مقالات كل العرب

بين الكويت و اوكرانيا: دورة الزمن و دروس التاريخ

شارك

   بين الكويت و اوكرانيا:  دورة الزمن و دروس التاريخ 

 

د. خالد النعيمي

وانا استمع الى كلمة الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” قبل أيام في لقائه مع مجموعة من القيادات السياسية والعسكرية الروسية بينهم وزير الدفاع ووزير الخارجية وهو يتحدث عن اوكرانيا الدولة والشعب والتاريخ وكيف تم تأسيسها واستقطاعها من الاراضي الروسية منذ زمن القياصرة الى روسيا الشيوعية ، ولماذا تريد امريكا وحلف الناتو ان تجعل منها مخلبا لتهديد روسيا واذلالها .

عادت بي الذاكرة الى أكثر من ثلاثون عاما عندما بدء الرئيس الراحل صدام حسين تحذيراته من السياسات والتصرفات التي تقوم بها الجارة الكويت وكيف أنه دعا الى مؤتمر قمة عربية في بغداد في نهاية شهر مايو/آيار 1990 وتحدث امام القادة والزعماء العرب بأن الحرب الاقتصادية التي يقودها بعض الاشقاء ضد العراق وهو خارج من حرب طويلة مع ايران لا يمكن تحملها مذكرا اياهم بمثل عربي معروف “ قطع الاعناق ولا قطع الارزاق” وكان يشير الى تعمد الكويت ودولة الامارات بزيادة انتاجهما النفطي بهدف خفض اسعاره بناء على أوامر امريكية وعندما وقعت الواقعة وتم استدراج العراق الى فخ الكويت الذي أرسل قواته العسكرية للسيطرة على كامل دولة الكويت وليس جزء” منها والمساومة على استحصال حقوق العراق بعد ذلك . 

لقد وقف العالم كله ضد احتلال العراق للكويت وتوالت قرارات مجلس الامن ضد العراق وكلها تحت “البند السابع” دون ان تتحفظ او تمتنع أي من الدول الاعضاء في مجلس الامن عن التصويت او استخدام حق النقض كما تفعل اليوم روسيا والصين مع القضية السورية وذلك لسوء حظ او تقدير القيادة العراقية حيث كان الاتحاد السوفيتي على وشك الانفراط وان سلطة “غوربوتشوف” وسلفه الخرف السكير “يلتسن” قد سلمت امور روسيا بيد امريكا بشكل كامل حتى ان وزير خارجية امريكا في ذلك الحين “ جيمس بيكر” الذي زار موسكو بعد ثلاثة او اربعة ايام من دخول القوات العراقية الى الكويت, كتب في مذكراته عن هذه الزيارة بأنه كان يملي على وزير خارجية روسيا “شيفر نازه” كل ما تريده امريكا وكأنه عميل صغير وليس وزير خارجية دولة عظمى كما ذكر “بيكر “ بأن “شيفر نادزه” كان يتوسل بأن تكون طلباتهم متدرجة حتى يمكن تمريرها على قيادات الجيش وقطاعات مهمة لدى الشعب الروسي الذي يرتبط بعلاقات تاريخية طيبة ومصالح كبيره مع  العراق.  

لقد ظنت امريكا بأن حال روسيا سوف يبقى كذلك الى زمن طويل ولكن الشعوب الحية ذات العمق التاريخي قادرة على النهوض من جديد, خاصة اذا توفرت لها قيادة شجاعة صادقة تحترم تاريخ شعبها فظهر “فلاديمير بوتين” الذي استطاع خلال حقبة زمنية قصيرة ان يعيد روسيا الى مجدها ومكانتها كقوى عظمة تقف ندا قويا في مواجهة امريكا وحلف الناتو .

ما هي المفارقات والمقاربات بين حالتي اوكرانيا والكويت :

أولا – المقاربة بين حالة اوكرانيا والكويت هي عندما تتحول دولة صغيرة وجارة لدولة اكبر منها في الحجم والامكانيات الى معول او اداة بيد دول اخرى لا اضعاف وتهديد الجار الاكبر .

ثانيا- الابعاد التاريخية والتشكيك بأنشاء وتأسيس الدولة الصغيرة كونها مقتطعة او كانت جزء من الدولة الاكبر . 

ثالثا – استخدام القوى واللجوء الى الحل العسكري ليس هو الخيار الصحيح دائما لان تداعياته وما يترتب عليه من مواقف وادانات وعقوبات دولية قد تكون مؤثرة ومدمرة احيانا .

رابعا- لقد كانت نتائج احتلال العراق للكويت كارثية بمعنى الكلمة لان امريكا وحلفائها لم تكتفي بأجبار العراق على الانسحاب من الكويت وانما قامت بفرض عقوبات دولية غير مسبوقة بتاريخ الامم المتحدة ومجلس الامن ادت الى تأكل الدولة العراقية ونخر مؤسساتها خاصة العسكرية والامنية مما سهل لا امريكا ومن تحالف معها احتلال العراق واسقاط نظامه الوطني في نيسان عام 2003 .

بضوء ما تقدم ما هي التوقعات بصدد الغزو الروسي لدولة اوكرانيا هل ستتمكن روسيا من فرض سيطرتها على المدن والمراكز المهمة في اوكرانيا وخاصة العاصمة “كييف” واجبار الحكومة على الاستسلام او التفاوض وفق الشروط والمطالب الروسية المعروفة ام ان العمليات العسكرية ستستمر لفترة طويلة وستحاول امريكا وحلفائها استغلالها لأستنزاف القوات الروسية في اوكرانيا وصولا الى معادلة يمكن من خلالها التفاوض لوقف هذه الحرب بما يحفظ ماء الوجه للأطراف المتحاربة .

 

كاتب و باحث سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى