الرئيسيةكل السياسة

صفقة القرن… ملهاة ومأساة

شارك

أكثر من سنة مضت والحديث عما يسمى صفقة القرن لم يتوقف، ليأخذ حيزاً غير قليل في وسائل الاعلام والاتصال الاجتماعي والجماهيري دون ادراك كنه هذه الصفقة ومحتواها ومطباتها وأهدافها، وما يترتب عليها من مخاطر جسيمة لا تتوقف عند حد تصفية القضية الفلسطينية برمتها، ودفعها خارج التاريخ والاهتمام الانساني لتصيب الكيان العربي برمته في مقتل

  • دياب نبهان

هل هي صفقة حقيقية بمعناها اللغوي والاصطلاحي، بين أطراف معلومة تقوم على مبدأ “خذ وهات”؟ أم هي محض عملية ترويج لأوهام السلام في المنطقة، شأنها في ذلك شأن كل ما تقدمها من مشاريع وقرارات واتفاقات ومعاهدات أممية ودولية وتناغمية وأكثر من كفائية انشغل بها العالم العربي والعالمي على مدى خمسة عقود خلت منذ أن وقعت فلسطين برمتها، واضعاف مساحتها من الأراضي المصرية والسورية في قبضة العدو الصهيوني إثر حرب حزيران عام 1967، التي تعمد هذا العدو تسميتها حرب الأيام الستة، استخفافاً بالعرب واذلالاً لغطرستهم وادعاءاتهم الفارغة الجوفاء التي كانت تملأ الاذاعات العربية آنذاك صخباً وضجيجاً عن تحرير فلسطين بيتاً بيتاً. ولم يكن مصطلح “زنقة زنقة” قد عرف بعد. ولعل أبرز تلك القرارات، التي صدرت عن الأمم المتحدة لمعالجة نتائج حرب حزيران 1967، ومن ثم نتائج حرب تشرين/اكتوبر 1973 هما القراران 242 و 338 على التوالي.

وقد تولى السيد جونار يارنج مبعوثاً للأمم المتحدة لمحاورة الأطراف المعنية بالقرار، وهي مصر وسوريا والاردن إضافة إلى الكيان الصهيوني وأطراف أخرى عربية ودولية لوضع آليات هذا القرار عبر جولات مكوكية متتالية لم تسفر عن أي نتيجة تذكر، حيث سقط العرب في مصيدة التلاعب بالألفاظ عند صياغة القرار، الذي نصت نسخته العربية على انسحاب العدو الصهيوني من الأراضي التي احتلت في حزيران عام 1967، بينما نسخته الانجليزية نصت على انسحاب “اسرائيل” من أراض عربية، مع اسقاط ال التعريف، لتتوقف مهمة المبعوث الأممي عند هذا الحد فيما تولت الولايات المتحدة محاورة الأطراف ذاتها بعد حرب تشرين/اكتوبر 1973 وفق القرار 338 الصادر عن الأمم، لتسفر جهود وزير الخارجية الامريكية هنري كسينجر الذي أصبح معروفاً على نطاق شائع بهندسة سياسة الخطوة خطوة، لتسفر هذه السياسة عن تعديلات طفيفة على الحدود السورية فيما ذهبت مصر بقيادة أنور السادات إلى انتهاك المحرمات العربية وبكثير من عدم اللا مبالاة والاعتبار للرأي العام العربي، لنصل إلى حد قيام السادات بزيارة الكيان الصهيوني، حيث ألقى بمصر وشرفها الوطني والعربي في قاعة الكنيست الصهيوني، لتمضي قيادة السادات في هذا الخط المهين لتصل إلى توقيع اتفاقات كامب ديفيد مع العدو الصهيوني وبرعاية امريكية واوروبية دون الحصول على كامل أراضيها، من شبه جزيرة سيناء التي بقيت في قبضة العدو إلى اليوم.

لم يتصد العرب للسياسة المصرية، وتداعيات كامب دايفيد الخطيرة على الساحة العربية، وعكس ذلك كان هناك جمود من الحكام العرب ينتظرون الفرصة للذهاب إلى واشنطن لوضع تواقيعهم إلى جانب توقيع أنور السادات ومناحيم بيغن رئيس وزراء الكيان الصهيوني.

لقد فاجأ العراق هذه الأنظمة عندما تزعم خط المواجهة لكامب ديفيد وأعلن مشروعه القومي للتصدي لتداعياتها، ليجد الكثير من الحكام العرب وقد أسقط بأيديهم، و لم يجدوا أي مناص من التوجه إلى بغداد بدلاً من واشنطن في قمة تاريخية انعقدت خريف 1978 في بغداد لإقرار مشروع العراق القومي وعزل مصر ووقف تداعيات كامب ديفيد ومنهجها الخطير.

وفي غمرة تنفيذ المشروع العراقي، شهدت المنطقة متغيراً مهماً تمثل في اسقاط حكم شاه ايران والاستعاضة عنه بحكم الملالي، الذين قادوا ايران مباشرة للإصطدام بالعراق وتعطيل نهوضه الوطني العظيم حينذاك، واضعاف دوره القومي في الحفاظ على تماسك الحد الادنى بين الدول العربية وعدم التفريط بالحقوق الشرعية العادلة للشعل العربي الفلسطيني.

وهكذا اندلعت الحرب العراقية ـ الايرانية ، وبمعنى أدق بدأ العدوان الآثم على العراق ليستمر ثمان سنوات خرج منها العراق منتصراً وقوياً، ويدفع المشروع الطائفي الايراني كذلك ليظل حبيس الجغرافيا الايرانية، لتتقدم الدول الكبرى بزعامة الولايات المتحدة والدول الغربية، يساندها في ذلك كل الأنظمة العربية التي كانت تتحين الفرص للتملص من التزاماتها بقرارات قمة بغداد، حتى وجدت في قيام العراق بدخول الكويت فرصتها لاستقبال الحشود العسكرية الامريكية والغربية على أراضيها، لشن عدوان عسكري آثم على العراق بداية العام 1991، لإعادة فتح الطريق أمام الاستجابة للاملاءات الامريكية في إدارة القضية الفلسطينية وفق رؤية امريكية ـ صهيونية، كما جرى في مؤتمر مدريد في العام نفسه حيث جلست الأنظمة العربية المشاركة في العدوان على العراق مع منظمة التحرير الفلسطينية وجهاً لوجه مع العدو الصهيوني، ليفضي ذلك إلى انتاج اتفاقية أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية والكيان الصهيوني، تخلت فيها المنظمة عن ثوابتها الوطنية وميثاقها الوطني في التحرير وحق العودة.

وهكذا بدأت سلسلة جديدة من عبث المفاوضات ومن اللغو السياسي وحتى الوطني على الصعيد الفلسطيني بينما الأنظمة العربية جلست تحت لافتة (نحن نريد ما يريده الفلسطينيون).
إلى ذلك شيئين أن ماطرح خلال العقود الماضية من مشاريع تحت شعار السلام أو تشويه الصراع الفلسطيني الصهيوني لم يطرح بغية إيجاد حلول عادلة ومنصفة للقضية الفلسطينية وشعب فلسطين، وإنما كانت لإنتاج آليات وأدوات لإدارة هذه القضية مع ادارة الظهر كلية لحلها ولانصاف شعبها.
وهنا يأتي السؤال: هل مايسمى صفقة القرن يخرج عن هذا السياق وتقديم مفاهيم وقرارات أخرى للقضية الفلسطينية؟ أم أنها تتويج لتلك السياسة التي ترمي إلى تصفيتها بصورة نهائية أرضاً وشعباً.
وسؤال آخر..

كيف سيكون ذلك وما هو الجديد في منهج الادارة الامريكية الحالية، وما هي وسائلها وادواتها لتحقيق هذه الغاية التي ستمثل اكتمال المشروع الصهيوني على كامل التراب الفلسطيني مع انفتاح عربي غير مشروط ومحدد بسقف أو زمن؟

هي ليست صفقة، وإنما نستخدم هنا مجازاً لأنها لا تطرح على أطراف لبناء حوار على مضمونها ومحتوياتها، وإنما هي محض املاءات امريكية ـ صهيونية على الفلسطينيين والعرب يجب الأخذ بها والعمل على تطبيقها دون قيد أو شرط كما يلي:

1 ـ تجريد فلسطين من أي محتوى وطني للشعب الفلسطيني، حيث يتم افراغ الضفة الغربية إلى حد كبير من سكانها الفلسطنين، واللاجئيين منهم على وجه الخصوص وترحيلهم ضمن اتفاقيات مسبقة باتجاه شرق الاردن، مع انهاء وجود المخيمات الفلطسينية في سوريا ولبنان وترحيل سكانها إلى نفس الاتجاه ليكون الاردن وطناً بديلاً.

2 ـ دحر المخيمات الفلسطينية في قطاع غزة خارج القطاع وبأتجاه جزيرة سيناء ليستواطنوا هناك ضمن مساحة جغرافية معلومة ومتفق عليها مسبقاً مع النظام المصري.

3 ـ ان الادارة الامريكية والكيان الصهيوني ليسوا معنيين بإيجاد حلول للفلسطنيين بقدر اهتمامهم بكل ما من شأنه أن يؤدي إلى قتلهم أو تشتيتهم على الأقل. لأن الكيان الصهيوني يرى في أي كيان وطني فلسطيني سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو حتى في الاردن أو المريخ إنما يمثل خطراً كونياً، بل الخطر الكوني الأول الذي يهدد الكيان الصهيوني تهديداً جدياً وخطيراً، لكونه النقيض الطبيعي لهذا الكيان ووجوده على أرض فلسطين.

4 ـ إنهاء مسألة اللاجئيين الفلسطينيين بشكل نهائي وحاسم من خلال تصفية المخيمات الفلسطينية وإنهاء خدمات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطنيين (الاونروا) وذلك من خلال تجفيف مصادر تمويل هذه الوكالة وإعادة تعريف معنى اللاجئ ، بحيث على جيل الآباء فقط الذين خرجوا من بلادهم في حرب العام 1948 أو من بقي منهم على قيد الحياة ، و إسقاط هذا المعنى عن جيل الابناء والاحفاد، ويجري الآن تسريب بعض المعلومات عن كشوفات امريكية يجري اعدادها لهذا الغرض تحت اشراف مستشار دونالد ترامب المدعو جاريد كوشنر وهي كشوفات لا تحتوي أكثر من أربعين الف لاجئ من أصل خمسة ملايين مسجلين رسمياً لدى الاونروا.

ولتحقيق هذه الغايات الاجرامية يجري محاولات اخضاع الشعب الفلسطيني بمنتهى القسوة والوحشية وعدم الرحمة، فهل ستنجح الولايات المتحدة وجمعها الآثم من الصهاينة والخونة العرب في ذلك.
ولكن الشعب الفلسطيني معروف على نطاق واسع أنه شعب صعب المراس، لا تلين له قناة ، وان علاقته التاريخية مع وطنه دونها خرق القتاد، ولن يسمح لأية قوة على الأرض ان تقلع جذوره من منابتها الضاربة في باطن التاريخ وانه لا يعدم ولن يعدم وسائل المقاومة وأدواتها التي يتفنن في اختراعها لتديم جذوة الكفاح والتضحيات حتى يهزم الجمع الامريكي الصهيوني ويولون الدبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى