مقالات كل العرب

هل ستهاجم إيران دول الخليج؟

شارك

هل ستهاجم إيران دول الخليج؟

تحليل مختصر للموقف الإقليمي: دول الخليج منطقة آمنة لا تواجه خطرًا مباشرًا حالياً

 

د. محمد بن أحمد المرواني

تشهد المنطقة تصاعدًا لافتًا في التوتر منذ لحظة بدء إسرائيل هجومًا مباشرًا على الأراضي الإيرانية، ما أعاد إلى الواجهة أسئلة استراتيجية شديدة الحساسية، لعل أبرزها: هل ستتطور هذه الحرب وتنجح إسرائيل في جر الولايات المتحدة إلى الدخول العسكري المباشر؟ وإذا حدث ذلك، هل ستقوم إيران بمهاجمة دول الخليج ردًا على استخدام القواعد الأمريكية في أراضيها؟

هاتان المسألتان تُطرحان بقوة في النقاشات السياسية والأمنية اليوم، ولهما أبعاد تتجاوز اللحظة العسكرية إلى مستقبل أمن الخليج بأكمله. ورغم صخب التحليلات وتباين الآراء، فإن القراءة العقلانية للوقائع، والوقائع وحدها، تقود إلى استنتاج جوهري: دول الخليج ليست هدفًا مباشرًا، ولا تواجه خطرًا فعليًا في الوقت الحالي، حتى في أسوأ السيناريوهات.

 

أولاً: هل ستدخل الولايات المتحدة في الحرب؟

الموقف الأمريكي لا يزال غامضًا، ومحاطًا بتردد واضح من الإدارة الأمريكية الحالية. فالرئيس الأمريكي، رغم ميله الخطابي نحو الحسم و”تحقيق نصر تاريخي”، يتجنب حتى الآن الانخراط المباشر في حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط. التقديرات تشير إلى أن القرار الأمريكي في حال التصعيد، سيكون مدفوعًا بكلفة الحرب لا بنتائجها السياسية.

وفي حال قررت واشنطن خوض المواجهة، فستبدأ عمليتها العسكرية عبر القطع البحرية المنتشرة في المياه الدولية (مثل حاملات الطائرات)، دون استخدام قواعدها في الخليج في المرحلة الأولى، إلا إذا اقتضت الضرورة العملياتية ذلك.

 

ثانيًا: هل سترد إيران على دول الخليج إذا استُخدمت قواعد أمريكية فيها؟

هذا هو السؤال الأكثر التصاقًا بالشارع الخليجي اليوم. والإجابة تستلزم قراءة عقلانية لتوازنات القوى ومصالح إيران نفسها.

إيران لا تسعى لفتح جبهات إضافية. هي حاليًا تواجه خصمًا عسكريًا متقدمًا (إسرائيل) وأمريكا في حال دخولها الحرب، وأي مواجهة إضافية مع الخليج ستعني توسيع رقعة الاستنزاف بشكل خطر، وقد يؤدي ذلك إلى انعكاسات استراتيجية غير قابلة للسيطرة.

التجربة التاريخية الخليجية مع الأزمات تؤكد أن التهور العسكري ليس من أدوات الرد في الخليج. في حرب الخليج عام 1991 مثلاً، حين دعت أطراف لتصفية الجيش العراقي، اختارت السعودية موقف الدولة العاقلة التي تفكر بما بعد الحرب. وينطبق هذا المنطق على إيران اليوم: هي تعرف أن الخليج باقٍ إلى جانبها جغرافيًا بعد الحرب.

 

ثالثًا: نظرة على علاقات إيران مع دول الخليج

عند تحليل علاقات إيران مع كل دولة خليجية على حدة، يتضح التالي:

السعودية: على الرغم من التباينات السياسية الكبرى، فإن الرياض وطهران تتبنيان خطابًا يقوم على تجنب المواجهة المباشرة، وهو ما تجسد في اتفاقيات تطبيع وتحجيم للتوتر.

قطر: ربما تكون الدولة الخليجية الوحيدة التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية هادئة مع إيران، وتتفهم مواقفها، وتحاول دوماً الدفع نحو الحوار والتسويات.

سلطنة عمان: تؤدي دور الوسيط الإقليمي بامتياز، وتحظى باحترام متبادل من قبل طهران.

الكويت: علاقاتها مع إيران لم تصل يومًا إلى مستوى التوتر أو المواجهة، كما أنها لا تشكل تهديدًا أمنيًا مباشرًا لطهران.

البحرين: الوضع أكثر تعقيدًا، إذ تضم البحرين الأسطول الخامس الأمريكي، وهو ما يجعلها مرشحة في أسوأ الاحتمالات لاستهداف محدود على قاعدة عسكرية فقط، وليس على المدنيين أو البنية التحتية الوطنية.

الإمارات: تمتلك علاقات تجارية ضخمة مع إيران، خاصة في دبي، حيث يقيم نحو 500 ألف إيراني. إلا أن الخلاف بشأن الجزر الثلاث يجعل قاعدة الظفرة في أبوظبي فقط (وليس الإمارات ككل) عرضة لسيناريوهات التوتر في حال تم استخدام القاعدة في عمليات عسكرية أمريكية.

 

رابعًا: في حال الهجوم الأمريكي.. هل ستضرب إيران المدن الخليجية؟

السيناريو الواقعي يقول: لا. إيران، حتى في أسوأ لحظات توترها، لم تلجأ لاستهداف مدن أو شعوب، بل تختار دومًا الرد على مصادر النيران العسكرية فقط. وإن حصل هجوم، فسيكون على قواعد أمريكية، وليس على السكان أو العواصم الخليجية.

كما أن هذه القواعد غالبًا ما تكون معزولة ومؤمنة بنظام دفاعي متطور، ما يقلل بشدة من احتمالات وقوع خسائر بشرية أو مادية كبيرة.

 

خامسًا: خلاصة استراتيجية

احتمال دخول أمريكا الحرب ضد إيران: متوسط وغير مؤكد.

احتمال استخدام أمريكا للقواعد العسكرية في الخليج: قائم ولكن ليس مرجحًا في المراحل الأولى.

احتمال مهاجمة إيران لدول الخليج: شبه معدوم، خصوصًا الدول ذات العلاقات المستقرة أو المتوازنة مع طهران.

احتمال مهاجمة المدن الخليجية والسكان: معدوم. السيناريوهات، حتى في أقصى تطرفها، تتحدث عن استهداف قواعد أمريكية فقط.

الاستنتاج الحاسم: دول الخليج العربي، بما فيها السعودية وقطر وعُمان والكويت والإمارات، لا تواجه خطرًا مباشرًا أو واسع النطاق من إيران، حتى في حال تصعيد الحرب.

 

ختامًا

في زحمة الأحداث وموجات الذعر التي تصاحب التصعيدات العسكرية، تبرز الحاجة إلى تحليل عقلاني وبارد. الواقع الاستراتيجي يؤكد أن الخليج العربي ليس ساحة مواجهة قادمة، بل منطقة متزنة محكومة بالواقعية والعقلانية من كافة الأطراف.

ولهذا، تبقى المنطقة الخليجية آمنة، غير معرضة للمخاطر الفعلية في هذه المرحلة، ولا في المستقبل القريب، مع التذكير بأن السياسة دائماً ما تفتح أبواب المفاجآت، لكن حتى هذه اللحظة، الوقائع لا تشير إلى خطر مباشر يهدد أمن الخليج وشعوبه.
هذا رأيي في الوضع الراهن وما لم تتغير المعطيات كما اسلفت .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى