مقالات كل العرب

و انتصرت حكومة لبيد: قراءة في وساطة بطعم الخسارة

شارك

وانتصرت حكومة لبيد
قراءة في وساطة بطعم الخسارة

أ. نسيم قبها

المزايدات السياسية بين اليمين واليمين لا تزال الأشد تطرفًا ، وهي المحرك الأساسي لأداء حكومة الائتلاف الصهيوني بقيادة لبيد الذي ظهر التأييد الأميركي له منذ أن حشدت الدعم لتلميعه في قمة النقب يومى 27 و28 آذار/مارس 2022 بمشاركة وزراء خارجية مصر والإمارات والمغرب والبحرين ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن. وذلك على إثر مواصلة نتنياهو التشغيب على الحكومة بعد أن تواطأت أميركا على إسقاطه في معركة (سيف القدس). حيث تعرضت حكومة الائتلاف بقيادة نفتالي بينيت لفشل أمني وعجز وارتباك بفعل العمليات الفدائية في الداخل، سيما وأن عامل الأمن هو أكثر العوامل المؤثرة في ميول الناخب الإسرائيلي. وعلى إثر ما بدا فشلًا أمنيًّا لحكومة الائتلاف، شرع بنيت بعمليته الأمنية في جنين في أيار/مايو الماضي، والتي تلطخت بخرق كبير نتيجة مقتل الصحفية في قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، ثم توالت تحريضات نتنياهو على حكومة الائتلاف حتى نجح بتقليص الفارق بينه وبين الحزام النيابي للحكومة، والتي لم يسعفها الوضع الدولي (الحرب في أوكرانيا) بنقل الأزمة إلى الخارج بعملية عسكرية في غزة. أما وقد أصبحت الظروف الإقليمية والدولية مواتية لناحية استمرار الحرب في أوكرانيا وتحقيق جزء من أهدافها بشأن العقوبات على روسيا، وحشد الدعم الدولي لأوكرانيا، وترسيخ البيئة الأمنية الجديدة في أوروبا، بالإضافة إلى أن شن الحرب في المنطقة يخدم أميركا في صرف الأنظار عن استعراض القوة الذي تقوم به الصين على خلفية زيارة نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأميركي إلى تايوان بغرض التأكيد على وجودها العسكري في بحر الصين، ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية التي باتت على بعد ثلاثة أشهر، وانتقال السلطة من بنيت إلى لبيد الأقل تدينًا والأكثر علمانية من سلفه والأشد صلابة في موقفه من روسيا، والذي وفرت له أميركا الترحيب في الأردن بخلاف نتنياهو الذي رفضت زيارته في آخر عهده، ومع حاجة اليمين المتطرف والرأي العام الإسرائيلي لاستعادة قوة الردع والأمن، في ظل هذا كله انطلقت عملية (الفجر الصادق) الإسرائيلية بشكل غادر وبضوء أخضر من الولايات المتحدة وبعلم كل من مصر وقطر دعمًا لحظوظ لبيد وغانتس وبنيت في انتخابات الكنيست المرتقبة من بوابة استعادة قوة الردع والأمن على جثث أبناء غزة ، وهو ما ظهر من التمهيد لاستدراج الحركة الجهاد إلى التصعيد. حيث قتل الجيش الإسرائيلي يوم الإثنين الفائت ناشطًا فلسطينيًّا واعتقل السعدي بعد اقتحام واسع لمخيم جنين الذي يعبر عن رمزية في المواجهة مع الكيان الصهيوني، أعقب ذلك تهديدًا من قبل “كتيبة جنين” التابعة لـ”سرايا القدس” الجناح المسلح لحركة الجهاد، مما وفر المناخ الملائم للعملية العسكرية بحجة الدفاع عن النفس والوقاية من عمليات “إرهابية” متوقعة. وقد كشفت ردود الفعل وحيثيات العملية دورا مصريًّا بشأن الوساطة المنجزة ، حيث قالت حركة الجهاد إنها تعاملت بإيجابية مع الوساطة المصرية لكن إسرائيل غدرت وعاجلتهم بالعدوان، كما كشف هذا العدوان أيضًا ردود الفعل الإقليمية والدولية الباهتة خلافًا لمواقفهم من معركة “سيف القدس” التي قادتها حماس؛ حيث بلغ التنديد الدولي حينها حدًا وصفت فيه “إسرائيل” تحت حكم نتنياهو بدولة فصل عنصري.
أما حيثيات هذه المواجهة فتشي بضبط موقف حماس عن طريق قطر بعدم التدخل، إذ اكتفت الحركة بمجرد “التنسيق” مع حركة الجهاد وفصائل “المقاومة” لحفظ ماء الوجه، وتبرير وقوفها على الحياد بقدرة حركة “الجهاد” على الرد. وهذا في الحقيقة ما تريده أميركا لضمان تحقيق انتصار لحكومة لبيد يوفر لها رصيدًا انتخابيًّا وازنًا. إذ إن الجيش الإسرائيلي قد اختار حركة الجهاد لتفاوت قدرتها مع حركة حماس التي تملك القدرة وإرباك الحكومة الصهيونية كما فعلت في معركة (سيف القدس). مما يشي بأن حماس اختارت وللمرة الثانية الانحياز لأجندة الولايات المتحدة التي تمليها عبر قطر ومصر، واللتين أنجزتا الوساطة لوقف العملية العسكرية هذه الليلة الساعة 11.30 ليلا بعد ضمان نجاحها ورفعها لأسهم حكومة لبيد وبنيت وغانتس ، بغض النظر عن التفسيرات التي سيتم تحويرها من قبل حركة الجهاد لتبيان خروجها من المعركة بأقل خسائر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى