حوارات كل العرب

سمير الجسر: انتخاب الرئيس سيكون بداية لحلحلة الوضع الاقتصادي

أجرى اللقاء: الزميل مايز الأدهمي

شارك

سمير عدنان الجسر (10 حزيران – يونيو 1944)، سياسي لبناني سني، ونائب في مجلس النواب اللبناني عن تيار المستقبل في الدورات 2005 – 2009 – 2018 وعزف عن الترشح في الدورة الماضية التزاماً بقرار التيار الذي ينتمي إليه بعدم خوض الانتخابات، تسلم وزارة العدل في الفترة بين 2000 إلى 2003 في الحكومة اللبنانية الـ 65 التي شُكلت في تشرين الأول/ أكتوبر 2000 برئاسة رفيق الحريري، ثم تسلم وزارة التربية والتعليم العالي في الحكومة التالية الـ66 في الفترة بين 2003 إلى تشرين الأول/أكتوبر2004 والتي شُكلت في نيسان/ أبريل 2003 برئاسة رفيق الحريري.

جدّه الشيخ محمد الجسر الذي ترأس المجلس النيابي، وخاض الانتخابات الرئاسية بدعم من معظم اللبنانيين على اختلاف أطيافهم وطوائفهم، ووالده النقيب عدنان الجسر الذي انتُخب نائبًا عن مدينته طرابلس في العام  1947 ، درس الحقوق في جامعة بيروت العربية، وتخرج عام 1969، وانضم إلى نقابة المحامين في طرابلس، وعمل كمحام بالاستئناف في العام 1972، أولى العمل الاجتماعي أهمية خاصة فانتسب إلى جمعية «مكارم الأخلاق الإسلامية» ثم انتُخب رئيسًا لها.

التقى بالرئيس رفيق الحريري العام 1991، وانضم لتيار المستقبل، العام 1994 وانتخب نقيبًا للمحامين في طرابلس، كما انتخب نائبًا عن دائرة الشمال الثانية في دورتي العام 2005 و2009. وشارك في اتفاق الدوحة (2008) برفقة سعد الدين الحريري، كما انتخب نائبًا في البرلمان اللبناني على إثر الانتخابات التشريعية اللبنانية 2018

كان عضواً في لجنة الإدارة والعدل، ورئيساً للجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات وترأس لجاناً فرعية عدة منبثقة عن اللجان المشتركة في المجالس النيابية التي شارك فيها، كما انتخب عضواً في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وشهد له جميع من عرفه أنه كان نائباً عن الأمة لا عن طرابلس فحسب، ويشهد زملاؤه على حضوره في جميع اللجان، ولا يوجد قانون أُقرّ إلا كانت له بصمة فيه.

مع سمير عدنان الجسر، كانت هذه الجولة لمجلة “كل العرب” حول الأوضاع الراهنة في لبنان من الوضع الاقتصادي الى التأخر في الوصول الى انتخابات رئاسة الجمهورية، الى الاشكاليات القائمة بين السلطتين التنفيذية والقضائية وما اذا كان الاتفاق السعودي – الإيراني سينعكس سلباً أم إيجاباً على الوضع في لبنان.

 

أجرى اللقاء: الزميل مايز الأدهمي

تصوير : الزميل إسبر ملحم

 

 

 

 

موضوعان يطغيان هذه الأيام على الوضع في لبنان: الأول: الوضع الإقتصادي المتأزم، والإرتفاع الجنوني لسعر الدولار بالنسبة للعملة الوطنية. والثاني: الوضع السياسي المشتّت الذي يقف حائلاً دون انتخاب رئيس للجمهورية حتى الآن. هل من إرتباط بين الموضوعين؟ وهل يؤدي انتخاب رئيس الجمهورية الى البدء في حلحلة الوضع الإقتصادي برأيك؟

– صحيح أن هذين الموضوعين يطغيان على الوضع في لبنان لكن لا أرى أي علاقة مباشرة بين الموضوعين. فالوضع الإقتصادي المتأزم وارتفاع سعر صرف الدولار هما نتيجة تراكمات بدأت فعلياً منذ العام 2011 فقبل هذا العام كان معدل النمو الإقتصادي السنوي يتراوح بين (7 و8 بالمئة) ثم انخفض في العام 2011 الى اثنين وبدأ بالتراجع حتى أصبح في بعض السنوات نمواً سلبياً أي تحت الصفر. وما أوصلنا الى هذا الدرك هو أولاً عدم السير بالإصلاحات السياسية التي كانت شرطاً لمساعدة لبنان في مؤتمر باريس اثنين وباريس ثلاثة والذي كان شرطاً مؤكداً في مؤتمر “سادر Cèdre”… إذ أن العلّة كانت دائماً بحسب رأي الخبراء والأصدقاء في سياسات انفاق خاطئة وبموازنات لم يكن فيها فعلياً أي توازن مالي فحين يفوق الانفاق الواردات علينا أن نتوقع الإنهيار الإقتصادي والمالي… والهندسات المالية التي أجريت – وفي الممارسات النقدية يمكن اللجوء للهندسات المالية- كان يفترض أن تكون مؤقتة على أن يتبعها إجراءات جذرية مبنية على إصلاحات.. وهذا لم يحصل بكل أسف.. وكان على الجميع أن ينتظر إنخفاضاً في سعر صرف الليرة نتيجة أن النفقات تتجاوز الواردات وهذا يعني أن تغطية النفقات كانت تتمّ عبر طبع العملة أو الإستدانة. لكن الإنهيار الكبير والمتسارع حصل نتيجة سياسات خاطئة حينما ذهبت حكومة الرئيس دياب الى العزوف عن دفع بعض المستحقات المتوجبة على الدولة مما أعاد تصنيف لبنان وسرّع في عمليات الإنهيار…

أما التباسات عدم انتخاب رئيس الجمهورية فهي مترافقة مع استحقاق وقع في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية.. لكن هذه الأزمة هي نتيجة ما عبرّتم عنه بالوضع السياسي المشتّت.. في كل الديمقراطيات البرلمانية يوجد قوى سياسية متعدّدة.. لكن هذه القوى تسعى لخلق ائتلافات سياسية تؤمن أكثرية معينة لأي مشروع سياسي بما في ذلك الإنتخابات الرئاسية سواء كانت انتخابات مباشرة من الشعب أو غير مباشرة عن طريق ممثلي الشعب في المجلس النيابي. الإنقسام الآن في لبنان عامودي وقد يبدو معه أنه لا يوجد أي تحالف سياسي يؤمن الأكثرية المطلقة. وفي رأيي أنه بإمكان أحد الفريقين السياسيين أن يؤمن أكثرية مطلقة لكن المشكلة تكمن في الخروج عن الدستور. فالدستور ينص في المادة /49/ على أن “يُنتخب رئيس الجمهورية بالإقتراع السرّي بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورة الإقتراع التي تلي”.

فإذاً هناك دورة أولى واحدة ودورات تالية.. فبدايةً الدستور لا ينص عن نصاب حضور ثلثي أعضاء المجلس وقد استنتجوا نصاب الثلثين لأن النص يتكلم عن لزوم الإنتخاب بالثلثين في الدورة الأولى.. وأنا برأيي إن النصاب لا يستنتج، النصاب لا يكون إلا بنص قانوني وسرت قاعدة لزوم نصاب الثلثين على الدورات التالية ومن دون نص، فإذا كان نصاب الحضور في الدورة الأولى قد استنتج على أن يكون ثلثي أعضاء المجلس باعتبار أن الإنتخاب في الدورة الأولى لا يكون إلا بالثلثين فلماذا لم تطبق نفس قاعدة الاستنتاج على الدورات التالية التي ينص فيها الدستور على أنه يجري انتخاب الرئيس في الدورات التالية بالأكثرية المطلقة ويكون نصاب الحضور أيضاً هو الأكثرية المطلقة.

إن جذور هذه الإشكالية تعود الى العام 2007 حين قرّر الراحل البطريرك صفير اعتماد نصاب حضور الثلثين في كل دورة بخلفية ان ذلك يحول دون تمكين تحالف بين أبناء طائفة واحدة من انتخاب رئيس الجمهورية.. ومع أن قوى 14 آذار كانت في ذلك الحين تملك أكثرية كبيرة لكنها بالطبع لم تبلغ ثلثي أعضاء المجلس.. وقد نبّهت في ذلك الحين على أن هذه القاعدة ستحول دون انتخاب رئيس عند كل استحقاق، لأن ما من جهة سياسية تملك أكثرية الثلثين، ثمّ أن التركيبة الطائفية للمجلس النيابي المنصوص عنها في المادة /24/ من الدستور والقائمة على توزيع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحين والمسلمين ونسبياً بين الطوائف ونسبياً بين المناطق يستحيل معها ايجاد أكثرية بالثلثين، وهذا يعني أنه لن يتمّ انتخاب إلا عن طريق تسوية سياسية وإن كل القوى بإمكانها تعطيل انعقاد المجلس لإنتخاب الرئيس على أساس نصاب حضور الثلثين وهذا ما يحصل حالياً.. والمؤسف أن ما من فريق يطرح حلاً للتسوية.. وبالرغم من وجع الناس وجوع الناس فإن النكد السياسي هو الغالب وكل فريق يريد فرض إرادته.. والتسوية لا تكون هكذا…

إذاً في الحقيقة لا إرتباط بين الوضع الإقتصادي والوضع السياسي.. وبالطبع فإن انتخاب رئيس سيكون بداية لحلحلة الوضع الإقتصادي.. إذ أن كل انتخاب يعطي فسحة أمل تتحرك معها الأمور بشكل ايجابي، فضلاً عن أن أي رئيس جديد يحمل معه زخماً يلزم للعنعنات السياسية وقتاً حتى تتمكن من استهلاك هذا الزخم. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الإسراع في انتخاب الرئيس.

_ بعد الاتفاق السعودي الإيراني، والذي طرح استعادة العلاقات بين البلدين خلال مدة شهرين، هل من مؤشرات الى أن ذلك سينعكس على أوضاع لبنان الداخلية، نظراً الى أن الصراع بين الدولتين سابقاً انعكس في الداخل اللبناني الى تمترس كل فريق وراء الدولة التي تدعم توجهاته؟

إن الاتفاق السعودي الإيراني هو أهم إنجاز سياسي في المنطقة منذ أربعة عقود.. إن الاتفاق يورث الإستقرار في المنطقة ويسهم في تنمية دولها وتقدم شعوبها… في النهاية إن النزاعات من شأنها فقط أن تؤدي الى الدمار وتآكل مقدراتنا وقدراتنا وتفسح في المجال للقوى الكبرى وأعداء الأمة في امتصاص ثرواتنا والتسلط علينا.

إن أي استقرار في المنطقة ينعكس ايجاباً على لبنان وإن الاتفاق السعودي الإيراني سيهدىء الأوضاع ويلطف من حدّة التخاطب السياسي ويعيد كل الأطراف الى واقعية سياسية تساعد على ايجاد الحلول لا على إيقاظ نار الفتنة.

 

– ما هو موقف التيار الذي تنتمي اليه (تيار المستقبل) من الأوضاع الراهنة، وكيف يتعاطى التيار سياسياً مع الأفرقاء المتواجدة على الساحة، بعد استنكاف قيادته عن الدخول في العملية الإنتخابية التي جرت أخيراً، وبعد أن رفضت بعض القيادات فيه الرضوخ للقرار ودخلت العملية الإنتخابية؟.

تيار المستقبل ما زال معلقاً لعمله السياسي، وأعتقد بكل تواضع أن كل الأفرقاء السياسية حتى تلك التي كانت على خصام سياسي مع تيار المستقبل يفتقدون غياب التيار كعامل أساس في التوازنات السياسية ويحنون لنهج الإعتدال الذي كان يمثله تيار المستقبل، ثم أن التجاذبات السياسية القائمة يلزمها عامل ثقة يستطيع أن يخفّف من غلوائها وأن يعمل على تهدئة الأوضاع. وإن تيار المستقبل بنهج الإعتدال الذي نشأ عليه هو الأقدر على لعب هذا الدور. أنا أستطيع أن أؤكد أن قوى سياسية كثيرة وسيادية منها بالذات تتصل بالتيار للحثّ على العودة الى الساحة السياسية.. لكن قرار تعليق العمل السياسي لا يزال قائماً وليس بمقدوري أن أقول متى يُرفع التعليق.

أما بالنسبة للقياديين الذين ترشحوا فهذا شأنهم.. واختاروا الخروج من صفوف التيار.. لقد خيّرهم الرئيس سعد الحريري بوضوح بين الإلتزام بقرار التيار والخروج على قراره ومنه.. واختاروا.. هم أخوان لنا ولكن الإلتزام السياسي أولى.

– كيف يرى (سمير الجسر) كرجل قانون وكوزير سابق للعدل الوضع القضائي في البلاد بعد كل الذي يجري، وكيف ينظر الى الخلافات القائمة والتي ظهرت علناً مؤخراً بين السلطتين القضائية والتنفيذية وأدت الى قرارات وقرارات مضادة انتشرت على صفحات الصحف وفي وسائل التواصل الإجتماعي وأصبحت على ألسنة الناس يتناولونها بالسخرية والشماتة؟

– الوضع في القضاء مُحزن للغاية ومن كل النواحي ولا مجال للكلام عن كل التفاصيل، وسأجيب عما أثرته.. وسأفصل بين ما يجري داخل القضاء وبين ما أثير كنزاع بين السلطتين التنفيذية والقضائية.

أما ما يجري داخل القضاء من قرارات وقرارات مضادة، فبدايةً أقول أن الإختلاف في الإجتهاد قد يكون فضيلة ولكن القاعدة القانونية التي يجب احترامها هو أن لا إجتهاد في معرض النص وليس من المشكور استهلال القرار الحكمي بإتجاه معين وصياغة الفقرة الحكمية بإتجاه آخر. وعند تضارب الإجتهاد على الهيئة العامة لمحكمة التمييز أن توحّد الإجتهاد.

هناك دستور واضح وقوانين واضحة تحدّد صلاحيات محاكمة الرؤساء والوزراء والنواب والقضاة والعسكريين وحتى الموظفين، ثم إن هناك إمتيازات قضائية معتمدة في كل دول العالم وبالذات في الدول التي أخذنا عنهم دساتيرنا وقوانيننا.. وهذه الإمتيازات القضائية لها سندها القانوني والفلسفي وهي ليست معمولة لحماية المخالفين وإنما هي معمولة في الأصل لجبه الإنتقام أو التآمر السياسي سواء على الرؤساء أو الوزراء أو القضاة أو حتى الموظفين.. والحصانة الوحيدة التي يتمتع بها النواب هي المنصوص عنها في المادة /39/ من الدستور التي تمنع إقامة دعوى جزائية على النائب بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدّة نيابته وفي هذا الحدود فقط.

أما ما هو منصوص عنه في المادة /40/  من الدستور فهو منع اتخاذ إجراءات نحو أي عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا إقترف جرماً أثناء دور الإنعقاد إلا بإذن المجلس وذلك حتى لا يحول ذلك دون تعطيل عمل النائب ودوره بحجة الملاحقة وهذا لا يكون إلا أثناء دورات انعقاد المجلس. وبالتالي فإن أي تدبير خاطىء أو أي تدبير انتقائي يولد ردات الفعل…

إن الدفوع الشكلية هي حقوق يمارسها كل متقاضٍ، وأعْترف أنه قد يكون في بعض الممارسات أحياناً تعسفاً في استعمال الحق. لكن اللافت هو الإختلاف بين إجتهادات المحاكم في الموضوع نفسه من محكمة الى أخرى أو من درجة محاكمة الى درجة محاكمة أخرى. وهذا دواؤه داخل مجلس القضاء الأعلى والهيئة العامة لمحكمة التمييز والتفتيش القضائي، وبخاصة ما وقع منه بالتمرد على قرارات مجلس القضاء أو الجهات القضائية التي تملك توجيه عمل النيابات العامة. وهذا الأمر شبه معطّل.أما القول بأن السلطة التنفيذية قد اعتدت على صلاحية السلطة القضائية بمنع قوى الأمن الداخلي من إجراء التبليغات الصادرة عن قاضٍ بذاته فيلزمه بعض التروي. إن مخالفة قاضٍ لقواعد الإختصاص المكاني والوظيفي ومخالفة النائب العام الإستئنافي لتوجيهات النائب العام التمييزي سواء الخطية أو الشفوية التي يشرّعها القانون وإمتناع النائب العام الإستئنافي عن التبلغ وعدم التقيد بوقف متابعة ملف بمجرد الطعن بالقاضي وطلب رده، والخوض في مواضيع تتناول الأمن المالي للبلد ومن خارج حدود الإختصاص الوظيفي والمكاني ودون أن يجبه ذلك لا من النيابة العامة التمييزية أو من مجلس القضاء الأعلى أو من التفتيش القضائي فهو عين الخطأ.

إن الدستور يتكلم عن فصل السلطات وتوازنها وتعاونها. وتوازن السلطات La balance des pouvoirs قائم على أن السلطة تجبه السلطة حتى لا يكون هناك تعسف في استعمال السلطة

pour qu’on ne puisse abuser du pouvoir, if faut que par la disposition des choses le pouvoir arrête le pouvoir.

ثمّ أن هناك فكرة مصلحة الدولة العليا La raison d’Etat التي تسمح للسلطة التنفيذية، من أجل مصلحة الدولة العليا، بالخروج عن النصوص وعن القانون والحق dérogation au droitمن أجل مصلحة الدولة العليا. وإن مصلحة الدولة العليا هي في عدم ترك قاضي من خارج صلاحيته المكانية والوظيفية الإدعاء على عدّة مصارف بتهمة تبييض الأموال.. إن هذا من شأنه أن يدفع بنوك الخارج المراسلة وغير المراسلة الى عدم التعامل مع أي مصرف لبناني، وجاء التدخل في إطار قضية معينة وأمام قاضي معين لم يذعن لأحكام القانون.

– هل يرى (سمير الجسر) من خلال العديد من المراكز التي تولاها سابقاً، إن في الوزارات المختلفة، أو في مجلس النواب فترات نيابته، أن ما يجري على الساحة من مختلف الأطراف سيؤدي الى النتيجة المتوخاة عند كل طرف؟

– يخجلني أن أقول أن ما يطغى اليوم على حركة النواب أو الوزراء يقع معظمه في السلبي، والسلبي لا يوصل الى أي مكان غير التعطيل. فإذا كان مقصدهم التعطيل يكونوا قد أصابوا النتيجة المتوخاة عند كل منهم.

– ختاماً من برأيك المسؤول المباشر عن تأخير انتخابات رئيس للجمهورية حتى الآن.. ومن يتحمل المسؤولية الأكبر في إنهيار الوضع الإقتصادي بهذه السرعة الدولة.. أم جمعية المصارف.. أم حاكم مصرف لبنان.. أم التركيبة السياسية المصرفية هي التي قادت البلاد الى ما هي عليه حالياً؟

– أما عن المسؤول عن تأخر انتخاب رئيس الجمهورية ففي رأيي الكل مسؤول لخروج الجميع عن الدستور كما سبق وشرحت لك، فبمجرد السكوت على الخروج على الدستور هو قبول ضمني بذلك.. ثم من ناحية أخرى الكل يعطل النصاب والكل يهدّد بتعطيل النصاب.. الكل يعرف بأنه من ضمن القواعد التي قيدوا أنفسهم بها، أي نصاب الحضور بالثلثين، من أجل انتخاب الرئيس وهم يعلمون بأن ما من اصطفاف سياسي قائم الآن يستطيع أن يؤمن نصاب الثلثين.. هذا يعني استحالة إتمام الإنتخاب.. وهذا يفترض أن يؤدي الى خلق قناعة بأنه لا بدّ من إجراء تسوية.. والتسوية تعني تنازل كل الأطراف وليس طرف واحد عن كل شروطه من أجل تأمين الإنتخاب.. إن ما يجري اليوم هو عكس ذلك إذ يتكلمون عن التسوية ولا يسعون اليها.. هل لاحظ أحد أن أي فريق من الأفرقاء جميعاً قد تقدّم بإقتراح تسوية فيما خلا ما قدّمه الوزير جنبلاط؟.

أما عن إنهيار الوضع الإقتصادي وتحمل المسؤولية فإني اعتقد أن المقصود بالسؤال إنهيار الوضع المالي والمصرفي إذ أن الحركة الإقتصادية قد استعادت نشاطها بنسبة عالية والقطاع الخاص استعاد أوضاعه بنسبة من 60 الى 70 بالماية مما كان عليه.. ويكفي أن أذكر للدلالة على ما أقول أن لبنان استورد في العام 2022 ما مجموع قيمته حوالي عشرين مليار دولار أي تماماً بمقدار ما استورده لبنان في العام 2018 وقبل حصول الأزمة.

أما عن إنهيار الوضع المالي وبالتالي المصرفي فالمسؤولية تتوزع بين:

  • دولة لجأت الى الإستدانة تكراراً في السنوات الأخيرة بسبب عدم تحقيق توازن مالي فعلي عند وضع موازناتها إذ أن النفقات كانت أكبر من الواردات.. وقد نبهت مرتين وتحديداً أثناء مناقشة موازنة 2017 أن الواردات المذكورة في مشروع الموازنة وهمية. وهذا يعني في النهاية أن سدّ العجز يكون بالإستدانة والإستدانة تؤدي الى طبع العملة لسدّ العجز، وهذا يؤدي الى انخفاض سعر صرف الليرة.

وهناك سبب آخر نشأ في العام 2019 حين أعلنت حكومة الرئيس دياب أنها لا تريد الوفاء بالدين المترتب عن إصدارات اليورو بوند، أضف الى ذلك خطة التعافي التي كان واضح منها أن الدولة لا تريد الوفاء بديونها حين تعرض أن كل البنوك مفلسة.. كل البنوك التي أقرضت الدولة اعتبرتها خطة التعافي مفلسة.

ومن ناحية أخرى هناك مسؤولية تقع على مصرف لبنان الذي أقرض الدولة من خارج الحدود المفترضة.. فحسب نص المادة /88/ من قانون النقد والتسليف يكون للمصرف منح تسهيلات صندوق لا يمكن أن تتعدى عشرة بالماية من متوسط واردات موازنة الدولة العادية في السنوات الثلاث الأخيرة المقطوعة حساباتها.. ومرة واحدة كل اثني عشر شهراً.

لكن نص المادة /91/ من القانون عينه تفتح المجال للحكومة في “ظروف استثنائية الخطورة أو في حالات الضرورة القصوى” أن تقرض الدولة بناء على طلبها.. وهذا ما كان يحصل.

هناك مسؤولية أخرى تقع على المصارف التي أقرضت الدولة من دون أن تراعي توزيع المخاطر في التسليفات، ففي الكثير من المصارف تجد أن تسليفات المصارف للدولة قد قاربت نصف حجم التسليفات التي أجرتها المصارف.

وهناك أيضاً مسؤولية غير مباشرة على المودع الذي أقدم على الإيداع بفوائد مرتفعة والفوائد المرتفعة التي تخرج عن المتعامل به في العادة هي بحدّ ذاتها إشارة الى حاجة المصرف لنقود أو حاجة المقترض الأخير (الدولة) لهذه النقود.. فحين يكون معدل الفائدة على الدولار في العالم هو واحد بالماية فماذا يعني أن يعطيك البنك فائدة بمعدل خمسة بالماية وقد وصلت الفائدة في المراحل الأخيرة الى 7 و8 بالماية.

وهناك مشكلة إضافية ولا تزال مستمرة وبكل أسف، هي موقف القضاء من إجازة سداد الديون المعقودة بالعملة الأجنبية بإيداعات فعلية بالعملة اللبنانية على سعر صرف /1500/ ل.ل. للدولار.. فإذا كان المدين للمصرف سدّد دينه، المعقود بالعملات الأجنبية وبالدولار تحديداً، بالعملة اللبنانية وعلى سعر صرف /1500/ ل.ل. للدولار فمن أين يكون للمصرف تسديد ودائع الناس بالدولار أو بالعملة اللبنانية وبسعر صرف السوق.

الكل مسؤول والأمور لا تعالج بتبادل الإتهامات، الأمور تعالج بالعقل وبالممكن، من دون أن نسقط المحاسبة على الإطلاق.. لكن الأولوية للعلاج حتى لا نتلهى بالمحاسبة عن العلاج وتضيع حقوق الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى