كل الثقافة

رواية حكاية صابر للأسير محمود عيسى: طريقي الى الحرية

شارك

رواية حكاية صابر للأسير محمود عيسى:
طريقي إلى الحرية

أ. سليم النجار


محمود عيسى “أبوالبراء” أسير فلسطيني مقدسي محكوم بالسجن ٣ مؤبدات و٤٩ عامًا، أمضى أكثر من ١٢ عام في العزل الانفرادي ومُنع من الزيارة لثمان سنوات، نشأ وترعرع في القدس، ودرس في جامعة القدس في كلية الشريعة وأصول الدين، اعتقل من منزله في بلده عناتا شمال شرق مدينة القدس بتاريخ ٣/٦ /١٩٩٣ ولم يتجاوز عمره آنذاك ٢٥ عامًا.
من مؤلفاته:
كتاب بعنوان “المقاومة بين النظرية والتطبيق” إصدار المركز الفلسطيني للإعلام عام ٢٠٠٠
رواية بعنوان “حكاية صابر”
مجموعة قصصية بعنوان “الوفاء”
إن كتابة السيَر تفيد القارئ والباحث على حدٍ سواء، لكن السؤال الملحاح هنا، إلى أي حد اهتم الروائييون بسيَرهم الذاتية؟ وهل نجح الكتّاب والنقّاد والمبدعون بكتابة سير موضوعية ذاتية؟
وعلى الرغم من أهمية السيَر الروائية الذاتية التي يكتبها الروائييون عن أنفسهم، فإننا -وللأسف- نجد مكتبتنا لا تتضمن الكثير من السيَر، وما زال البعض لا يفرّق بين السيرة والمذكرات، أو يدمج بينهما.
ولعل من الصعب تطبيق هذه المفاهيم على رواية حكاية صابر للأسير الفلسطيني الذي كتب روايته داخل جدران المعتقل الإسرائيلي، وذلك لأسباب موضوعية كثيرة، أقلّها المعتقل وظروف طبيعة الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارس أبشع أنواع التعذيب ويتفنن في قتل إنسانية الأسير، وفي ظل هذه الظروف، تُصبح الكتابة نوع من أنواع المقاومة، والتي لا يصح التعاطي معها بقراءة فنية.
ولعل أهم سمة يمكن أن نكتشفها في هذه الرواية بالنسبة لبناء الحدث الروائي والقصصي، هو أنه بناء منفعل، فالحدث يبدأ في الغالب -مثل كثير من الحكايات الشعبية- بداية منفعلة، ثم يتطور تطورًا مأساويًا، وإنما هناك صدق في سرد الحكاية، ومن هنا نجد أحداث الرواية مفعمة بالمصائب والأحزان، كأنما القدر قد كتب على من فيها اللعنة، لذلك، تتحرك مسيرة الحدث من كارثة إلى أخرى، وهذا شيء طبيعي ومفهوم على الأقل بالنسبة للمتلقي، فالمأساة الفلسطينية تتجاوز كل النظريات النقدية، وتتخطى كل المفاهيم النقدية، فالملهاة الفلسطينية تشكّلت من الإطار الاجتماعي للواقع الذي يدور فيها.
“انتعل صابر حذاءه، ووضع رداءه، وأوصاها بالصبر والثبات، وقال له
ادعي لي، وما تخافيش علي”
“اقتاد صابر نحو عرباتهم بعد أن ربطوا على عينيه بعصابة كتيمة، وقيدوا يديه”
“ترك خلفه أمه المحزونة دامعة العين، مكسورة القلب، مهمومة بائسة”
ومما لا ريب فيه، أن حالة الوعي فنيًا بالزمان والمكان تؤدي إلى المسيرة النضالية المبررة للحدث والشخصيات، إن الشخصيات في الرواية -كما هي في الواقع- يوجد لديهم قضية تربطهم بالزمان، والمكان والشخصية مثل ريشة يقذف بها الريح في يوم عاصف -كما يقال- .
“وجد صابر نفسه جالسًا على كرسي ذي مقعد خشبي مقيد القدمين، مكبل اليدين من الخلف، وكيس النتانة يغطي رأسه”
فالحدث المتصالح مع الزمان الإسرائيلي والمكان الفلسطيني حدث يقوم على بناء عاطفي ومنطقي، لأنه في الغالب ينقل الصراع من الأرض ومن عالم البشر إلى السماء وإلى مشيئة القدر، فمن هنا، يصبح الحدث والشخصية يحملان وجهات نظر الكاتب، الذي اعتبر أن هذه الثقافة هي المدماك الأول في مواجهة المحتل، وفي سَيْر الأحداث تبقى الأم هي الرافعة الأولى لمقاومته وحزنه في وقت واحد، “كيف سيكون وقع هذه المصيبة على أمي؟”
“وعندما خطرت هذه الفكرة برأسه، همس بحزن وحرقة آه يا أمي يبدو حطّمت قلبك”.
من اللافت في بناء الحدث عند محمود عيسى، اعتماده على استفزاز المتلقي بوعي شخصية الراوي، هذا الرواي يحكي، ويحاول جاهدًا ألّا يُشعِر قارئ الرواية أنّه ينقل خبرًا أو يسرد حادثة عابرة، وعلى هذا، فإنه غير مطالب بالصدق الفني، لأن الراوي هو نفسه صاحب الحدث، وبالتالي هذه الخاصية تتجاوز كل صدق فني، ولا شك أن اعتماد الكاتب هو اعتماد مطلق على شخصية الرواي، “هي قطعة من جنهم حطّت على الأرض، كأنها مراح عذاب، فيها تمتهن كرامة الإنسان، ويُجرّد من آدميته، ويعاملونه كأنه حيوان لا ينتمي إلى الجنس البشري”.
وهكذا نستطيع القول، أن محمود عيسى قد استخدم في تصوير ملامح الشخصية نفس الأدوات النفسية البسيطة التي استعان بها في رسم مسيرة الحدث، وطريقة عيسى في تقديم العنصرين: الحدث والشخصية، تذكّرنا بسمات التشكيل التلقائي البسيط للقص في الحكاية الشعبية، حيث ذُكرت عبارات مثل: “خلع اليدين”، “فحدث ولا حرج”، “يجلسونه على كرسي صغير مثبت إلى جوار طاولة المكتب، ويرفعون يديه من خلف ظهره على الطاولة، وبينما يقوم أحد الجلادين بتثبيته جالسًا مستقيم الظهر، رافع الرأس، يقوم آخر بسحب يديه بقوة نحو نهاية الطاولة، لتشكّل زاوية قائمة”
وحين نتأمل رواية حكاية صابر، نجد الكاتب قد وظف طريقة معينة في القص وتشكيل عالم الرواية، ذلك أنه كتب الرواية بطريقة تحرير المقالة، فقد قسّم الرواية إلى فصول تأخذ رقمًا حسابيًا، ثم اتبع ذلك الرقم بعنوان، أي أن الرواية تتكون من الأرقام والعناوين التالية: -على سبيل المثال-
١- أسلوب كسر الظهر ٢- خلع اليدين ٣- أسلوب الخنق ٤- أسلوب الهز ٥- الدمعة الغالية ٦- قدرة الله تتجلى ٧- المصيدة ٨- عود على بدء..إلخ، ومعنى هذا أنه كاتب مقال بالدرجة الأولى.
كما لجأ الكاتب إلى توظيف الضمير الغائب، وهو الضمير المناسب لمثل هذا النوع من الروايات، لكن هذا الضمير هو ضمير المتلقي الذي يقرأ أحداث الرواية من بعيد، ويشرحها أحيانًا، أو يعلّق عليها دون أن يكون له وجود فعلي في دائرة الأحداث، قد استوحاه من تجارب روائية سابقة لكتّاب عرب، كما أنه وظّف أحد تقنيات القصة القصيرة، وهي المفاجأة في نهاية القصة، حيث جاء في نهاية روايته: “وعند ذلك، تعود القدس إلينا طاهرة مطهّرة، تعود فلسطين، كلّ فلسطين إلينا، وعند ذلك ندحر الطامعين، أعداء الله والإنسان”.
كانت المهمة الرئيسة للروائي محمود عيسى في رواية حكاية صابر أن يُعيد الإنسان إلى المكان الذي ينتمي إليه في الرواية، أن يضعه في صورة كاملة للإنسان، يفهم ويعيد خلق كل وجه لشخصية الإنسان المعاصر خلقًا خياليًا، إن شعور الإنسان ينطلق حرًا من الأغلال التي يفرضها عليه المحتل الإسرائيلي، ويكتب سيرة هذا المحتل، فكانت حكاية صابر..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى