حقوق الطفل الاتصالية.. صوت صغير في عالم رقمي كبير

حقوق الطفل الاتصالية.. صوت صغير في عالم رقمي كبير

د.شرين محمد المصري
لم يعد حضور الأطفال في العالم الرقمي مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبح جزءًا أصيلًا من واقعهم اليومي؛ فالأطفال اليوم يدخلون مبكرًا إلى الفضاء الرقمي، يتصفحون، ويتواصلون، ويشاركون المحتوى بطرق لم تكن مألوفة قبل سنوات قليلة، هذا الحضور الواسع يفرض طرح سؤال مهم: كيف نحمي حقوق الطفل الاتصالية ونضمن له بيئة آمنة للتعبير والاكتشاف في عالم رقمي متسارع ؟
تؤكد اتفاقية حقوق الطفل أن للطفل حقوقًا اتصالية تشمل حقه في التعبير عن رأيه، والحصول على جميع أنواع المعلومات والأفكار، ومشاركتها بحرية، لكن هذه الحقوق تكتسب اليوم بعدًا أكثر تعقيدًا مع توسع المنصات الرقمية وتعدد مصادر المحتوى، فالطفل لم يعد مجرد متلقٍّ، بل أصبح صانعًا للمحتوى أحيانًا، ومشاركًا فاعلًا في النقاشات العامة، ويحتاج إلى بيئة اتصال تتيح له التعبير وتمنحه المعلومات دون أن تعرّضه للخطر.
توفير هذه الحقوق لا يعني فتح الأبواب بلا ضوابط، بل ضمان وصول آمن للمعلومات، وحق الطفل في أن يفهم ما يتلقاه، وأن يعبر عن رأيه دون تنمر أو إساءة، وأن تُحمى بياناته من الاستخدام غير المسؤول، فالمشهد الرقمي يحمل مزايا عديدة، لكنه مليء كذلك بالتحديات؛ من المحتوى غير الملائم، إلى التنمر الإلكتروني، إلى محاولات استغلال الأطفال عبر الإنترنت، وكلها مخاطر تضع الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلامية أمام مسؤوليات مضاعفة.
الدور الأكبر يبدأ من الأسرة التي أصبحت مطالبة بمتابعة استخدام أطفالها للإنترنت دون مصادرة لحقهم في الاستكشاف، عبر تربية إعلامية حقيقية تساعد الطفل على التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، مع ضرورة إقامة حوار مفتوح وصريح حول الاستخدام الآمن للإنترنت، وكذلك مراقبة أنشطتهم ووضع ضوابط زمنية، بالإضافة إلى ضبط إعدادات الخصوصية للأجهزة والحسابات واستخدام أدوات الرقابة الأبوية لضمان سلامة الأطفال من المحتوى الضار، كما يقع على المدارس دور مهم في تعليم الأطفال كيفية التواصل الرقمي باحترام، وكيفية حماية خصوصيتهم، إضافة إلى إدماج مهارات المواطنة الرقمية ضمن المناهج الدراسية، أما وسائل الإعلام، فهي مطالبة بإنتاج محتوى ملائم لاحتياجات الأطفال، بعيدًا عن العنف والإثارة، مع إتاحة جميع المعلومات بمستوى يراعي العمر والقدرة على الفهم، مع تيسير حصول جميع الأطفال عليها دون تمييز.
في النهاية، يظل تمكين حقوق الطفل الاتصالية خطوة أساسية لبناء جيل واثق وقادر على التفاعل الواعي مع العالم الرقمي، فالطفل الذي يعرف كيف يحصل على المعلومة ويتعامل معها بأمان، ويعبّر عن ذاته بحرية، يصبح أكثر قدرة على المشاركة في المجتمع وأكثر استعدادًا لمستقبل تتداخل فيه الاتصالات مع كل تفاصيل الحياة.
إن ضمان هذه الحقوق ليس ترفًا مجتمعيًا، بل استثمارًا في وعي الأطفال وحماية لصوتهم في عالم أصبحت فيه الكلمة قوة.
مدرس الإعلام و ثقافة الأطفال بجامعة عين شمس.




