مقالات كل العرب

الرئيس الإيراني الجديد ولعبة المصالح الأمريكية

شارك

الرئيس الإيراني الجديد ولعبة المصالح الأمريكية

 

أ‌.محمد السعدي

تعلم الولايات المتحدة بأن المرشد الأعلى في إيران هو مصدر القرارات الرئيسية فيها دون منازع، وتعلم جيداً بأن الرئيس المنتخب “إبراهيم رئيسي” الفائز بالحقيبة الرئاسية الجديدة قبل أيام، ما هو إلا بيدق متحرك في سياسة المرشد الأعلى لتنفيذ ما يقع عليه من مسؤوليات “إدارية” إن صح التعبير وإن كانت ذات صبغة سياسية، لذلك ترى واشنطن نفسها مُجبرة على مغازلة نظام طهران الجديد لأسباب متعددة قد يكون أحدها الأنباء المتداولة بين الأروقة الخفية في الداخل الإيراني بإحتمالية تحضير “رئيسي” المُتشدد لذلك المنصب في حالة وفاة “علي خامنئي” البالغ من العمر 82 عام، والذي يعاني من مجموعة أمراض قد لا تمهله كثيراً للبقاء في إدارة هذا الموقع الهام.

وبما أن واشنطن التي بدت عاجزة عن إسقاط النظام الإيراني بسبب القبضة الأمنية البوليسية المدعومة بالحرس الثوري المتشدد والمُهيمن على كافة السلطات فيها، ومن باب التحسب بما ستؤول إليه عملية تسنم “رئيسي” لموقع المرشد الأعلى عن قريب،  فمن المتوقع أن تندفع في مُغازلة النظام الجديد في موضوع سير إستكمال المفاوضات النووية الجارية الآن بين الطرفيين في مدينة “فيينا” للعودة الى الاتفاق النووي الذي تم إقراره في إتفاق مجموعة (5+1) الذي وقعت عليه واشنطن وحلفاؤها الأوروبيين في 14 يوليو/تموز 2015، في مسعى منها لمنع طهران من تصعيد عمليات تخصيب اليورانيوم بعد الأزمة التي حدثت بينهما في عهد الرئيس “ترمب” والإبقاء على نسبة التخصيب المتفق عليها في ذلك الاتفاق، مع سعيها إدخال بعض التعديلات الجزئية عليه وخاصة تلك المتعلقة ببرنامج تصنيع الصواريخ الباليستية التي يُمكن أن تحمل رؤوس نووية لتحديد أعدادها ومديات إطلاقها وفقاً للرغبة الأمريكية الإسرائيلية.

وبما أن “روسيا” البلد المناكف للولايات المتحدة يمتلك علاقات متينة مع كل من طهران وتل أبيب في آن واحد، فإنها لم تعد راغبة بوجود دولة نووية قريبة من حدودها الدولية حتى وإن كانت حليفة لها مِثل إيران، لكنها وفي إطار إنهاء عملية المناكفة والتنافس والعقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، وفي أطار دعم مصالحها الاقتصادية المنهارة بحكم ذلك الحصار، فأنها قد تلعب دوراً أساسياً في التأثير على طهران للإلتزام بتنفيذ المطالب الأمريكية في تناسق ثنائي يرضي “تل أبيب” وواشنطن في آن واحد، حيث تسعى موسكو بإستخدام هذه الورقة لتطبيع علاقاتها بشكل تدريجي مع واشنطن والعواصم الأوروبية ومن مدخل البوابة الإسرائيلية هذه المرة.

كما أن طهران تسعى هي الأخرى وضمن سياساتها غير المُعلنة الى تسريع تطبيع علاقاتها مع واشنطن لتجاوز وطأة الحصار الاقتصادي الخانق المفروض عليها منذ مجيء الرئيس “ترمب” الى السلطة وما تركه من آثار سلبية على مجمل إقتصادها الداخلي، وتعطيل تطور بنيتها الداخلية، وعرقلة سياساتها التوسعية المعتمدة على أذرعها المنتشرة في المنطقة خارج حدودها الإقليمية، فإنها لن تُمانع وأن ستُظهر تشدد مواقفها إعلامياً فقط، إلا أنها وكما نتوقع ستُبدي مرونة واضحة في قبول الإملاءات الأمريكية التي ربما يتم الاتفاق عليها في ملاحق سرية خاصة في أي إتفاق قادم،

ولتأكيد الغزل الأمريكي الذي نتحدث عنه، سارعت واشنطن “بايدن” وبالتزامن من إعلان فوز “رئيسي” نيتها سحب عدد من منظومات صواريخ الباتريوت من عدة دول في المنطقة من بينها “السعودية والكويت والأردن والعراق”، كي تبعث برسالة تطمينية خاصة الى طهران تتعلق للعودة الى الاتفاق النووي المذكور،

لكن ذلك لا يهمنا بقدر إهتمامنا بتأثيرات السياسات الإيرانية المُقبلة على منطقة الخليج العربي في ضل توقع تقاربهما المُحتمل، لذلك يمكن القول بأن فوز “رئيسي” لن يُغيِّر من واقع المعادلة السياسة الإيرانية القادمة في المنطقة التي لن يتغير أي شيء فيها للأفضل، فالبحث عن النفوذ والسيطرة هي سياسة إيرانية قديمة تلازمت مع مختلف الأنظمة التي تعاقبت على قيادة إيران “ملكية كانت أم جمهورية إسلامية”، بغض النظر عن الزعامات الحاكمة فيها، خاصة وإنها تتمتع اليوم بنفوذ عميق يبسط سيطرته على دول عربية متعددة كما في سوريا والعراق واليمن ولبنان، ناهيك عن توقع وجود صمت أمريكي يغض النظر عن سياسات طهران التوسعية في المنطقة، لذلك نتوقع أن تكون هنالك إنفراجة سياسية قادمة في طبيعة العلاقات الأمريكية الإيرانية الروسية الإسرائيلية على حساب المصالح العربية في المنطقة، وهي لُعبة تمارسها الإدارة الأمريكية الجديدة في ضل سياسة الإبتزاز التي مارسها سلفها الرئيس “ترمب”.

 

باحث عراقي متخصص بالشؤون السياسية والإستراتيجية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى