مقالات كل العرب

هل تسرقنا الشاشات؟ معركة الإنسان الأخيرة من أجل انتباهه

هل تسرقنا الشاشات؟ معركة الإنسان الأخيرة من أجل انتباهه

أ. أمال عزاز

في زمن التدفق الرقمي اللامتناهي، أصبح انتباهنا أغلى عملة في السوق. كل نقر، كل تمرير سريع، كل إشعار يرن – هو قطعة صغيرة من وعينا تُستَقطَع لنظام اقتصادي جديد لا يبيع منتجات، بل يبيع دقائق من حياتنا.

اقتصاد الانتباه: الحرب الخفية لم تعد المنصات الرقمية تتنافس على وقت فراغك فحسب، بل على تركيزك الكامل. خوارزميات تتطور كل يوم لتحبس عينيك على الشاشة، وتستجيب بدقة علمية لنقاط ضعفك النفسية. الإشعار الأحمر، الصوت المميز، التحديث اللانهائي – كلها أسلحة مصممة لكسر مقاومتك الذهنية.
والنتيجة؟ عقل مشتت يعاني من “تعدد المهام الوهمي”. نحن ننتقل بين خمسة محادثات، ثلاثة تطبيقات، وعشر تبويبات مفتوحة، دون إكمال شيء واحد بعمق. هذا التشتيت ليس عرضا جانبيا، بل هو المنتج الأساسي.
الثمن الخفي: ما نخسره عندما نفقد تركيزنا فالتركيز المتشظي لا يؤثر فقط على إنتاجيتنا، بل على إنسانيتنا. القادرة على التأمل العميق، على الاستماع بصدق، على القراءة المتأنية – كلها مهارات تتراجع. الأصوات السطحية تطغى على الأفكار العميقة، والردود السريعة تحل محل الحوارات الهادئة.
العلاقات الإنسانية تتحول أيضاً. كم مرة جلست مع صديق بينما تنظران معاً إلى هواتفكما؟ كم محادثة مهمة قطعتها لترد على إشعار غير عاجل؟ الانتباه المشتت يصنع حوارات مشتتة، وعلاقات مشتتة، وحياة مشتتة.
كيف نستعيد ما فقدناه؟المعركة ليست ضد التكنولوجيا، بل من أجل سيادتنا عليها:
1. التقنين الواعي: حدد أوقاتاً مقدسة بلا شاشات، خاصة في الساعات الأولى من النهار والأخيرة من الليل.
2. الجودة قبل الكمية: اختر متابعة ثلاثة حسابات ثرية بدلا من ثلاثمائة حساب سطحي.
3. الوحدة الإيجابية: تعلم أن تكون مع نفسك دون هاتف، في مشوار، في انتظار، في صمت.
4. إعادة تعريف الاتصال: أحيانا يكون أفضل ما نقدمه لمن نحب هو انتباهنا الكامل، وليس رد سريع على رسالة
وفي الختام الانتباه ليس مجرد مورد نستنزفه، بل هو طريقة نعيش بها. اللحظة التي تنتبه فيها بشكل كامل هي اللحظة التي تعيشها بشكل كامل. في عالم يحاول شراء كل ثانية من وعيك، يصبح الاحتفاظ بانتباهك أعظم شكل من أشكال المقاومة والحرية.
فلنبدأ بثورة صغيرة: أن نعود إلى أنفسنا، إلى أحاديثنا، إلى حياتنا – بشيء نادر أصبح أغلى من الذهب: انتباهنا الكامل غير المقسم. المستقبل سيكون لمن يحفظون القدرة على التركيز.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى