مقالات كل العرب

أوزار الحرب على من بادر بها أو هلل لها

شارك

أوزار الحرب على من بادر بها او هلل لها

 

 د. حارث سليمان 

 

لماذا يبدو خطاب الثنائية المذهبية الشيعية متوترا، مازوما وعدائيا! وما الخطب الذي اصاب قيادات حزب الله فاندفعوا الى لهجة متشددة واستفزازية، وما الذي حل بمشايخ المجلس الشيعي الاسلامي، حتى يدقوا طبول الحرب ويذهبوا الى منطق القطيعة والتمترس الانغلاقي، ولماذا ظهر، كل بحسبه، بكلام يخرج عن المألوف ويذهب الى لغة خشنة وبعدائية تلقائية، لا ضرورة لها ولا تستند إلى اي سبب او منطق، فالسيد نصرالله ذهب الى تهديد قبرص، بسبب وجود قواعد عسكرية بريطانية فيها، كان قد تمت إقامتها من زمن بعيد، سبق إعلان دولة قبرص، ولان جيش الجزيرة قد أجرى مناورات مشتركة بينه وبين الجيش اليوناني وجيش العدو الاسرائيلي، فهل كان السيد نصرالله مضطرا لتهديد قبرص علنا وجهارا نهارا، ام كان يكفيه الطلب من الرئيس ميقاتي او من وزير الخارجية اللبناني عبدالله ابو حبيب الاتصال بالجانب القبرصي والطلب إليه بأن لا يكون جزءا من أية حرب مقبلة، سيما أن الرئيس القبرصي واجه التهديد العصابي، بهدوء رجل الدولة الاستيعابي، فعلق على تهديد حزب الله، ان سياسة بلاده تقوم على ان قبرص هي جزء من الحل وليست ولن تكون جزءا من المشاكل والازمات والحروب. 

ما الذي اصاب النائب محمد رعد حتى يصرح : لا تمنوا بأنكم تقبلون العيش معنا فنحن الذين نصبر عليكم … وسأل رئيس كتلة “كتلة نواب حزب الله” كيف لنا أن نسكت عن هذا الجرم الذي يرتكبه العدو الصهيوني في غزة”، وأضاف: “ان الإنسان الذي يبلغ هذا المستوى من عدم الحس الإنساني، والذي يفقد الشرف هو الوحيد الذي لا يأبه بما يجري في غزة ولا يعنيه ذلك”.

حسنا ان التضامن مع جراحات غزة واستنكار الجرائم الاسرائيلية فيها امر مطلوب، وليس من قوة سياسية أو مرجعية طائفية لم تعلن موقفا متضامنا مع شعب غزة واطفالها ونسائها، لكن ما يغضب النائب رعد ليس غياب التضامن مع شعب غزة واهلها، بل أن غضبه يتبدى من الموقف بعدم تأييد توريط لبنان بحرب المساندة والمشاغلة التي اعلنها حزب الله في ٨ اوكتوبر ٢٠٢٣، لذلك ينبري النائب رعد الى القول: “ لمن يتنطح على بعض وسائل التواصل من بعض أبناء بلدنا، للأسف إننا ندافع عن إنسانيتكم وندافع عن وطننا الذي يحتضنكم وندافع عن مناطقنا ومناطقكم، وندافع ضد عدو يريد أن يفترسنا ويفترسكم، سواء تعقلتم ذلك ام لم تصلوا الى مستوى ان تتعقلوا. ونحن لا نريد منكم لا تبرعات ولا معونات ولا مساعدات إعادة إعمار، فنحن أكرمُ من ان نمدَّ أيدينا الى اللئام. ونحن على يقين اننا ننتصر لله، والله ناصرنا، لا تمنوا بأنكم تقبلون العيش معنا، نحن الذين نصبر عليكم، نريدكم ان ترتقوا الى مصافي الناس والشرفاء”.

ولعل فات محمد رعد ان الناس والشرفاء الذي يستهدفهم، يشبهون الناس والشرفاء في سورية والاردن ومصر والسعودية ودول الخليج والمغرب العربي وحتى ايران وتركيا وبقية العالم الاسلامي، وشرف هؤلاء الناس انهم تضامنوا مع اهل غزة وشعبها وتألموا لالامهم وغضبوا لكارثتهم، لكنهم لم يفتحوا حربا تزعم نصرتهم، لان معيار شرفهم غير معيار شرفك، فشرفهم ان ينحازوا لفلسطين وقضيتها الوطنية، اما شرفك فهو شرف الجندي لدي الولي الفقيه، تخوض حروب تدخله خارج بلاده، تماما ك جيوش المرتزقة في دول اوروبا…

وأضاف رعد : “يُصعِّدون كل يوم لإعطاء دروس بالوطنية والأخلاق، وهم يستبطنون الحقد والكراهية وفي المنتديات السياسية ينظّرون للشراكة الوطنية”.

وختم النائب رعد:” ان الغليان الذي نشهده في غزة، أفرز كل هذا القيح في الداخل حتى نكون على بصيرة مِمَن نتعاون معه ويتعاون معنا، مِمن نُصدِقُه القول ويكذب علينا بأقواله ومواقفه ومشاعره، وسنرتب اوضاعنا على هذا الأساس”.

وتحدث محمد رعد في مناسبة اخرى عن “بعض اللبنانيّين النزقين الذين يفضّلون أن يرتاحوا عبر ارتياد البحر والملاهي” وهو بذلك ينسف ما قاله طيلة أشهر مقرّبون من الحزب في مقابلاتٍ إعلاميّة لجهة أنّ الحزب يقدّم شهداءً لكي يتمكّن لبنانيّون آخرون من مواصلة حياتهم كالمعتاد والسهر”.

يضيق صدر رئيس كتلة نواب حزب الله بالسلوك الرافض او المتحفظ لمعظم الشعب اللبناني، ومنهم قسم كبير ووازن من اللبنانيين الشيعة، تجاه الحرب التي اشعلها حزبه في الجنوب، ولذلك يطلق سهامه خبط عشواء تطال القوى السياسية والمرجعيات الطائفية والمواطنين الذي يستحمون بثياب البحر من شاطئ صور الى بحر بيروت وجبيل وطرابلس، كما يدين كل ساهر في ليل او مرتادي مطعم او ساهرين في حفل فني.

من جهة أخرى يلاقي المفتي الشيخ أحمد قبلان النائب رعد في غضبه المتدحرج، فيقول في تصريح له ردا على رئيس حزب “القوات اللبنانية”، الى انه “للسيد سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية أقول: لا يأخذنّك هول ما يصيب تل أبيب من هزيمة ورعب، ولا تصرخنّ مما يصرخ منه عدو لبنان والإنسان والأديان، والمطلوب أن تقرأ الوطنية بكتاب أنبل وأعظم مقاومة عرفها لبنان والمنطقة والعالم، وما تقوم به المقاومة اليوم ضرورة سيادية ووجودية للبنان بكل طوائفه وقراه ومدنه ومناطقه، والمسيحي شريك المسلم بهذه الملحمة الأندر بتاريخنا والأفخر بأقانيم أدياننا، والمقاومة بهذه المعركة لا تضمن القرى والمدن الحدودية فحسب بل تضمن لبنان الكيان والمنطقة وتعزز وجود وقرار هذا البلد وتجسّد مفخرة الأنبياء ورسالاتهم”.

وتابع: “إذا سألت الأرض والقرى والمدن تجبك بأنّ أصل وجودها وصيانة أرضها وعرضها يدور مدار المقاومة وصولات ميادينها، وهي تفرق جيداً بين حماة الوطن وأعدائه، ولا بلد ولا سيادة ولا استقلال ولا عنفوان ولا أرض ولا عرض بلا مقاومة، والجيش والشعب والمقاومة رمز وطنية ودرع وسيادة هذا البلد العزيز… والبلد والسيادة تصان بالقدرات الوطنية الصادمة للمقاومة وبما يسمع العالم من عويل تل أبيب، وصدّقني حين قرأت ما قرأت اعتقدت أنّ مجلس الحرب الصهيوني يدلي بدلوه، فاحذر، لأنّ القضيّة قضية وطن وبلد ومنطقة وعظمة أرض وإنسان”.

ما يريده قبلان من جعجع هو ان ينضوي طائعا كتلميذ مذعور يستمع ليس الى توجيهات المفتي وإملاءاته فقط، بل الى تلفيقاته للواقع وعنترياته الفارغة عن الحفاظ عن القرى بعد ان تم تدميرها، وعن صيانة الارض بعد ان أفسدها الفوسفور الابيض وجعلها ارض موت مستمر، وعن “مقاومة” تشكل ضرورة سيادية لبنانية ووجودية، في الوقت الذي تعدنا به طهران بقدوم شتى انواع الميليشيات الشيعية من كل بلد ولون، يريد قبلان من جعجع ان يكون خاضعا لخيارات حزب الله وحروبه، وإلا اتهامه بانه ينطق باسم مجلس الحرب الصهيوني!!

أما المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى وهو هيئة اعيد تركيبها وتأليفها خارج قانون تأسيسها، وتم استباحتها من قبل الرئيس بري، بسطوة ميليشيا امل، بعد ان تم تغييب انتخاباتها على مدى أربعين سنة ماضية، وجرى تجاهل الهيئة الناخبة فيه من النخب الشيعية، والهيئة الناخبة هذه هي مصدر شرعية المجلس الوحيدة، وبغياب الانتخابات فلا شرعية لأحدِ بأن ينطق باسم هذا المجلس، ولذلك فان استبدالها بقوة الميليشيات والاحزاب، يجعل من المجلس صوتا يردِّدُ تعليمات حزبي الثنائية لا اكثر .

المجلس الاسلامي الشيعي هذا، يقاطع اجتماعا يتضمن لقاءً  لرؤساء الطوائف اللبنانية ولمختلف القوى السياسية اللبنانية ويترأسه امين سر دولة الفاتيكان باروليني…

 لايكتفي الثنائي المذهبي الشيعي بتعطيل انتخابات رئيس جمهورية لبنان على مدى سنتين، وهو الرئيس المسيحي الوحيد بالشرق، بل يتقصد المقاطعة والإساءة الى المرجع العالمي للكاثوليك في العالم، الحبر الاعظم فرنسيس، بابا روما،  وهو بابا رعى الحوار الاسلامي المسيحي بكل ما يملك من قوة، فمن وثيقة الازهر، الى وثيقة الاخوة الانسانية في الامارات الى لقاء ارفع مرجعية شيعية في العالم السيد السيستاني، اظهر البابا حرصا كبيرا على العيش المشترك الاسلامي المسيحي، في الشرق وعلى الاخوة الانسانية في العالم.

يأتي استهداف كل الاطراف الاخرى، بعد فترة طويلة من تبني الثنائية الحزبية نظريات الحوار والتوافق والالتزام بالميثاقية الطائفية التي تفترض ان تحترم كل طائفة حياض أي طائفة اخرى وان لا تنتهك مصالحها وحجم مشاركتها ومقدار حصتها، ويثبت السلوك الجديد هذا خواء الدعوات السابقة وزيفها، ويبين بوضوح صارخ مدى النفاق السياسي الذي يمتهنون ممارسته في كل ازمة، فما الذي تغير ليصبح سلوك حزبي الثنائية الشيعية، مهجوسا بفتح المعارك في كل اتجاه، وباستعداء افرقاء وقوى ودول وطوائف لم تكن يوما في موقع الاعداء او التنافس!؟

وهل وصل حزب الله الى مأزق فعلي، بعد ان تورط بصراع لا يتحكم بمجرياته ولا آلياته ولا مآلاته!؟ فحرب المشاغلة لا يمكن ان ينهيها الا بنهاية الحرب بغزة، ونهاية معركة غزة يقررها نتنياهو من الجانب الاسرائيلي والسنوار من الجانب الفلسطيني، اما تكتيكات المعركة و مستويات التصعيد والمواجهة، فمحكومة بسقف ايراني يمنعها من التطور والتصاعد درءا لحرب اقليمية مفتوحة، ويمنع هذا السقف حزب الله من استعمال جزء من اسلحته ويردعه عن القيام ببعض عملياته،  فالحرب المفتوحة ترفض كل من ايران واميركا اندلاعها، وفي الحيز الضيق بين الحملة الاسرائيلية التي تتصيد كوادر الحزب وقياداته وبين السماح له بردود فعل مضبوطة، ينزف حزب الله من قياداته وكوادره، ويعاني من غضب داخلي في جسمه القتالي المكبل بتعقيدات التشابك بين الاستفزاز المتصاعد الاسرا ئيلي وسياسة الصبر الاستراتيجي الايراني الاميركي.

لا نهاية لميدان الرماية الذي تنفذه اسرائيل يوميا، طالبة خضوع حزب الله لشروطها بالانكفاء شمالي الليطاني، ولاقدرة لحزب الله لا على انهاء حرب المشاغلة والاسناد لغزة من طرف واحد!؟ ولا سماح له من جانب ايران بان يذهب الى مواجهة ابعد مدى من الاشتباك الراهن!! 

الحرب المستمرة على الشكل الحالي يمكن ان تستمر اسابيع اخرى وربما اشهرا، وخلال هذه المدة ستبقى جراح حزب الله نازفة، فيما تكون رحلة الصيد الاسرائيلية قليلة الكلفة والثمن، سياسيا و عسكريا وحتى ماليا.

ولذلك ينفجر الغضب الشيعي في كل اتجاه، ويتم كظمه في اتجاه ايران، وفي ذلك تعمية وانحراف عن السبب والاتجاه، فمن بادر الى الحرب وهلَّلَ لاندلاعها، عليه وحده تحمل اوزارها، اما الشتائم في كل اتجاه وصوب، وحملات استفزاز كل قريب او بعيد، فلن تظهر الا مأزق مطلقيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى