فستانَكِ الورديّ 

تشتاقُ عيناي إلى الأخضر، والأزرقِ

يحجبُ الضبابُ هنا الرؤيةَ 

يلتفّ حول الأشجارِ المؤرقةِ 

يُخفي روائح عطرِكِ

يلاعبُني 

تارةً يفتحً ثقباً صغيراً 

أشتهي التحديقَ في الأفقِ

إلى المسافاتِ البعيدةِ، 

يعودُ لترقيعِ الفتحاتِ الصغيرةِ

يزجّ بي في الغيابِ

كل شيءٍ أصبح بعيداً 

أنتِ وقريتي،

 وأبي الذي تسلّق جذعَ السماءِ، 

ولم يعُدْ.

المقطع الثالث

تصفقُ الريح ُ

تركلُ نافذتي ثم تقهقهُ،  وتصافحُ أغصانَ الشجر 

يحبوُ الليلُ بعباءةٍ مرقعةٍ 

يفتحُ القطارُ أبوابَه 

معظم الكراسي  محجوزة،  وخاصةً تلك قربَ النوافذِ

يُخيلُ لي أن عنكبوتاً ينسجُ عشاً بسقفِ المحطة 

نجح في مرواغةِ كاميراتِ الرقابة،  والتسللِ دون هويةٍ مدنية

ضحكت الجميلة كريتي سانون منَ المشهدِ

ألهمَها الرقصَ

سارعتِ الريحُ تمازحُها 

سلبتها الساريَ المزركشَ 

ظهر صدرُها وتلك الوشمةُ المثيرة ُ!

حاول الكمسري السيطرةَ على الموقف، 

صفيرُ، وتصفيقُ، وضجيج 

تدافعت السُّحبُ هي الأخرى 

أفسد المطرُ زينةَ الفتيات؛ 

لأني من محبّي المطرِ بقيتُ واقفاً،

أطمعُ في محادثةٍ قصيرةٍ مع كريتي

دقتِ الساعة السابعة ،

غادرَ القطارُ، 

انسكبتْ آخر قطرةٍ مطرٍ على نبتةٍ توشكُ على الهلاك

شقَّ البرقُ بطنَ السماء، 

دوى الرّعدُ؛ ليعلن نهايةَ الحكاية.

……..

المقطع الرابع 

تشيخُ المدنُ بعد ساعة حربٍ واحدة

تُنكس رأسها زهرةُ عبادِ الشمس،

وبالسوادِ تتشح زهرةُ اللوتس

جفَّ قلم  نشوان الحميري  

رأيت البردوني يمسك فحمةً،

يرسم شفاةَ وردةٍ على قبره

تحبو الريح بشعرٍ منكوشٍ ومتصلب

يقطر من أجنحتها القارُ 

تتراكضُ أحصنة الظلمة

بقايا حياةٍ  لا تصورها كاميراتُ نشراتِ الأخبار 

ينهض الجوعُ، ليلقي خطبة عن أجر الصابرين

للعشق سبعة أبوابٍ يمكن الدخولُ منها

كالجنة والجحيم، 

وله بابُ واحدُ للخروج 

للحربِ ألفُ بطن، وألف  ضرسٍ وناب

تأكل البسطاءَ والفقراء، 

وتلتهم الاطفالَ الجوعى 

تمضغ النساءَ الحوامل والجدات.

لا تزالُ حمامة السلام بيضةً صغيرةً 

بسبب انفلونزا الطيور، ربما يُعدمون كل البيض 

تمدُ بلقيسُ يدها؛  لعلها تنقذ البيضة الثمينة 

تتسارع الإنذاراتُ 

تنحرك فرقةُ من بلاك ووتر؛ لاغتيال ملكة سبأ

صراخاتُ  تناشد الملك سليمان أن ينقذ الحسناءَ، 

لكنه  لا يزال صامتاً

قطعوا الألسنة والأقلام والأصابع 

وقالوا : اكتبوا قصيدةً تمجّد الأمل 

قالت :اقتربَ الليل، وذهب نصفه، وأنت تفكر، 

وأنت  تكتب، وتحلم!

جسدي المعطر  يناديك

قلت لها : أبحث عنِ الشمس آلهتنا  القديمة 

كانت ترسلُ المطر النقي،

تنضج التمر العسليّ، والقهوة المسكرة،

والخمر يوزع مجاناً على الشعراء 

كانت رباً مبدعاً وحنوناً

ُتباركُ القبلاتِ والعناقاتِ 

تُهدي العشاقَ الظل والنسيم، 

تنثرُ عليهم  الياسمين 

تضحكُ  للاطفال،

وتقبل صلاة الجدات والمجاذيب.

 

المقطع الخامس 

يُقالُ أن القمر مخلوقُ من عجين المرآيا والرخامِ، 

ومن بقايا عظامِ الريحِ القديمةِ

ومن العقيق اليَمانيّ 

جمعَها الله في قبضة يدِه، ثم رماها كُرةً فضيةً تلمع

يقالُ أن الشمسَ تمنّتْ ألاّ تكونَ نجماً  يلتهب قلبُها

أتعبها العطسُ والسعالُ، والأمراضُ الصدرية

أذهب إلى المرفأ،  أبحث  عن ألوانٍ متشبعةٍ بالسحر 

ونسيم يداعبُ شعرَ الحسناواتِ، 

وكلمات مجانينَ أتعبهم العقلُ، والمنطق، وقوانين المدن

ينسجُ البردُ الرقيق خيمةً ضخمةً  في المكان

في بلادي كان الماءُ يصبُّ من صنابير البيوتِ

وكان  بائعُ  الغازِ يدق ألحانهَ المجانية، وأغانيه المرتجلةَ

يتجولُ الأزقة والدروبِ، ويقدمُ خدماتهِ بتواضعٍ

تفتح النساءُ أبوابهنّ لبائعاتِ الطيب، والبخور، والريحان

لليلة الخميس طقوسُها الخاصة،

ونحن الرجالَ نشتري اللحم، ومرق الديوكِ

تنضج الرغبةُ   لليل حنونٍ،

بعد ذلك

تغيرتِ النهاراتُ، وعاداتُ الليالي 

بلا خميسٍ، ولا جمعاتٍ مباركاتٍ

هاهي العتمة تصفعُ كلّ الأماكن، والقلوب

الياسمين لا يفتح عيونَه  في ليالي الخوفِ المظلمة

يتبخر الغيم، أو يمطرُ في بلدانٍ أخرى

وعطر الزهورِ يهاجرُ  أيضاً، 

وصفير الجوعِ المزعج يدخلُ كلَّ بيتٍ

أنا هنا جامدُ بدونِ حركةٍ

نسيت حلم البارحة؛  لأني نمتُ على أريكة الصالون

كانتِ النافذةُ مفتوحةً، ربما تسلّلَ خلسةً

هناك تتجولُ شاحناتٌ  مكشوفةٌ 

تحمل الجثثَ الدامية توزعُها على المدنِ والقرى

ساحاتُ اللعب أضحت قبوراً لا علامات عليها

قلت للشاعر توماس ترانسترومر 

قمْ برحلةٍ قصيرةٍ لتلك البلادِ

اكتبْ عن وجعِ الأماكنِ التي ضاعَ حلمُها

الحقيقة هناك،

والموت هناك

هنا أسير  بخطواتٍ ثقيلةٍ، كقلبي يتوقُ للمسراتِ

أبحثُ في ذكرياتي، قبل أن تندثَر 

أنا والحبيبة  مررنا  هنا

تعانقنا، كما ينبغي للعشاقِ فعله

سأعودُ وحيدا، بلا يدٍ ناعمةٍ 

أنتظر الغروبَ من نافذتي 

أن تنبت القصيدة  شابةً، ومكتملة

يكون لها معنىً أفهمه، وتفهمه الأرضُ والحبيبة.

مرافق رابط ندوة التوقيع الأول ديوان تشيخ المدن بعد رصاصة واحدة للشاعر حميد عقبي..بمشاركة نخبة من النقاد

 

https://youtu.be/Qso7tPfgOWw?si=3Vmj1pJzLI8r8zpJ

 

ادارة الناقد الاردني د.حسين المناصرة

كل الشكر النقاد 

الناقد العراقي حكمت الحاج

الناقد التونسي انور  بن حسين

الناقد التونسي سمير بية

الشاعر اليمني احمد الفلاحي 

الكاتب والصحفي اليمني الاستاذ احمد الاغبري 

الشاعر والاعلامي السوري نبيل شوفان.

 

هوامش

*كريتي سانون ممثلة وعارضة أزياء هندية .

توماس ـ ترانسترومر  شاعر سويدي  وقد حصل على نوبل للادب في عام 2011 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى