مقالات كل العرب

عدوان على قلب الوسيط: سابقة إسرائيلية خطيرة تهدد أمن المنطقة والعالم

عدوان على قلب الوسيط: سابقة إسرائيلية خطيرة تهدد أمن المنطقة والعالم

د. محمد بن احمد المرواني

في خطوة غير مسبوقة بتاريخ العالم و تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وتجاوز لكل الخطوط الحمراء والأعراف الدبلوماسية، أقدمت إسرائيل على عمل عدواني جبان استهدف قلب العاصمة القطرية الدوحة، في انتهاك صارخ لسيادة دولة عربية مستقلة، وضربة غادرة لجهود الوساطة التي كانت تبذلها قطر مشكورة لإحلال السلام وإطلاق سراح الرهائن. هذا العمل النذل، الذي وصفته قطر بحق بأنه “عمل جبان”، لا يمثل فقط عدواناً على دولة ذات سيادة، بل هو رسالة تهديد واضحة لكل دول المنطقة والعالم، مفادها أن إسرائيل مستعدة لضرب أي مكان وفي أي وقت، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والمواثيق الدولية.

إن هذا الاستهداف المتعمد لدولة وسيطة، كانت تستضيف مباحثات حساسة لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، يكشف عن وجه إسرائيل الحقيقي، ككيان لا يحترم العهود ولا يقيم وزناً للجهود الدبلوماسية، ويسعى دائماً لفرض منطق القوة والغدر. هذا العمل الإجرامي يضع المنطقة بأسرها على حافة الهاوية، ويفتح الباب على مصراعيه أمام فوضى عارمة، لن يسلم من شرها أحد. فإذا مرت هذه الجريمة دون ثمن باهظ تدفعه إسرائيل، فإن أمن واستقرار المنطقة والعالم بأسره سيكون في مهب الريح.

تفاصيل العدوان: خرق فاضح للقانون الدولي

في صباح يوم الثلاثاء التاسع من سبتمبر 2025، وفيما كانت الأنظار تتجه إلى الدوحة أملاً في تحقيق انفراجة في مفاوضات وقف إطلاق النار، أطلقت 15 طائرة مقاتلة إسرائيلية 10 قذائف دقيقة على حي الدفنة السكني في العاصمة القطرية، مستهدفة اجتماعاً لوفد حركة حماس التفاوضي. هذه العملية التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم “قمة النار”، لم تكن مجرد عملية عسكرية، بل كانت عملاً إرهابياً منظماً، هدف إلى اغتيال الوفد المفاوض ونسف كل جهود السلام. ورغم أن محاولة الاغتيال فشلت، إلا أن الهجوم أسفر عن استشهاد فرد من الامن القطري و خمسة من أعضاء الحركة، وألحق أضراراً جسيمة بالممتلكات، وبث الهلع في قلوب المدنيين الآمنين.

إن هذا الهجوم يمثل انتهاكاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد على سيادة الدول وحرمة أراضيها، ويحظر استخدام القوة في العلاقات الدولية. كما أنه يتناقض مع كل الأعراف الدبلوماسية التي تمنح حصانة للوسطاء والمفاوضين. إن استهداف دولة وسيطة، كانت تبذل جهوداً حثيثة للتوصل إلى حل سلمي، هو عمل غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية، ويفتح الباب أمام شريعة الغاب، حيث لا مكان للقانون أو الأخلاق.

قطر والخليج: أهمية استراتيجية وشراكة غربية

إن خطورة هذا العدوان تتضاعف بالنظر إلى المكانة الاستراتيجية التي تحتلها دولة قطر ومنطقة الخليج العربي بأسرها. فلطالما كانت قطر، ومعها شقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي، واحة للأمان والاستقرار في منطقة مضطربة. هذه الدول، التي تشكل مجتمعة حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة والغرب، تمتلك استثمارات ضخمة في أوروبا وأمريكا تتجاوز قيمتها عدة تريليونات الدولارات، وتعتبر أهم مصدر للنفط والغاز في العالم، مما يجعلها حجر الزاوية في استقرار الاقتصاد العالمي.

علاوة على ذلك، فإن دول الخليج، ومنها قطر، تعتبر من أكبر مشتري الأسلحة الأمريكية والغربية المتطورة، مما يوفر آلاف الوظائف في الولايات المتحدة وأوروبا. كما تربطها بالدول الغربية اتفاقيات أمنية وحضور عسكري، مما يجعل أمنها جزءاً لا يتجزأ من أمن الغرب. فكيف يمكن لإسرائيل، التي تدعي أنها الحليف الأهم للغرب في المنطقة، أن تقدم على مثل هذا العمل المتهور الذي يهدد مصالح حلفائها ويزعزع استقرار منطقة حيوية للعالم بأسره؟

انتهاك سيادة الدولة الوسيطة: رسالة تهديد للجميع

إن استهداف دولة قطر، التي كانت تقوم بدور الوسيط النزيه في المفاوضات، هو رسالة تهديد واضحة لكل من يحاول لعب دور بناء في حل الصراعات. فإسرائيل، بهذا العمل، تقول للعالم إنها لا تقبل بأي وساطة لا تخدم مصالحها الضيقة، وأنها مستعدة لمعاقبة كل من يحاول الوقوف في وجه غطرستها. هذا المنطق الخطير، إذا لم يتم لجمه، سيؤدي إلى شل كل الجهود الدبلوماسية، ويجعل الحلول السلمية مستحيلة.

إن هذا العدوان ليس موجهاً ضد قطر وحدها، بل هو موجه ضد كل الدول العربية والإسلامية، بل وضد كل دول العالم التي تؤمن بسيادة الدول وحرمة أراضيها. فإذا مرت هذه الجريمة دون حساب، فإن إسرائيل لن تتورع عن استهداف أي دولة أخرى، وتصفية أي زعيم أو مسؤول لا يروق لها، بذرائع عدة مفتعلة لا تقتصر على محاربة من يدعم الحق الفلسطيني فقط بل سيطال غدا دولا اوروبية و اسيوية تتهمها اسرائيل حاليا بمعاداة السامية ، كما انها تهدد بعض دول اوروبا لعزم هذه الدول الاعتراف بدولة فلسطين .
فمن سيمنع اسرائيل ان مرا هذا الاعتداء الغادر دون عقاب رادع لاجم من استهداف وزراء و زعماء أوروبين و اسيوين في دولهم او على تراب دولا أخرى في مهماتهم خارج اوطانهم او في أثناء إجازاتهم الشخصية.
إن أمن الجميع، من المحيط إلى الخليج، و من اسيا الى أوروبا و من أفريقيا الى كندا أصبح على المحك.

التداعيات على الأمن الإقليمي والعالمي: على حافة الهاوية

إن تداعيات هذا العدوان الإسرائيلي تتجاوز حدود المنطقة، لتهدد الأمن والسلم الدوليين. فمنطقة الخليج، التي تعتبر شريان الطاقة للعالم، أصبحت الآن في قلب العاصفة. وأي تصعيد في هذه المنطقة الحساسة سيكون له انعكاسات كارثية على الاقتصاد العالمي، الذي يعاني أصلاً من أزمات متلاحقة. إن هذا العمل المتهور يهدد بإشعال حرب إقليمية واسعة، لن تكون بمنأى عنها أي دولة في العالم.

إن الصمت الدولي على هذه الجريمة، أو الاكتفاء ببيانات الشجب والاستنكار الخجولة، لن يؤدي إلا إلى تشجيع إسرائيل على المضي قدماً في غطرستها وعدوانيتهاا و اختلاق ذرائع جديدة لذلك. إن العالم اليوم أمام اختبار حقيقي، فإما أن ينتصر لسيادة القانون الدولي، أو أن يستسلم لشريعة الغاب التي تريد إسرائيل فرضها على العالم.

ردود الفعل الدولية والعربية: إدانات واسعة ومطالبات بالمحاسبة

لقد أثار العدوان الإسرائيلي على قطر موجة عارمة من الإدانات والاستنكارات على المستويين العربي والدولي. فقد أدانت جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي هذا الهجوم، واعتبرتاه انتهاكاً خطيراً لسيادة دولة عربية، وتهديداً للأمن والاستقرار في المنطقة. كما صدرت إدانات قوية من العديد من الدول العربية والإسلامية، التي طالبت بضرورة محاسبة إسرائيل على هذه الجريمة.

وعلى الصعيد الدولي، أعربت العديد من الدول عن قلقها البالغ إزاء هذا التصعيد الخطير، ودعت إلى ضبط النفس وتجنب المزيد من العنف. إلا أن هذه المواقف، على أهميتها، لا تزال دون المستوى المطلوب. فالمطلوب اليوم ليس مجرد بيانات ادانات لا قيمة لها ، بل إجراءات عملية رادعة *من قبل الامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية بفرض قرارات واحكام تجبر اسرائيل على التراجع والاعتراف بالخطأ* وتمنعها من تكرار مثل هذه الجرائم.

الدروس المستفادة والمطلوب عملياً: وقفة حازمة لردع العدوان

إن هذا العدوان الغادر يجب أن يكون جرس إنذار للجميع. فالاعتماد على الحماية الخارجية، أو الاعتقاد بأن التحالفات مع القوى الكبرى يمكن أن توفر أمناً مطلقاً، قد ثبت أنه وهم كبير. إن أمننا يجب أن ينبع من وحدتنا وقوتنا الذاتية. لقد حان الوقت لنبذ الخلافات البسيطة، والوقوف صفاً واحداً في وجه الغطرسة الإسرائيلية.

إن المطلوب اليوم هو عمل جماعي عربي وإسلامي، يستخدم كل وسائل الضغط المتاحة، السياسية والاقتصادية والإعلامية، وحتى التلويح بالخيارات العسكرية. يجب استخدام سلاح النفط والغاز، وسحب الاستثمارات، ومقاطعة البضائع الإسرائيلية و بضائع الدول الداعمة لها بقرارات سيادية من الدول و ليس بحركات شعبية محدودة. يجب فضح جرائم إسرائيل في كل المحافل الدولية، وتقديم قادتها إلى العدالة الدولية و على رئسهم مجرم الحرب و الابادة نتنياهو.

كما يجب على الدول العربية والإسلامية أن تعيد النظر في تحالفاتها وعلاقاتها الدولية. فإذا كانت مئات المليارات من الدولارات التي تنفق على شراء الأسلحة الغربية لا تكفي لتأمين حدودنا وحماية سيادتنا، فلا بد من البحث عن بدائل أخرى. إن التلويح بالتوجه نحو السلاح الصيني أو الروسي، وتنويع مصادر السلاح، قد يكون رسالة قوية لمن يعنيهم الأمر و هو إجراء قامت بها جمهورية مصر العربية دون الرضوخ للضغط الأمريكية و كذلك دولة الإمارات العربية النتحدة و سيؤدي اذا انتشر و استمر الى ضغط مصنعي السلاح الغربي و لوبياتهم على الحكومات.

إن الضغط على مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا، من خلال الجاليات العربية والإسلامية، ومن خلال الشركات والمؤسسات الاقتصادية و من خلال العقود التجارية يمكن أن يلعب دوراً مهماً في تغيير المواقف الغربية، ودفعها إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً تجاه إسرائيل.

خاتمة: أكلت يوم أكل الثور الأبيض

إن التاريخ يعلمنا أن التخاذل والفرقة هما أقصر طريق للهزيمة. وقصة “أكلت يوم أكل الثور الأبيض” ليست مجرد حكاية من التراث، بل هي حكمة بالغة يجب أن نتذكرها اليوم جيداً. فمن يتخاذل اليوم عن نصرة قطر، سيأتي عليه الدور غداً، ولن يجد من يدافع عنه. إن أمن الخليج وسلامته، بل وأمن العالم العربي والإسلامي بأسره، مرهون برد الفعل على هذا العدوان. فإما أن نكون صفاً واحداً، فنردع المعتدي ونحمي أوطاننا، وإما أن نبقى متفرقين، فنصبح لقمة سائغة لكل طامع.

إن الكرة الآن في ملعب القادة العرب والمسلمين. فهل سيرتقون إلى مستوى المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم، أم سيتركون أنفسهم و الأمة فريسة للغدر والعدوان؟ الأيام القادمة ستكشف لنا الجواب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى