كل الثقافة

التجربة الشعرية للشاعرة الجزائرية د. زينب الاعرج.. القداسة للوطن

شارك

التجربة الشعرية الشاعرة الجزائرية د.زينب الأعوج..القداسة للوطن

أ. حميد عقبي

رؤية المبدع لوطنه وهو بعيد عنه ولو بعض الخطوات القليل تُذكي في نفسه شعلة الحنين للحجر والشجر وحتى ذرة تراب تتقاذفها الريح وتلهو بها، الشاعرة الجزائرية د.زينب الأعوج، مبدعة عربية مقيمة في باريس وهي كثيرة الارتباط بوطنها الجزائر وتزوره بشكل مستمر ولا تعاني من أي مشكلة تفصلها عن وطنها الذي تعشقه وهي كثيرة التأمل فيه والحوار معه، تصارحه بمخاوفها وقلقها، فهي المرأة والشاعرة والقارئة للواقع وكذلك الحالمة بمستقبل يتجاوز فيه وطنها كل محنه.


تقول الشاعرة :ـ

أجمع زلاتي
وأندلق امرأة مترعة
بالحنين
أراود نفسي عن سر
أفشيتُه لي
قبل أن أولد
تحت نخلة منسية
لم تهززها بعد امرأة
عابرة للربع الخالي.

مناجاة الميتافيزيقي
هنا تناجي الحبيب وربما كذلك الوطن، فهي المرأة المترعة بالحنين إلى القداسة، خلقت النخلة هنا هذا المناخ المقدس وكانت قداسة تلك النخلة عندما هزتها مريم العذراء وهي في اوج محنتها، محنة قد تواجه المرأة في كل زمان ومكان فلا تجد ملاذاً أمناً إلا مناجاة الميتافيزيقي، هنا الشاعرة هي بنت الأناقة، بنت تلك الأرض وذلك الوطن الطاهر، هذا الوطن ربما ينساه أهله بالبعد عنه، زينب الأعوج تشعرُ أن الوطن قريبُ منها كما هي قريبة منه لذلك هو يهمس إلى روحها، ينتظرها وينتظر بناته وأبنائه أن يولدوا من جديد في الفضاء الطاهر وهو يدعوهم إلى العودة إليه ويحذرهم أنهم سيفقدون البركة والقداسة والبهجة في الشتات.
في بوحٍ أخر تقول :ـ

أتنفس
رائحة
الغياب
واألأمكنة الشفافة
* * *
وحفنة
من ضباب
هارب
من بحر مهجور.

الأرض هي العطر المنعش، الوطن حتى وإن كنا بعيدين عنه فهو يعيش فينا، وهنا ترسم الشاعر وتصور لنا حنينها وشوقها في عفوية ساحرة، حفنة من ضباب هارب من بحر مجهول، فالغياب والبعد خارج رحم أرضنا والأماكن في المهجر ستكون ضيقة وسنعيش نخدع أنفسنا السعادة.
زينب الأعوج تتحاشئ بقصد البنية المركبة والتعقيدات اللغوية وتميل إلى بنية صورية بكلمات قليلة، قصيدتها تولد كأنها فضفضة ومشهد حلم يقظة، ونجد بعض قصائدها تتكون من خمسين إلى مئة كلمة وربما أقل، الشعرية ليست بالتراكيب والطلاسم وعدد الكلمات، الشعرية الحقيقية هي الكيمياء حيث التفاعل مع الروح والبحث الدائم القداسة، لنتأمل ما تقوله هنا :ـ

في هذا الشمال
في هذا الجنوب
في هذا الشرق
في هذا الغرب
* * *
في هذا الأمام
في هذا الخلف
في هذا الوسط
في هذا المحيط
* * *
فلا ألتفت
ولا أتحول
صنما
من ملح
* * *
وأعاشر
البحر
عشبا
وطحلب.

كأنها تقول هي لا شيء، تفقد بوصلة الأمكنة بعيد عن حضن الوطن، بعيداً عن نسيم صباحه ولمسات لياليه، كل الجهات وأينما يكون موقعها ستكون غريبة ضائعة، تصارع وتقاوم، لا تتنازل عن هويتها كجزائرية وعربية ومهما تكن المغريات والمكاسب وهي تحذر غيرها من حالة التحول لأنه سيكون مسخاً، صنماً من ملح أي يمكن أن يذوب ويندثر ويتشوه ويفقد شكله من أقل مؤثر ولو بسيط، وقد خلقت مشهداً غرائيباً، صنم الملح الهش الضيعف ليس لديه القدرة أن يخطو خطوة واحدة إلى البحر، كأن الشاعرة تؤكد عن كينوتها وعشقها للبحر وسحره، لعشبه وطحالبه وعوالمه الخفية لذلك ترفض حالات المسخ التي قد يقع فيها بعض المهاجرين والبعيدين عن أوطانهم ويصبح بعضهم أدوات هدم وتأمر ضد أوطاونهم بسبب مغريات زائفة وزائلة.

حرية الكلمة وحرية الحلم
زينب الأعوج، العاشقة لوطنها والمتألمة لحالة التشرذم والتيه والفوضى
التي عمت بعض أوطاننا العربية وهنا تقول :ـ

أنا المجْنونة
ضقْتِ يا هذه الأوْطان
وضقْت نكدا يا أمّة
خيطت خرائطها من نسْج العنْكبوت
يا أمّة أوْسع ما فيها القبْر وأضْمنُ ما فيها القهْر
وأضْيق ما فيها الحلْمُ.

هي هنا تتوجع وتناشد هذه الأوطان المتشرذمة أن تعود متوحدة، هذه الأمة العربية والتي بدأت تصنع حضارة إنسانية لكنها سرعان ما حبست نفسها وزرعت البراميل والحدود والجدران الفولاذية الفاصلة والفوارق وارتضت لنفسها خرائط منسوجة من خيوط العنكبوت الواهية الضعيفة، تتميز الأعوج بروحها الوطنية والقومية وتشعر بالضيق والضعف من هذه الحدود المصطنعة وهي كذلك تحلم بالحرية، حرية الكلمة وحرية الحلم.
وتنتقد هذا الواقع وترفض كل أصناف الضعف :ـ

هذا الزمن
يتعقبنا بكل انكساراته
وبضجيج صمتنا الرهيب
يغرس فينا المسامير
والأوتاد
.يوصد أبوابه

كأنها تقول أوطاننا لا تريدنا أن نصمت على القهر والظلم وهو لم ينصب أحداً ليكون سيداً وحاكماً أبدياً وخالداً، هذه الانكسارات والتراجع بسب صمتنا، الصمت والقبول به يجعل يتحول لظلمة ويتحول إلى أوتاد وقيود وسجون، تراكيب زينب الأعوج تحاول تجريب تقنيات المونتاج السينمائي فالتجاور هنا بين الصورة والصورة التي تليها تُحدث تفجيرات دلالية رغم بساطة الصور وخلوها من أي عنف ظاهري لكننا عندما نراها ونتلمسها في تدفقاتها الهادئها فهي تغلي بالرعب المنتظر، هنا كشاعرة ترفض الخضوع والصمت والمداهنة والنفاق، تحذر من التكسب ونفاق السلطة المستبدة وخاصة من الفئة المستنيرة من الشعراء والكتاب والفنانين، كل هذه المسامير في أرجلنا والرصاص في صدورنا هي جرائم يجب أن تدان بالكلمة والصوت والفعل، حب الوطن أن نحميه من كل مستبد وليس فقط من الغزاة.
شعرية د.زينب الأعوج ليست معقدة ولكنها أيضاً ليست سهلة وبسيطة وقد أثارتني هذه التجربة وكتبت نص (امرأة) من ضمن تجربتي تشابكات الشعر والمسرح وقد اطلع على النص أستاذنا المخرج المسرحي القدير شوقي بوزيد وكان طلب مني بعض الاضافات والتعديلات ونتمني قريباً تلتقي بأستاذتنا د. زينب الأعوج لمناقشة كل هذا.
زينب الأعوج من الشاعرات المهمات رغم عدم غزارة النشر وتوجهها إلى الرواية لن يعزلها عن الشعر، فالشعر كأنه بالنسبة لها تعانقات مع الذات من الداخل وتلمس قداسة الأرض وعناقات لا محدودة مع الوطن.

الإنسان القيمة العليا
تنتصر زينب الأعوج للمرأة ولا تعتبرها ناقصة وتؤكد أن قوة أي مجتمع لا يكون ولا يتحقق إلا عندما يعي مكانة المرأة ويقدرها ويتيح لها المشاركة في بناء الحياة، تقول :ـ

أنا المرأة المرأة..
أنا الجمع والمفرد..
أنا القوية في وحدتي..
أنا العقل عند الضرورة وعند الضرورة العقلين
أنا الحوريات..
لا جنة تحت أقدامكم بدوني.

تنتمي زينب الأعوج إلى وطنها الموحد بكل سحره وتنوعه الثقافي والإنساني وروحه الحرة، وتعتبر الإنسان القيمة العليا وتكتمل الصورة بالتلاحم بين الأرض والإنسان وهي تسأل وتعيد قراءة الحاضر وكأنها في بعض الأحيان تعتذر عن غيابها من الوطن المحفور والمنحوت بدواخلها، لنتأمل أخر نموذج وأترك لكم تذوق هذه المعزوفة والترنيمة الروحية البديعة :ـ

أحقا
تسكننا الأمكنة
تحفر فينا
التعاريج والمتاهات
نخلق لها أسماء
كما الأجنة
نراعيها من الهول
كما الصغار
نقمطها نعمدها نهدهدها
نكتب لها التعاويذ
ونحرق أبهى البخور
نخلق لها تواريخ الميلاد
ونرفض أن نخط لها
تاريخا للموت
هكذا
تسكننا الأمكنة
نموت.
نموت
فيها
ولا تموت.

يتنوع نشاط الشاعرة والناقدة والكاتبة الجزائرية د. زينب الأعوج، ولديها كتب نقدية ومن أشهر دواوينها ديوان (عطب الروح) وسنجد الكثير من الكتابات النقدية حول منجزها الإبداعي المهم وهي كذلك كناقد تُسهم بشكل فعال عبر دراساتها وبحوثها وكذلك مشاركاتها النشطة في حضور عشرات المهرجانات ومعارض الكتب وتلقي الدعوات من المؤسسات والهيئات العربية في المشرق والمغرب العربي.

نماذج بديعة من قصائد الشاعرة الجزائرية د.زينب الأعوج

تفاحة الغواية

يا آدم
أيها الأب المنسي
في غواية الشتات
أيها الغريب بلا قبر ولا وطن
اجمع تربتك ورحلك
عد إلى منبتك
هنا لا الطين طين
ولا التربة تربة
ولا الهواء هواء
حتى الجنون لم يعد جنونا
حواء عارية الجرح
تجر ضلعك المكسور
تخط عليه ما تخفى من الهدير
بنبرة الغياب والحنين
تخيط البحر بالبحر
وتنذرنا بغواية الماء
عد من حيث أتيت
إن كنت حقا أتيت
يا سيدي
الجنة لا زالت مفتوحة
على أصحابها
منذ أن غادرت حدائقها وسواقيها ق
لا زالت تربتها الزعفران
وحصباؤها الؤلؤ والياقوت
لن يحاسبك أحد عما مضى
ستجد غرفتك كما تركتها
وتفاحة الغواية
أرجعها نيوتن إلى غصنها
والشيطان الذي عصى الله
هناك إذ افتخر بالجمر والنار
أصبح في الأخير كما بدأ
يحتل برجه العاجي
ضمن ملائكة الرحمان
عد يا آدم إلى مكانك الأول
فلن ترى لا رملا
ولا حجارة ولا بشرا
ويمكنك أن تكبر
كل يوم قليلا هناك
ومن يدري
ربما كان كرسي الله حليفك
فتصبح نورا تسبح في الضوء
كما لو أنك كنت شمسا أو قمرا
أو نجمة لا سماء تكفيها
ولا غيم يغطيها
ولا نار تحرقها
فأنت القمر والنار والشمس
فلا تخف يا آدم
فقد أصبحت قريبا مما حلمت به
شبه كرسي في السماوات العليا
تحيط بك ملائكته
وبعض الشياطين تسخرها
كلما أزعجك ملاك بطلباته الكثيرة

إلا الرماد البارد

أيها الشاهد
على كل هذه الخسارات
من يفكك ألغام الوهم
يغوص في ندى المرايا الهاربة
حد الإغماء
من هيأ كل هذا الزهير
حتى ينزلق الضوء على قفاه
تپتشابك الظلال مع الظلال
لا ظلال لنا أحياء وموتى
موتى وأحياء لا ظلال لنا
تتعاكس الوجوه والحدقات
تتمتم جَهْرًا
ما أنشدته الجدات
ذات زمن كريم
من حُوفي وأَشَوّيق
ماذا بقي لهذه الأرض
من حكايات تقصها
على أطفال الآتي المبهم
في زمن يُغمَد فيه الفرح
كما تُغمَد السيوف المهزومة
يغمرنا الكلام المنخور مثل السوس
يهيء أبجديات لا شعلة فيها
إلا الرماد البارد
وحياة هاربة من مصيرها المحتوم
تحفر في الزوايا المنسية
تخبئ بذورا وفسائل
ولغة ونورا وأصواتا وملامح
وذاكرة لم يمسسها الهزال بعد
تنادي عمن سيصلي على أرواحنا
كان هناك
يطوح في السماء الفارغة
لا صوت
لا صدى
لا مرايا عاكسة

بين ضجيج وغبار

بين كان وكان
وما يمكن أن يكون
ضاعت بوصلة النور
والأغنية شاردة
في أكف نساء عصيات
مرهفات متأهبات
مرهقات شاردات
هادئات حكيمات
مثقلات بما يشبه القدر
شاهدات على
ضياع البحر في موجه
وسماء تتكفن سُحبا
الغيم المهاجر في قلب المجهول
يلوح بأشلاء الذين رحلوا
في عين خشبة
وفِي قلب حوت أحن من البلد
شرعت الريح أبوابها
لسماء زاهدة
تتبرع بنجومها
شبحان.. جبلان.. ظلان
في غابة السهو
يطلون من فراغ
يقفون في وجه النار
أذاك بركان .. نيازك
أم ضجيج غبار ورماد؟؟؟!!!
على حافة الزغاريد
ترقص أحصنة من خشب
عصافير من قش
شبه فراشات حالمة
وجوه تتسلل من وجوه
تستوطن وجوها
ملامح تستعير ملامح
تقيس جداول الأزمنة
المسروقة من أزمنتها
الصمت الصاخب
يعري الأشباح المنكفئة
على خيط العنكبوت
تخيط به زمنا مهترئا
وقفازات لأيدي صدئة
تدق الأجراس
عند عتبات أول رحيل
تجمع فتات الكلام
سهول تطوي حلما
بين صفحات كتاب لم يفتح
يغمرنا الحلم المكتظ بالسؤال
الغاص بالرموز والرسائل المشفرة
العيون عالقة في اللامعنى
وبين كان وكان
وما يمكن أن يكون
تسكن البلوى
من يشرع الأبواب
ويزيح الصدأ
على ما خفي من الأقفال؟؟؟

من مجموعتها الشعرية عطب الروح

‎طال صمتك أيتها البهية
‎من يرمم الجرح ويغمرني بالمحال
‎من يخيطني شعاعا بالسماء
‎ويعمد قصائدي بالأعشاب البرية
‎من يبارك كلامي المتلبس بالدهشة
‎ويرفع لغتي سراجا في البيوت الخلفية
‎من يدفئ قاماتي هذا الخريف
‎لا جذوة في رمادنا
‎الجمر بارد
‎ولا من يحكّ الحجر بالحجر
‎ كي تتفتح أزهار النار
‎هنا البربرية تطرق باب الريح
‎تغرس عطرها في قلب الرمل
‎تهدي عبق حنائها نشيدا للغائبين
‎تصلي
‎كما يصلي النور على كفي حمامة
‎ذاب فيها الصمت منذ بدء الحكاية
‎هنا البربرية ناصبة الخيام
‎تطالب بحقها في الرمل
‎وبرشفة ماء
‎هل يمكن للماء أن يعرّش
‎كزيتون الأجداد
‎يمسح عنه ارتعاشة السراب
‎ويدفن في عمق الرحيل
‎أنين المطر
‎هنا الوجوه مغلقة
‎اللغة ناشفة والكلام مسدود
‎هنا يُجرح الدم ويُجرح الماء
‎ويحدث أن تُجرح كأس
‎على وشك تقبيل لون الحناء
‎انتصبي هتافا لا يلين
‎هنا انكمشت الحناجر
‎على ما تيسر من الجمر المكين
‎هزي شجرة الحياة
‎باليد التي لم تمت بعد
‎لعل ريقا منها يمر بدمنا
‎لم نعد ننجب لا الأنجم الراقصة
‎ولا غناء العصافير
‎لا صنعة هنا ولا حرفة
‎إلا لحفاري القبور والنائحات في السرّ
‎لم يعد أحد يحمل الحياة بين كفيه
‎لا الشمس تبرجت لنورها
‎ولا الليل
‎أغمض العين على حلم يُشتهى
‎لا دهشة ترتمي في الأحضان
‎لا سكينة تغفو على الصدور
‎ولا نبض
‎يتجلى في مستهل العتبات
‎يا جدتي العتيقة
‎لأننا لا نحب أنفسنا كما يجب
‎فإن الحياة تعرض عنا
‎وتمضي بعيدا عن رياحنا
‎لأننا لسنا أوفياء لتربتنا
‎بالقدر الذي ندّعي
‎سافرت بلقاحها إلى حيث
‎”الغناء كثير والكلام قليل”
‎لأننا لم نتعلم كيف نرعى عشبنا
‎تدفق القحط في مرابعنا
‎ ذاب الملح المبارك وأزهرت الصواعق
‎لأننا افترينا كثيرا عليك يا الله
‎وعلى أنفسنا
‎كنسنا رمق الحياة من عتبات الدار
‎كما تكنس التربة وبقايا الغبار

من مجموعتها الشعرية مرثية لقارئ بغداد/ الحاصلة على جائزة نازك الملائكة.

أيها المختوم في الدم!
أيها الموشوم في كف الآلهة!
أيها الساكن في بدء القول!
أيها المتلبس بألسنة النار!
أيها المتسرب في ما هُرب
من الآيات النقية
والأزمنة الوارفة
الموغلة في الجنون
المقطوعة النفس
عند عتبات التردد
المسكونة بالأشباح الساجدة
عند بوابات المغارات
والكهوف الهاربة من ظلمائها
أيها الباحث عن السر المعتق
كخمر الأجداد المهرب
مع السفن الغريبة
تشرب نخب أيام
ممددة على شواهد المقابر
تورّق التربة ذرة ذرة
بحثا عما تخفى
من الطين المنجرف
مع آخر الحكايات
وما روته الجدات
من شهوة الأساطير
تفتش في خفايا أبراجك
تسأل حكيم الدار
هل كان كل ذلك
في كتابك مسطورا
تسأل عن الطغاة
وهم يترصدون نطفك
وما تمطره سماواتك
من حلم وغواية
وأقمار وشموس
وكواكب وطفولة مؤجلة
وغيمات
لم تعلن عن خراجها
وأمهات متألقات
يجمعن الدمع مئونة
لما سيستجد من الأقراح
وعرائس متشبثات بقوس قزح
يوزعن الآهات
بين الحياة والحياة
من نصيرك أيها اليتيم
لدم أخ جبان وصديق خان
وجار أحكم الخناق حد المحال؟
صرخت
طويلا……. طويلا ……. طويلا
صرخت؟
حتى تصدعت الجبال
بأعلى من البوح
وأفصح من الفضح
من أعلى كل الصوامع
من أعلى كل القلاع
من أبعد كل المجرات!
أما اهتديت بعد
لرسلك وأنبيائك ومبشريك؟
أما اهتديت بعد لأتباعك ومريديك
ولمن رقصت الحروف على أكفهم
وشعشع النور عند عتبات توهجهم؟
أما اهتديت بعد لكتبك وألواحك؟
أما اهتديت بعد لعلامات القيامة
ومن كلف بالنفخ في الصور؟
أما اهتديت بعد
لمن يجتاز معك هذا القحط
و يرتدي معك كل هذا العري؟
أما اهتديت بعد لمن سيعدّ
حقائب السفر لذاكرتك؟
أعد النظر في لون الدم
في طعم الحليب
في لمسة الثدي وصلة الرحم!

خاتمة
التحليق في هذه القصائد المختارة سوف يجعلنا نحلق في عالم زينب الأعوج، فعالمها روحي إنساني ودائم الحنين للطفولة الإنسانية والسلامة مع الروح، تستحضر مفردات أسطورية صافية وتكره كل أنواع القوى الظلامية التي تزرح الحدود والحواجز بين الأوطان وكذلك الحواجز بين الأرواح، بين الإنسان وروحه وخياله وطفولته ومع من يحب، فهي داعية سلام وتمجد الحرية كقيمة لا يمكن التنازل عنها أو جزء منها وتعد الأعوج من الأيقونات الجزائريات البديعات، تناصر قضايا المرأة الجزائرية وتدعم الكثير من المبدعين والمبدعات وهي تستحق التكريم ودراسة منجزها الإبداعي وكنا في المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح قد كرمناها وقد شاركتنا في العديد من الأمسيات وتلبي بتواضع الكثير من الدعوات الواقعية والإفتراضية.

مرفق رابط تكريم زينب الأعوج وختام ملتقى قصيدة النثر العربية في رحاب المنتدي العربي الاوروبي للسينما والمسرح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى