مقالات كل العرب

أمريكا و توظيف طالبان في العلاقات الدولية: قراءة في القلق الأوروبي

شارك

امريكا وتوظيف طالبان في العلاقات الدولية:
قراءة في القلق الاوروبي

أ. نسيم قبها

تم توقيع حكومة “طالبان” في أفغانستان يوم الخميس ٥ كانون ثاني/يناير ٢٠٢٣ عقدًا مع شركة صينية، هي شينجيانغ آسيا الوسطى للبترول والغاز (كابيك)، من أجل العمل على استكشاف النفط والغاز في منطقة نهر (آمو داريا) شمال أفغانستان.
وقد جاء نقل الخبر بشكل مقصود ليثير مخاوف الدول الأوروبية ودول الجوار الأفغاني من تداعيات التمدد الصيني وآثاره في منطقة وسط وجنوب آسيا وبخاصة الهند التي لها عدة محاولات استثمارية مع حكومة طالبان.
حيث ذهب العديد من وسائل الإعلام لنقل الخبر بشكل يُهول حقيقة الاتفاق مشيرين إلى تقارير جيولوجية أميركية تفيد بأن الموارد الأولية في أفغانستان، تحتوي على ثروات هائلة من الذهب والأحجار الكريمة والفحم والنفط والغاز والليثيوم وعدد من معادن الأرض النادرة تفوق قيمتها التريليون دولار، وأنها ستمنح الصين سيطرة شبه كاملة على معدن “الليثيوم”، وهو أهم عنصر في صناعات بطاريات تخزين الطاقة البديلة التي تسعى أوروبا إلى الاعتماد عليها من أجل تفادي الابتزاز الروسي وتعويض حاجتها في مجال الطاقة؛ لتجد نفسها في مواجهة مخاطر الانزلاق مجددًا بشأن أمن الطاقة إذا هيمنت الصين على عنصر الليثيوم كما تُروج له التقارير الأميركية ووسائل الإعلام.
ومن الملاحظ أيضًا أن الإحصائيات المتعلقة باتفاق طالبان مع الصين مثل كمية النفط المتوقع استخراجه “نحو 87 مليون برميل” وعلى “مساحة أربعة آلاف ونصف كيلومتر بمنطقة نهر آمو”، وكذلك عدد الوظائف “ثلاثة آلاف شخص سيعملون في هذا المشروع وجميعهم من الشباب الأفغاني”، يخدم خطابًا سياسيًّا داخليًّا في إطار سعي حكومة طالبان لحل مشكلة البطالة عبر توفير فرص عمل جديدة لأفراد الشعب. وهو ما يؤيده تصريح المتحدث باسم الحكومة الأفغانية، ذبيح الله مجاهد، على حسابه في “تويتر” وقوله إن الحكومة الأفغانية ستشارك في المشروع بنسبة 20%، والتي يمكن أن ترتفع إلى 75% في المستقبل.
وفي ضوء ذلك ومن أجل الوقوف على حقيقة الموقف بشأن انخراط طالبان في العلاقات الإقليمية والدولية لا بد من قراءة الحدث في إطار الاتفاق الأميركي مع حركة طالبان في قطر، والذي أشار إليه مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان، وحذر في أعقابه حركة طالبان بأن خروجها عنه سيعرضها للعقوبات، ونجم عنه انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان بصورة مفاجئة ومربكة للاتحاد الأوروبي، ومثيرة لمخاوفه ومخاوف الصين وروسيا.
والواضح من الشواهد نحو تخلي طالبان عن نهجها السابق وسعيها إلى الاندماج فيما يسمى بـ”المجتمع الدولي”، ومن تصريحات مسؤوليها الذين نادوا بعلاقة “طبيعية” مع الولايات المتحدة، بل ورحبوا بقدوم الشركات الأميركية للاستثمار في بلادهم، وسكوت أميركا عن تحرك طالبان للعودة إلى “المجتمع الدولي”، بحسب المعايير الدولية، وسكوتها أيضًا على توسيع علاقاتها واستقبال قادتها من قبل عملائها في الإمارات، وسكوتها عن الاتفاقيات التي تبرمها طالبان مع الصين وروسيا كل ذلك يشي بأن أميركا تتعمد توظيف طالبان كبؤرة توتر للمنطقة، وبخاصة للهند، التي لا تزال طالبان تطبِّع علاقاتها مع الصين على حسابها، بإزاء تمدد الصين التي تصورها الولايات المتحدة بالتهديد والتحدي للمصالح والقيم الغربية لمنع السياسيين الأوروبيين والشعوب الأوروبية من التفكير بالاستقلال عن أميركا، ولتبرير توسيع مهمات حلف شمال الأطلسي في مناطق خارج حدود أوروبا، وهذا بالإضافة إلى أن تمدد الصين في مناطق النفوذ الأميركي يضع مصالحها رهن القرار الأميركي، ويخلق تنافسًا بين الصين وبين الاتحاد الأوروبي وروسيا، ومن ذلك سماح الولايات المتحدة للصين بالتمدد في أفريقيا، وإن كانت استثماراتها وقروضها وحاجة الدول إلى سلاسل التوريد الصينية قد أشعلت رغبة كثير من الحكام بتوسيع علاقاتهم مع الصين وسط تقلب السياسات الأميركية بفعل انقسام الدولة العميقة كما هو ملاحظ حول الموقف الأميركي من وقف الحرب في أوكرانيا، والذي بدا من خلال ضغوط المجمع الصناعي العسكري على إدارة بايدن بإطالة أمد الحرب.
لقد كانت أفغانستان ولا تزال محل تنافس الدول الكبرى بسبب موقعها الجيوسياسي والاقتصادي، ورغم الحصار الأميركي على أفغانستان، إلا أن الولايات المتحدة سكتت على بناء طالبان للعلاقات مع الصين وروسيا لإظهارهما بالدول الخارجة عن القانون والقيم “العالمية”، بينما تستغل الصين عُزلة الطالبان، في الوقت الذي لا تعترف فيه بحكومة طالبان كحكومة رسمية للبلاد بحسب الموقع الرسمي للخارجية الصينية والذي يصف طالبان بأنها “حكومة مؤقتة”؛ لتحقيق مصالحها، من خلال شركات صينية غير حكومية.
ذلك أن الصين تدرك أهمية أفغانستان الجيوسياسية كدولة تُعد مفتاحًا لعدة دول بما فيها الباكستان والهند وإيران ودول آسيا الوسطى، وحلقة وصل لخارطة إنتاج واستهلاك الطاقة؛ إذ تربط ما بين بحر قزوين وإيران والهند، وكذلك أهميتها اللوجستية لمبادرة الحزام والطريق الذي اتفقت حوله مع روسيا لربط وسط آسيا بجنوبها وغربها. كما أن التمدد الصيني في أفغانستان هو تهديد لمصالح الهند التي طالما رغبت في بناء روابط اقتصادية وسياسية مع أفغانستان، إلا أنها اصطدمت بمطالب الوساطة الباكستانية.
وأخيرًا فإن الاتفاق الصيني مع أفغانستان يأتي في وقت تسعى فيه حكومة الرئيس شي لإعادة ضبط العلاقات مع أوروبا وامتلاك ورقة ضغط على أوروبا، وضرب إسفين في التحالف الذي أنشأته أميركا ضد بلاده، إلا أنه وفي ظل تصاعد التنديدات الأوروبية بالتجاوزات الحقوقية للطالبان فإن التحرك الصيني يعيد ويؤكد مخاوف الأوروبيين من أن الصين ليس لديها أية معايير أخلاقية أو قيمية، وهذا بحد ذاته يعرقل مساعي الرئيس شي في بناء علاقاته مع الأوروبيين. بالإضافة إلى أن الصين تتحرك من منطلق أمنها الوطني ومخاوفها من استهداف أمنها ومصالحها من قبل الحركات الإسلامية مثل الحزب الإسلامي التركستاني، والذي آوته الطالبان أثناء سيطرتها على البلاد قبل الغزو الأميركي وتوسع عمليات تنظيم الدولة من خلال تنظيم خراسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى