مقالات كل العرب

أحلى صورة!

أ.لطيفة لبصير

شارك

أحلى صورة!

 

أ.لطيفة لبصير

 

أثارت لوحة “الفتاة ذات القرط اللؤلؤي” للفنان الهولندي “جوهانس فيرمير” الكثير من الجدل. كانت اللوحة تبرز ملامح فتاة بسيطة ترتدي قرطا من اللؤلؤ يمثل نشازا بالنسبة لنظرة عينيها وملامحها الهادئة المتواضعة. ورغم أن الفتاة في اللوحة لم تكن على قدر من الجمال، الا أن أغلب الذين شاهدوا اللوحة رغبوا في معرفة هوية الفتاة.

استلهمت الكاتبة الأمريكية “تريسي شيفاليه” روايتها من اللوحة، ومنحتها نفس العنوان، وتحولت هذه الرواية الى شريط سينمائي أجاب على لغز اللوحة، عبر تخييل وقائع غير حقيقية. فقد نسجت الكاتبة قصة مستوحاة من اللوحة تحكي حياة رسام يعيش مع زوجته وأبنائه، وبعض الخدم، ويحدث أن قدمت فتاة بسيطة تدعى “غريت” للعمل في حضن هذه الأسرة كخادمة، فألهمت الفنان الذي كان يعاني من ركود ابداعي في تلك الفترة. فكانت بساطتها بمثابة الضوء الذي جعله يبدع دون توقف، فأنجز العديد من اللوحات، ورسم لها بورتريها يبرز ملامحها الغريبة التي تمزج بين الحزن والنشوة والهدوء. حبكت الكاتبة قصة غريبة مفادها أن الرسام قام بثقب أذن الفتاة كي يضع لها في أذنها قرط اللؤلؤ الذي أحضره من عند زوجته، التي ستصاب بالذهول فيما بعد حين تدرك أن زوجها ألهمته الخادمة وليس هي، وتألمت الخادمة في صمت، حين قبلت أن تثقب أذنها من أجل اللوحة، لكنها كانت تشعر بنشوة حقيقية وهي ترى وجهها وقد صار عالما آخر ينتمي للفن.

حين نتأمل اللوحة ونتأمل أيضا الرواية المستلهمة، نشعر بشيء آخر تمليه علينا سلطة الفن والأشياء التي لا تتكلم لأنها صامتة، ورغم ذلك يمكن أن تبهرنا أكثر من حقائقها العادية، وما أكثر ما يحدث في حيواتنا اليومية من صدى للعديد من الأشياء التي استقرت في الصورة كي تصبح هي الضوء الذي نرى من خلاله الأشياء.

 

تغيرت العصور وتغيرت وسائل تعبيرنا، ولكن سلطة الصورة الصامتة استمرت، بل صارت هي الحقيقة الوحيدة التي نشاهدها، والغريب أن للصورة ذلك السحر الأخاذ الذي يترك الأثر. فكم من صور أغرقت الآخرين في الشباك حتى أن المعجبين لم يرغبوا في أن يتعرفوا على أصحاب الصور، حتى لا يقع لهم أي تشويش بين ما خلفته الصورة من أثر ذهني وما هي عليه في الواقع. وقد سبق للعديد من الأشخاص أن انتابتهم الدهشة حين رأوا فنانيهم المأثورين أو الكتاب الذين طالموا ألهموهم يمشون على الأرض بدون كل ذلك البريق الذي تمنحه الصور، ويمكن ملاحظة ما يحدث للممثلين المشهورين والاعلاميين المرموقين حين يتقدم بهم الزمن كيف يحبذون الاختفاء عن الأنظار كي يحافظوا على الصورة الأمثل التي اعتاد الجمهور على رؤيتهم بها.

لا يمكن الآن أن نمنع أنفسنا من أخذ صور لنا ووضعها على الواتساب والفايسبوك والانستجرام وتويتر وكل أشكال التواصل، ذلك أننا نعيش الآن عصر الالتقاطات الصغيرة التي تشكل تفاصيل حياتنا اليومية، فمنذ إشراقة الصباح ونحن نلتقط بكاميرا هواتفنا العديد من الصور، والعديد من الأشخاص يتابعوننا بالتأكيد ويغرمون بصورنا خاصة هؤلاء البعيدين عنا، لذا هم يحبكون قصصا من أغرب القصص عن صورنا، بل أحيانا يغرمون بالصور فقط ويستأنسون بوجودها وكأن كل الأشخاص ينتمون لنفس البيت الذي ينعم بالدفء والأنس.

ليست الصور التي تعكس أجمل الأشخاص هي الصور الأجمل، ذلك أن الأكثر أسرا لنا هي بالتأكيد تلك الصور التي تترك الأثر، وتكون في تناغم تام مع ما نشعر به، فحتى الصور مهما تعددت اليوم فهي تعكس مشاعرنا وانفعالاتنا وجمال اللحظات التي نمر بها أو قسوتها…ولعل أجمل الصور فعلا هي التي تركت فينا صدى لحظاتها ولعل أحلى صورة، كما غنت الفنانة “نعيمة سميح “وكتبها الشاعر “مصطفى بغداد” هي: في عين الانسان.

 

كاتبة من المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى