مقالات كل العرب

أدوارد سعيد.. إشكالية المكان و صراع الهوية

شارك

أدوارد سعيد ٠٠ إشكالية المكان وصراع الهوية

أ. سليم النجار

لقد ظل مفهوم المكان في ثقافتنا العربية الحديثة المعاصرة حبيس النص الأستعماري٠ الإشكالي منه والسجالي٠ ولم يجد مرتعا لبعض من حرية التفكير والتصور إلا في النص التخييلي شعرا كان أو حكيا أو مسرحا٠ وبين صرامة النّص الأستعماري الذي رسم المكان الجغرافي الإجتماعي الثقافي في عالمنا العربي، والحرية الممكنة للنص الأدبي يصعب الحديث في ثقافتنا هذه عن تصوّر فعلي للمكان من حيث هو كيان له استقلاله الذاتي٠
إضافة إلى ذلك فإن طبيعة المكان باعتباره كيانا أوليا متعدد الدلالات والوظائف يخترق بإلحاح مجموعة من المباحث والعلوم، من الطب إلى علم الأديان مرورا بالفلسفة والعلوم الإنسانية والأدب٠ وهو ما يجعل من مقاربته أو تناوله بالبحث محكوما بالإنحياز الأيديولوجي حتى ولو أراد الشمول والكلية٠
وإذا كان المكان بهذا المعنى مفهوما ثقافيا( بالمعنى الأنثربولوجي للكلمة) فإن قابلبته للتفكير الفلسفي النظري وللنحليل الثقافي في الآن نفسه هو ما يؤكد خصوبة البحث فيه والجدة التي يتناولها البحث في هذا الشأن٠
من رحم هذه الإشكالية للمكان ولدت في التاريخ العربي المعاصر الحديث عن كينونة جديدة للمكان اسمها( الهوية) القطرية التي في نظر البعض من الكتاب العرب ومعهم جُل السياسيين في منطقتنا العربية، إنها هوية متميزة٠ إن لم تكن فريدة من نوعها كأخطر مغالطة في التاريخ، هيمنت ولاتزال على أفكار أجيال من الدارسين والباحثين٠
ولكن الأكثر خطورة في هذه الفكرة، أننا عندما نفاجأ بجهل مفكرينا ومؤرخينا، جهلاً حقيقيًا كان ام مصطنعًا، بريئًا كان أم ذا مرام، بهذه الفكرة التي تعد من أهم معطيات الصراع العربي، وأسبابه القريبة والبعيدة، نجد أنفسنا ميالين إلى إيجاد اسباب مخففة للمواطنين العاديين، الذين انساقوا إلى تأييد الباطل، متأثرين ببراعة الذين صوروا لهم الباطل حقًا٠
ولقد نجح الصهاينة في استخدام هذه الفكرة بشكل قوي، ليعين ويحدد الذين يعادون حلم الصهيونية، أو يتحدثون عن المظالم التي مورست ضد العرب الفلسطنيين، حتى تحولت سيفًا مسلطًا فوق ركاب الكتاب والصحف ومحاولة إخضاعها لما تريده الصهيونية٠
هكذا فعلت مع المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد، عندما شككت بعروبته وفلسطينيته، ودخلت له من باب المكان، أي مكان ولادة إدوارد سعيد في القدس، مجرد محطة عابرة، ومن ثم انتقاله مع عائلته للقاهرة، رحلة مؤقتة،حسب المفاهيم الصهيونية للمكان٠ واعتبروا إدوارد سعيد أمريكي المفاهيم والثقافة، ليدخل في بوتقة الهندسة الإجتماعية الأخلاقية الأمربكية، التي فحواها مبدأ الصراع بين الأفكار، والتيارات الثقافية٠
وحتى تسوق هجومها على إدوارد سعيد، استندت إلى ما كتبه بعض المفكرين الأوروبيين كالكاتب ” بير روسي” في كتابه ” التاريخ الحقيقي للعرب” إلى الانتفاض والتقريع، تقريع من كتب الكذب في جامعات اوروبا، ومن صدق ذلك في جامعاتنا فيقول: ” عندما نتكلم عن الوطن العربي، فإننا في سبيلنا إلى نظرية مقدسة، تجعل من العربي شخصية صحراوية، انبثقت في التاريخ في عهد غير محدد أو معروف، إن عهود العرب الأولى في التاريخ غامضة جدًا، أننا لا نعرف من أين أتوا٠
هذا التشكيك الصهيوني الأوروبي في هوية العرب، لم يتأتي من خارج السراب، بل المقصود به كل من يعادي الصهيونية، وإن كان إدوارد سعيد نال نصيب الأسد من هذا التشكيك، خاصة حينما بدأ في استقراء الذاكرة الأستعمارية، التي تزاحمت في صورها ومشاهدها، ومخيلتها المأزومة، إنهم كانوا منارة للعرب، وما حكمهم لهم ” الاستعمار” محطة تنويرية لوجودهم على الخارطة السياسية العالمية٠
وإن حديث إدوارد سعيد عن الاستغلال وتزيف التاريخ، ما هي ألا خزعبلات كاتب، ينتقم من غموض مكانه واصله، كما رّوجت الصهيونية٠
هكذا يصبح المكان في نظر الصهيونية علاقة وثيقة مع مفهوم الذات لأدوارد سعيد، ومفهوم الذاتية عند الصهاينة بوصفها مفهوماً منزوعة الهوية، بيد أن الأمر لا يقف عند هذا الحد٠ ذلك أن المكان إذا كان وجد، فهو وجد في مخلية إدوارد سعيد٠ باعتبار هذا الأخير متخيلا جماعيا أو فرديا بالنسبة للعرب والفلسطنيين٠
لقد فتح أدوارد سعيد الذاكرة السوداء للحكومات الغربية وثقافتها المستعمرة، على مدى نصف قرن من التعامل الأستعماري مع الشعوب العربية والأفريقية٠
وفي اللحظة التي اطلق أدوارد سعيد فيها الحجر إلى رأس الإمبريالية كان هناك حجر من نوع آخر تقذفه به الصهيونية الاوروبية الحاكمة، هو وضع أشكالية المكان والهوية لأدوارد سعيد ومشروعه الثقافي٠

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى