مقالات كل العرب

الصراع حول السودان وحرب بيادق الشطرنج

شارك

الصراع حول السودان وحرب بيادق الشطرنج

د. علي عبدالقادر

عندما نشرت مقال بعنوان الصراع في السودان أكبر من الكيزان-التيار الاسلاموي – والبرھان؛ لم يكن الامر ضرب في الرمل بل قراءة صادقة واقعية واستشرافية لمالات الاحداث في السودان.
نعم منذ بدايات السودان كان ھناك دائما صراع بين جھات او حكومات او قبائل واثنيات مختلفة ولكن الذي لم يكن يدركه هؤلاء المتصارعون إنهم أدوات وقد ترتقي احيانا لرتبة وكلاء لقوى شر كبرى تستخدمهم بذكاء كبير مستغلة فيھم شراھة حب السلطة والثروة.
مع ازدياد بروز قلة الموارد الطبيعية والمعدنية في العالم وبحث قوى الشر العالمية عن السيطرة على تلك الموارد؛ انتبه الغرب الى طمع الصين اللامتناهي في ايجاد مواطئ قدم لھا قرب المصادر والموارد الطبيعية والمعدنية ولا سيما في افريقيا التي كانت ولازالت الى درجة كبيرة تحكم بالريموت كتترول من دول الغرب الكبرى القديمة والحديثة.

بعد إنتھاء الحرب الباردة وانقلابها الى حرب اقتصادية ومحاولات روسيا والصين التغلغل المباشر في افريقيا، حينھا أحس الغرب بان كل ما بناھ آبان الفترة الاستعمارية وما تلتھا وما وضعھ من أنظمة وحكومات في افريقيا لسرقة مواردها الطبيعية مقابل ترك “فتات” من السلطة والثروة للحكام المحليين بدأ ينهار وخاصة مع قلة الانقلابات العسكرية التي كانت تحدث سنويا في كثير من دول افريقيا لصالح دول الغرب.
كما كان تأجيج الحروب في العالم الثالث من قبل قوى الشر العالمية تحت اسباب واهية ايديولوجية او عرقية او غيرھا يضمن لھا سوق سلاح ويضمن لھا الاستيلاء على الموارد الطبيعية على غفلة من المتصارعين المحليين.
إذن من المؤكد ان الصراع حول السودان وخيراته بدأ مبكرا منذ الفترة الاستعمارية وقرب دخول فرنسا وبريطانيا في حرب في منطقة فشودا-كاودا- في 1897,
واستطاع الغرب تشكيل طبقة من السودانيين ولاسيما عبر كلية غردون ليكونوا وكلاء له وجاء تكوين الاحزاب الرئيسية على صورة الاحزاب المصرية الامة والاتحادي و- جبھة الميثاق- الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي!!! لتكون ممثلة للشعب كمتنفس ولكن دون السماح لھا بأن تخرج من عباءة الاستعمار الحديث.
لقد نبهت كأخرين غيري بأن ما يجري أكبر من البرهان ونظام الكيزان او التنظيم الحيران. لم يقبل الكثير قولي. وعندما كتبت ان قوى الشر تعرف الكيزان-التيار الاسلاموي- واستخدمتهم خلال 30 عاما لصالحها عبر ترك شيء قليل من السلطة والثروة لھم وكان الكيزان بعرفون ذلك وفرحين “بالفضلة.” ما دام ذلك يضمن لهم البقاء في السلطة.
لكن مع مرور الزمن وتغير موازين القوة في العالم، فأن قوى الشر ازداد طمعها وكثر عددها واختلفوا فيما بينهم وأصبح جزء منھم محافظ على علاقتھ ومصالحھ عبر مجموعة من النظام الحاكم ، واختارت قوى شر اخرى حليف اخر من مجموعة النظام الحاكم . وهكذا وقع الجميع بعلم او بجهل منهم في شباك قوى الشر العالمية، بحيث أصبح السودان ” مجالًا للسمسرة السياسية بين الخارج والنخب المحلية”!!! والشعب السوداني هو الضحية.
وهكذا أضحى الشعب السوداني العملاق يرزخ تحت قهر قادة غير وطنبين وفاسدين تھمھم “فضلة” الثروة والسلطة التي تتركھا لھم قوى الشر العالمية وحلفائها من دول الإقليم والجوار.
حاول كثير من افراد وجماعات من الشعب السوداني رغم البطش والاستبداد المميت الثورة على الحكم الظالم والديكتاتوري لطغمة المخلوع البشير خلال ثلاثين عاما، ولكن آلة السحل والقتل كانت تدور طاحونتها فيما غير توقف لتطحن الشعب السوداني وتسحلھ، وان عرف فيما عرف من ضحاياها الالاف ابتداء من غرس مسمار في راس الطبيب النقابي على فضل وليس انتهاء الشهيد المعلم احمد الخير .
إن الصراع في السودان مهما تدثر بغطاءات أيدلوجية مثل صراع المركز والهامش او صراع اليسار واليمين او لأسباب قبلية او اثنية او جهوية او بين العسكريين ذوو الولاءات الحزبية أنفسهم عبر الانقلابات، ، فهو لا يخرج عن كونه صراع “الضباع” المحلية فيما بينها فيما تتركه لهم الأسود الأجنبية، ومن المشهور ان الأسود لا تأكل الضباع لان هذه الأخيرة تتغذى على الجيف!!!
ولكن يبقى ان صراع الضباع المحلية دفاعا عن مصالح اسيادها الأسود الأجنبية انتهى الى سياسة الأرض المحروقة وقتل الالاف من المواطنين وتشريد الملايين منهم كنازحين او لاجئين، وفرحت قوى الشر العالمية بذلك لأنها في وجود اللا دولة او الدولة الممزقة تستطيع ان تنهب خيرات السودان مجانا او بأرخص الاثمان، وهكذا تسربت تھريبا عشرات الاطنان من الذهب وما لا يعرف حجمه من المعادن الثمينة الأخرى، والمحصولات الزراعية كالصمغ العربي والسمسم وغيره وصولا الى سرقة الثروة
وهكذا، وفي ظل هذا الانهيار الممنهج لمؤسسات الدولة السودانية، الذي تقوده قوى الشر العالمية عبر أدوات محلية مستغفلة مثل بعض القيادات العسكرية والنخب الحزبية، لم يعد أمام الشعب السوداني إلا أن يتجاوز جراحه، ويتوحد صفًا واحدًا في مواجهة الاستعمار الحديث بأقنعته الجديدة، فقد ذاق هذا الشعب الأبيّ مرارة القتل والتشريد، وفقد آلافًا من أبنائه، وتشتت الملايين من أهله، دون أن يلوح في الأفق مخرج سوى الإرادة الشعبية الواعية، ووحده الشعب، بتماسكه وتمسكه بحقه في دولة مدنية ديمقراطية عادلة، قادر على رفض الوصاية العسكرية، والتصدي لوجود المليشيات الحزبية أو الجهوية أو القبلية، ووضع السودان على طريق الخلاص وبناء الدولة التي تليق بتاريخه ونضاله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى