كل الثقافة

بما تبقى لديه

شارك

بما تبقى لديه

قصة نجوى غانم

 

الزنجي المكبل يحاول فك سلاسله, تخيفني ملامحه، يجذب السلاسل بقوة محاولا اقتلاعها, أقاومه بكل ما لدي من قوة وأحكم شد سلاسله, يطل من نوافذي, يهتاج, يحاول الانفجار، قيودي أمتن من محاولاته، يجذبني, أقاوم, يفشل في تحرير نفسه، يخرَ على ركبتيه، حبيبات العرق تتفصد عن جبينه وتسيل على وجهي.
شرر متطاير من عينيها, قبضتها حديدية على ذراعي، تسمرني في مكاني, فيختل توازني, ويسقط وعاء العجين عن رأسي. استغربت انفعالها الصباحي، كنت أجهل سببه، فأنا لم أخرق أيّا من قوانينها, ولم يفعل أبي.
كنت قد قدمت إفطارها قربانا يغفر لي ذنبا لم أقترفه، يجنبني رؤية انكسار أبي أمام صراخها، يستجديني أن أحتملها، لأنها في مقام أمي! فقذفَت الطعام في الهواء، ليتناثر على وجهي وملابسي وتكمل هياجها.
الزنجي يشدني من جديد، فلا أرى ملامحها، ولا أشعر بهزّها العنيف لجسدي. أقف أمامه, يرفع عينيه نحوي, يزمجر بما تبقى لديه من قوة, يصرخ: حرريني! يرتطم صراخه بجدار صمتي وثباتي فينهار باكياً عجزه, وأغيب عن المكان.
هزات عنيفة متتالية لجسدي الهزيل, خيالات لجسد امرأة تتحرك بهستيرية تتضح ملامحها شيئا فشيئا أمامي، أقف من جديد أمامها, زوجة أبي الجميلة, سيل شتائمها، مزاجها الصباحي المتعكر، قبضتها على ذراعي, ونظرات الرجاء في عيني أبي, يطل وجهه من فوق كتفها.
أترنح, أقاوم, أوشك على الاستسلام للزنجي المهتاج, لكنني أتماسك في اللحظة الأخيرة, الثبات معركتي الأخيرة, الثبات يحيلني شجرة هو فيها الجذور وأنا فروع تعصف بها الريح وتحطمها العواصف, سلاسل الزنجي يضعفها الهياج, صمت ترجوه عينا أبي والزنجي يترقب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى