مقالات كل العرب

الفلسطينيون يُغيُّرون منطق الجيوبوليتيك

شارك

الفلسطينيون يُغيُّرون منطق الجيوبوليتيك

 

أ.محمد السعدي

في تحليل منطقي هادئ يبتعد عن الإنفعالات التي تعودنا أن نقرأها هنا وهناك، فأنني أود أن ألقي نظرة متفحصة سريعة ومختصرة عما جرى على الساحة الفلسطينية بعد المواجهات التي شهدها محيط المسجد الأقصى نهاية الأسبوع الماضي وخلال أيام المواجهة التي أعقبت إستفزازات “حي الجراح” وما أعقبها من مواجهات فلسطينية إسرائيلية أدت لقصف الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة، والتي أجبرت العالم بأجمعه كي يعيد النظر مجدداً بما يحصل من مواجهة بين قوتيين غير متعادلتين، إحداهما أنشأت كيان دخيل على حساب شعب هُجِّر من أرضه ووطنه، فما كان من ذلك الشعب إلا أن يُعيد ترتيب أوضاعه لتفرض نفسها مجدداً على أرض الواقع بعد أن خسر بالمعنى التقني ووفقاً لمنطق عِلم الجيوبوليتيك ما فقده من أرض ودولة بالمعنى التقليدي، فأعاد الى الواجهة خطل الأراء التي تحدث بها علم الجيو سياسة ليُعيد الى الواجهة التذكير بأن أرض الميعاد التي حلِّمَّ بها الصهاينة هي ليست أرض بلا شعب كما روجوا له في وسائل إعلامهم التي غزت العالم الغربي، بل دحضت مفهوم “يهودية الدولة” الذي منح اليهود وحدهم ممارسة حق تقرير المصير في إسرائيل، إلا أن ما حدث قد أيقظ “الإسرائيليين” من غفوتهم بعد أن شاهدوا إن دولتهم قد بدأت تتهاوى على حين غفلة وتغرق في طوفان ضربات شعب لا يملك خيارا غير خيار المقاومة في مواجهة الإجتثاث المستمر الذي وصل في عهد الرئيس ترامب الإعتراف بكامل القدس عاصمة لإسرائيل، فرغم الاحتلال وشراء الذمم وتهديم البيوت وتوسيع السجون والمعتقلات ومحاولة طمس الهوية الفلسطينية عبر كل المُغريات، ورغم الدعم اللوجستي الغربي الكبير إلا أن ذلك قد اصطدم بشموخ شعب الداخل ومؤازرة الشتات الفلسطيني في الخارج، مما أنعكس على طبيعة المواجهة الحالية والتي تجلت بإمطار كامل إسرائيل بصواريخ المقاومة “بدائية التصنيع” التي شلَّت كامل الحياة فيها، وأعادت الى الواجهة تساؤلات عديدة أطلقها عدد كبير من رجال الإعلام الإسرائيلي الذين تحدثوا بكل صراحة ومن على واجهات الصحافة بأن إسرائيل قد بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة مالم تُعيد النظر بكامل سياساتها تجاه الفلسطينيين كشعب لا يمكن تحجيمه بأساليب القوة والإستيطان والتوسع بالمستعمرات حتى وصل الأمر بالكاتب الشهير (آري شبيت) لنشر مقالاً في صحيفة “ها آرتس” الإسرائيلية واسعة الإنتشار وهو يعض أصابع الندم على احتلال فلسطين التاريخية، قائلاً:

( يبدو أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال)، مُذكراً بإنتفاضة الفلسطينيين أعوام 87 و2000، وفشل سياسات تهديم البيوت والحصار بالأسلاك والجدران الكونكريتية العملاقة، بعد أن أدخلوا الرُعب الى كل بيت في الداخل الإسرائيلي، مما دعى ذلك الكاتب لأن ينتقد (لعنة الكذب التي تلاحق “الإسرائيليين” يوماً بعد يوم، لكي تصفعهم على وجوههم بشكل سكين تأتي على يد مقدسي وخليلي ونابلسي ، أو بحجر جمّاعيني أو سائق حافلة من يافا وحيفا وعكا)، بما يعكس سياسة الخوف الكامنة في نفوس المستوطنين التي حاول الكيان إخفاءها تحت حجة عظمة الديمقراطية في إسرائيل والتي لم يتردد الكاتب الصحفي “شبيت” من التحدث بها صراحة على الملأ العام في نقده لسياسات بلاده التي لن ينقذها من وهم تجاهل الفلسطينيين إلا بقبول سياسة واقعية قادرة على إنقاذهم من المحنة التي أوقعوا أنفسهم فيها من خلال الإعتراف بحقوق الفلسطينيين كشعب متجذر في عمق أرض الأجداد الحالية، وهذا لن يتم دون وقف سياسة الإستيطان المستمرة، والتفكير ملياً بسياسة واقعية تُبنى على أساس الموافقة على حل الإعتراف بدولة فلسطينية تقوم وفق حل الدولتين المتجاورتين اللتان يمكن أن تعيشا بسلام على أن تكون حدود الدولة الفلسطينية التي رُسمت في أعقاب الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، حيث تم حينها رسم الخط الأخضر الذي يحدد الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كعاصمة لدولتهم المقبلة.

 

باحث في الشؤون السياسية والإستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى