كل الثقافة

ما بين الغزل العذري و التصريحات الجنسية في الشعر الشعبي التهامي: محمد محفلي نموذجا

شارك

ما بين الغزل العذري والتصريحات الجنسية في الشعر الشعبي التهامي: محمد محفلي نموذجا

أ. حميد عقبي

القصيدة الشعبية التهامية اليمنية تتميز بالكثير من الجماليات الصورية الحداثية البديعة وهنا سوف نتناول نموذجا مدهشا وساحرا للشاعر الشعبي المبدع الراحل محمد عبدالله محفلي وعنوانها (ما ال مهاشمي جميل زياده) ووجدت لها تسجيلا بصوته في أحدى الاعراس ويسبق هذه القصيدة بقصيدة نقدية لبعض مظاهر التفسخ الأجتماعي منتقدا لبس السواويل الضيقة عند الشباب المراهق وما أصاب مجتمعاتنا من تفسخ وتشبه بالنساء وفقدان الرجولة، المحفلي ليس شاعرا أبن فمه أي يقول الشعر للتكسب والأرتزاق والمجاملات والوصف بل كان صاحب رأي وتوجه وفلسفة ويكاد يكون مستقلا لم يجد دعما حتى لطباعة ولو ديوان واحد رغم أن له مئات القصائد المتنوعة وفي كل الأنواع وخاصة الغزل والتغزل فهو يمتلك حسا رومانسيا عاطفيا بديعا وكذلك صاحب رأي سياسي مستقل وناقد للكثير من الظواهر الأجتماعية السيئة وموثق أيضا للكثير من الأحداث السياسية الكبيرة ولا أدري هل هنالك من جمع أرشيفه؟ وهل من أحد يتبرع لجمع قصائده ؟
بأعتقادي نحن مع شاعر حداثي بكل ما تعنيه الكلمة وما تركه ثروة جمالية إنسانية تستحق الدرسة والتحليل والأستفادة منه في أي دراسة أكاديمية مستقبلية عن الشعر الشعبي التهمي وبمقدو أي باحث التوجه إلى مدينة بيت الفقيه بمحافظة الحديدة وسيجد ألف وأحد يدله على بيت المحفلي والذي ينتسب إلى أل الخطيب حيث توارثوا الخطابة بالجامع الكبير فهو من بيت العلم والخطابة رغم بساطته واميته هو لا يفك الخط ولا يقرأ لكنه شخصية تنويرية مناضلة وثورية وقد عرفته شخصيا وجالسته وحادثته وأشعر بالتقصير الكبير أني مثلا لم أستغل صداقاتي به لعمل فيلم وثائقي عنه.
من روائع الشاعر الشعبي التهامي محمد عبدالله محفلي الخطيب

ما ال مهاشمي جميل زياده
أنشى صورته وزيد حسنه رب الملك في عباده
وأمحسن فنه وفن أبوه وأجداده
وتفوق على أمغواني جمله وله الأمر والسياده
وأمزوع فضهض ملاقفه في زناده
وأمقامه إذا استمال مثل الغصن إذا هب أمنسيم ناده
وجه كمقمر وبيضُ خداده
وجبينه كبارقو لو صرا يطرق من سنا حداده
ورد ليسان مدلي في خداده
له لحظين كسهام حين يلعك يرمي أمطير من بعاده
جعده كليلو مدلهمو بسواده
ولو زاد اسبله يغطي أمعرقوب والباقي يزيد عاده
وأمصدر بستان مدليو باوراده
وأمبطن طاقة حرير أما خصره محرودو عليه حراده
وأمعجز ماركة شمر بلاده ناده
كباشه من روام والسبله تستاكل بلا حناده
كله حلاوة وخطوته في هواده
وأهل الود والغرام هبو له في ذلك الحلى شهاده
وجزع عندنا من حاده
قال لي :ـ الخير وحبيب
قلت :ـ الخير يوم النور والسعاده
مديت شاسالمه دكمت نهاده
من غير اعتنى يمين ولقيته من دون البلوغ عاده
قلت :ـ أمعنبى حلول ولا عاده
قال لي :ـ قر وا سفيه تحمنى ألفين من بني سواده
سخيفوا من أبتلى بحب الساده
هو يريد بقربهم من قلبه ويريدون بعيد سعاده
شابيع أمقميص على أمشداده
وشأمشي مع أمعرب لا أنا سيد ولا بن ساده
وأزكي صلاتي على النبي ما بلاده
وعلى الا أل أجمعين ما شدنا أمهاشمي انشاده.
قصيده ما ال أمهاشمي جميلو زياده من روعات المحفلي وهنا يتغزل بهاشمية أي فتاة هاشمية من أل البيت من نسب عريق وطاهر وقد جمعت بين الجمال والحسن والأدب والشرف وذات مقام عال كمكانة أجتماعية وجمال وذكاء، في العديد
الصور الذي رسمها بعناية وجمال أنيق، أمهاشمي رغم أنها بصيغة المذكر إلا أنها تعني أنثى شابة لم تبلغ الحلم لكنها تتميز بقوام جسدي بديع وكذلك عقل وذكاء.
الكثير من شعراء الشعبي اليمني بمختلف مناطق اليمن قد ينطلقون من صفة أمهاشمي أي الهاشمي ومن الأمثلة قصيدة الهاشمي قال هذه مسأل غناها أحمد فتحي وكلمات كلمات الشاعر الكبير عبدالله هادي سبيت، ولكن هذه الفتاة الهاشمية بطلة قصيدة الشاعر المحفلي مختلفة وأشعر أنها أكثر بداعة ولم تنل حظها من الشهرة وهي كذلك غنائية بأمتياز ولا تقل أبدا عن قصيدة سبيت، هاشمية المحفلي عذراء باذخة الجمال وذكية.
المظهر الجمالي الجسدي أكثر من البديع
وأمقامه إذا استمال مثل الغصن إذا هب أمنسيم ناده
وجه كمقمر وبيضُ خداده
أي قامة مثالية رقيقة كالغصن وإذا هب النسيم يناديها ويداعبها، يراقصها، وجه جميل يفوق جمال القمر ببياض الوجه وهذا يعني أيضا بياض الجسد كاملا وهو بياض جذاب ومنير ثم يكمل الشاعر أن جمالها ملفت للأنتباه كوميض برق سماوي وأيضا كبريق وشرارة قوية خلال طرق الحداد القوي ونيرانه المستعرة أي هذه مقاربات بديعة بين بريق سماوي محسوس وبين بريق آخر يحسه الشخص مباشرة بلحظته وهو نموذج يومي مشاهد يمكن لأي شخص الشعور به وما عليه سوى الوقوف للحظات أمام حانوت حداد.
هذا الجعد أي الشعر شديد السواد ولو أرسله سيغطي إلى العرقوب ويزيد وهنا ربما يمكننا الاشارة ومن خلال هذه القصيدة إلى وجود كلمات وتعبيرات وصور نجدها في القصيدة الفصيحة الكلاسيكية يستخدمها المحفلي بذكاء وقوالب صورية متحركة ديناميكية كأننا مع شاعر حداثي متطلع على القديم والحديث وهو يقولبها بطابعه الخاص وقد لا يتصور أحد أن هذا الشاعر لا يعرف القراءة والكتابة ولا يعني ذلك الجهل والتخلف وإنعدام الثقافة، الشاعر المحفلي أعرفه شخصيا كرجل وطني تشبع بالفكر القومي الناصري خاصة حيث ظهر ونشط الفكر القومي الناصري في تهامة ثم الفكر البعثي مع الحرب العراقية الايرانية والمحفلي كغيره رضع هذا الفكر من الاذعات القومية مثل اذاعة صوت العرب ثم اذاعة بغداد وكذلك الاحتكاك بشخصيات قومية بمدينة بيت الفقيه ومحافظة الحديدة وكان المحفلي يشارك اذا تم دعوته بمناسبات وصالونات أدبية وهو يسمع أيضا تجاب الآخرين وسافر عشرات المرات ليقول ويلقي قصائده في صالونات أدبية وشعرية في صنعاء وأمام شاعر اليمن الكبير د. عبدالعزيز المقالح والشاعر القدير عبدالله البردوني ورغم ذلك لم نجد أي مقال أو دراسة عن الشاعر محمد عبدالله محفلي وكأنه لم يكن موجودا رغم أن د. المقالح وكذلك البردوني ويرهم من النقاد كتبوا عن مئات الشعراء والمبدعين في اليمن ولم يتطوع أي أحد لجمع ولو ديوان صغير جدا، ربما ذكر الباحث الراحل عبدالله خادم العمري بعض المقتطفات والنماذج في كتابه الشعر المغنى في تهامة لكن ماتزال ثروة إبداعية خلقها هذا الشاعر ماتزال مدفونة.
من أروع ما يشدني في تجربة المحفلي أدواته الجمالية الشعرية وأساليبه البلاغية مثل الحذف
جعده كليلو مدلهمو بسواده
شعره كليل مدلهم في سواده/وأمصدر بستان مدليو باوراده/وأمبطن طاقة حرير أما خصره محرودو عليه حراده
الصور هنا ناطقة متحركة بالقليل من الكلمات تضخ صور تخيلية مثيرة وحسية وجريئة وفيها اشارات ايروتيكية تجسيد للجسد الأنثوي وليست عفيفة ولكنها ليست فاضحة، مخلة ومخجلة وحتى حينما يرسم الخلفية وقبلها الصدر والقوام والوجه و..و..وهو يقولها بصراحة
وأهل الود والغرام هبو له في ذلك الحلى شهاده
حصد هذا الجسد الأنثوي على مئات الشهادات والتغني به.
يمتاز محفلي أيضا بأسلوبه الدرامي فيخلق حوارات ساخنة
قال لي :ـ الخير وحبيب
قلت :ـ الخير يوم النور والسعاده
مديت شا سالمه دكمت نهاده
من غير اعتنى يمين ولقيته من دون البلوغ عاده
قلت :ـ أمعنبى حلول ولا عاده
قال لي :ـ قر وا سفيه تحمنى ألفين من بني سواده
أي نحن مع أخذ ورد، تجاذبات خلقت الصراع والدرامية وساهمت الحوارات في كشف المزيد من الشخصية الأنثوية فهي رغم صغر سنها وعدم بلوغها وجمالها الفائق ولكنها أيضا قوية وذكية وتعتز بنفسها
قال لي :ـ قر وا سفيه
أي توقف أيها السفيه المتطفل فأنا محمي وبنت ناس وشرف و..و..و
كمن يصفع رأسه يقول
سخيفوا من أبتلى بحب الساده
أي سخافة من يقع في حب فتاة سيدة ذات حس ونسب وشرف وقدر وجمال.
يصل الشاعر لحد الجنون
شابيع أمقميص على أمشداده
وشأمشي مع أمعرب لا أنا سيد ولا بن ساده
يصرح أنه سيبيع القميص وشدادة الرأس وهي مقدسة في لبس الرجل كما غطاء الرأس مقدس في لبس المرأة بذلك الوقت ويقول سوف يسير مع العري أي الناس من غير البيت وكأنه سيتخلى عن صفته الأجتماعية كسيد وكل أمتيازته والقداسة التي يتمتع بها كأننا مع مجنون أفقدته ليلى صوابه.
النهاية صلاة وسلام على النبي وأل بيته والنهاية حركة تصالحية ذكية مع المتلقي وهو أسلوب نجده في الكثير من الألوان الشعرية التهامية وخاصة الموال وكذلك القصائد التي تكون فيها غزارة بصور ومشاهد واشارات جنسية.

لنستمتع أكثر بسماع هذه القصيدة بصوت الشاعر في أحدى أعراس أحد الأصدقاء بمدينة بيت الفقيه اليمنية

التهامية على هذا الرابط ونتمنى جمع قصائد هذا الشاعر المهم والمزيد من دراسة وتحليل منتجه الإبداعي البديع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى