مقالات كل العرب

القمة تتسع للجميع.. و الجمال يسكن القلوب التي تحب الخير لغيرها

القمة تتّسع للجميع… والجمال يسكن القلوب التي تُحب الخير لغيرها

د. تهاني رفعت بشارات

لم يكن النجاح يوماً ضيعةً مسوَّرة، ولا كان التميّز قصراً مذهباً لا يدخل أبوابه إلا أصحاب الامتياز؛ فالقمّة على علوّها وسُمُوّها تتّسع لكل قلبٍ آمن، وكل يدٍ سعت، وكل روحٍ امتلأت يقيناً بأن الله لا يترك مجتهداً دون جزاء، ولا يخذل طامحاً حمل في صدره نيةً خالصة. النجاح ليس ميراثاً حُجز لقلّة، ولا وساماً يُعلَّق على صدور من صادفهم الحظ؛ بل هو فضاءٌ واسع، ومسارٌ تمهده الإرادة، وطريقٌ طويل لكنه جميل، يصقل النفس، ويهذّب الروح، ويصنع من الإنسان نسخةً أرقى وأقوى وأجمل.

إن خزائن الله لا تعرف النقص، وعطاياه بلا حدٍّ ولا انقطاع؛ فما دام غيرك قد بلغ القمة، فأبوابها مفتوحة أمامك أيضاً ، وما دام الله أعطى غيرك، فسوف يعطيك ويرضيك. نجاح أحدٍ لا ينتقص من نجاح آخر، بل يزيد العالم نوراً ، والوطن فخراً، والقلوب يقيناً بأن كل مجتهدٍ سينال نصيبه. إن البهاء الحقيقي ليس في أن يحتكر المرء ألف مقعد بينما يقف الآخرون بعيداً ، بل في أن نتشارك المقاعد بقلوبٍ محبة، وأن نصنع جميعاً فسحة أملٍ تشبه وطناً صغيراً يسكن أرواحنا.

السعادة… طريقة نعيش بها لا محطة نصل إليها

السعادة ليست جائزة تُمنح في نهاية الطريق، ولا لحظةً ننتظرها كي تكتمل حياتنا؛ إنها أسلوب حياة، ورؤية، وقرارٌ يوميّ بأن نمتلئ نوراً مهما تراكمت الغيوم. لا تربط سعادتك بإنجازات الآخرين، ولا تعلّقها على ظروفٍ تتبدل في لحظة؛ اصنع أنت فرحك، وكن أنت مركز الضوء في يومك، فالقادر على إسعاد نفسه قادرٌ على بناء حياةٍ لا تهزمها الأيام.

الناجح ليس من يحلم فقط؛ بل من يحلم ويعمل، من يحلم ويقف من جديد بعد العثرة، من يحول الفكرة إلى حقيقة، والحلم إلى أثر. الناجح يدرك أن الطريق قد يطول، لكنه يمضي فيه بإيمانٍ راسخ: إمّا أن ينجح… أو ينجح، فلا خيار آخر لمن وثق بالله وسعى بصدق.

الأخلاق… تاجٌ لا يصدأ مهما طال الزمان

قد تمنحك الحياة منصباً ، وقد ترفعك الشهادات إلى مراتب عليا، وقد تضعك الأضواء على منصات يصفّق لها الجميع؛ لكن ما يبقيك هناك ليس بريق المنصب ولا لمعان الألقاب، بل أخلاقك. الأخلاق الحسنة ترفع صاحبها فوق كل مقام، وتبني حوله حصناً من الاحترام لا تهدمه العواصف، وتترك أثراً يبقى في الذاكرة أطول بكثير من عمر الإنجازات المادية.

الكلمة الطيبة تبقى، والنية الصافية نور، والمعاملة الحسنة ميراثٌ لا يزول. فالأخلاق ليست زينة للتجمّل، بل هي عِماد الإنسان، وحصنه، وسرّ مكانته مهما اعتلت درجته العلمية أو العملية.

تمنَّ الخير… يأتيك الخير
وقد يأتيك الخير لأنك تمنيته لغيرك، ورجوته لقلوبٍ حولك كما ترجوه لنفسك.

عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:
“لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (متفق عليه).
ليس هذا الحديث خلقاً فحسب، بل معيار إيمان، ودليل قلبٍ سليم، وسُلَّم يرتقي به المؤمن نحو رحابة الإيثار ونور الإنسانية. فمن أحبّ للناس الخير، فتح الله له أبواب التوفيق، وأنار له طرقاً لم يفكر يوماً أنها ستُفتح له.

النجاح… حق للجميع وليس امتيازاً لفئةٍ دون أخرى

النجاح ليس حكراً على نخبة، ولا امتيازاً لفئة معينة؛ كل قلبٍ يطمح يستطيع، وكل عقلٍ يفكر يُبدع، وكل روحٍ تؤمن تُحلّق. القمة ليست واحدة، بل قمم كثيرة، والطرق إليها متعددة، والفرص لا تنفد لمن حمل إرادة صادقة وسار بخطى ثابتة يمزج فيها بين العمل والأخلاق.

نحن لا نرتقي وحدنا؛ بل نرتقي مع الآخرين، وبالآخرين، وبالتهاني الصادقة التي تحمل الفرح، وبالقلوب التي تتسع لكل ضوء. في نجاح كل مبدع نجاح للوطن، وفي تميّز كل طالب شعاع أمل لأمته، وفي كل يدٍ تمتد للخير خطوة نحو مجتمع أقوى، وأرقى، وأجمل.

هكذا تُبنى الأمم:
بالإيمان… بالأخلاق… بالعمل… وبالقلوب التي تؤمن أن القمة تتّسع للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى