مقالات كل العرب

سد النهضة

شارك

النص الكامل لمقال الزميل د. إياد سليمان حول سد النهضة، و الذي نشر قسما منه بالعدد الحالي من المجلة.

سد النهضة

 

د. إياد سليمان

 

مقدمة

كانت الهيمنة التاريخية لدولتَيْ المصب على الحصة الكبرى من مياه النهر، وكما تراها أديس أبابا، تنبع بالأساس من قوة بريطانيا العظمى، حيث كانت مصر وقتها تحظى بأهمية إستراتيجية لإنجلترا دفعت الأخيرة للضغط على إثيوبيا لتوقيع اتفاقية عام 1902 التي تنص بنودها على عدم قيام إثيوبيا بأي مشاريع على النهر قد تُؤثِّر على حصة مصر من المياه، والبالغة حينها (84 مليار م³)، أي ما يعادل المياه المتدفقة كافة في نهر النيل. تُشكِّل هذه الاتفاقية واحدة من اتفاقيتين لا تعترف بهما أديس أبابا في شأن المياه، وبينما تزعم إثيوبيا بأنها لم تُوقِّع اتفاقية 1902، وإن أُلزمت ببنودها بعد ذلك التاريخ بوقت طويل، فإن الاتفاقية الأخرى التي لا تعترف بها كذلك تخص كلًّا من مصر والسودان فقط، وعنهما حكومة الاحتلال البريطاني التي وقَّعت عام 1929 اتفاقا ألزم الخرطوم بالحفاظ على التدفُّق المنتظم للمياه عبرها إلى مصر، وإن خصَّصت الاتفاقية الجديدة لمصر حصة سنوية من المياه بلغت (48 مليار م³) وجعلت للسودان (4 مليار م³) بينما تُرك (32 مليار م³) أخرى غير مُخصَّصة.

تعد مسألة السدود الإثيوبية على النهر من المشروعات التى تم تناولها منذ خمسينيات القرن الماضى، ففى 1953 قرر الإثيوبيون، بزعامة الإمبراطور هيلاسيلاسى، إنشاء سد لتوليد الكهرباء، إلا أن الرئيس عبدالناصر الذى كان داعما وحليفا للإمبراطور، فأرسل له ما معناه أن النيل هو مصر، وأنه باسم مصر ورئيسها وجيشها العظيم نطالبكم بوقف أعمال البناء فورا، وهو ما حدث بالفعل وتخلت إثيوبيا عن هذه الفكرة إلى عصر الرئيس السادات الذى نما إلى علمه أن الإثيوبيين يعتزمون إنشاء عدة سدود على النيل، فكان تهديد السادات مباشرا فى ذلك الشأن مصرحا أنه: إذا عملت إثيوبيا أى شىء يعوق وصول حقنا من الماء كاملا فلا سبيل إلا استخدام القوة، وبينما توترت العلاقات المصرية- الإثيوبية عقب محاولة اغتيال الرئيس حسنى مبارك ووصلت إلى أدنى مستوياتها بعد 1995، وفى خلال هذه التوترات أوكلت إثيوبيا إلى شركة إيطالية فى عام 2009 مهمة تصميم وتنفيذ سد كبير على النهر، ولم يمضِ عام بعد ذلك إلا وكانت إثيوبيا وتنزانيا وكينيا وأوغندا ورواندا قد وقعت اتفاقية عنتيبى لإعادة تقسيم مياه النهر، متخطية دولتى المصب، وهما السودان ومصر

في عام 2007 قامت إثيوبيا بتقديم مقترح مشروع سد النهضة، ليتم إدراجه ضمن مشاريع تجارة الطاقة التابعة لمبادرة حوض النيل الشرقي، وذلك إبان عهد الرئيس المصري حسني مبارك.

شاركت الدول الثلاث (إثيوبيا، مصر، السودان) في المرحلة الأولى، وأبدت مصر حماساً كبيراً في هذه المرحلة، حتى إن مدير المشروع كان مصري الجنسية. لكن مع تقدم المشروع أبدت مصر شكوكاً متزايدة، انتهت إلى إعلان وزير الري المصري حينذاك رفضه المشروع، مبرراً ذلك بأنه جزء من مؤامرة على مصر اتخذت من مبادرة حوض النيل ستاراً تختبئ وراءه.

أعقب ذلك اعتراض كل من مصر والسودان على بعض بنود اتفاقية عنتيبي ورفضهما التوقيع عليها، وتجميد عضويتهما في مبادرة حوض النيل عام 2010، ممَّا أدى إلى سحب الدعم الدولي عن المشروع.

أبلغت إثيوبيا رسمياً كلاً من مصر والسودان في يناير/كانون الثاني 2011 عزمها بناء السد، قبل توقيع العقد مع شركة ساليني الإيطالية في أبريل/نيسان من العام نفسه، متزامناً ذلك مع تطورات حدثت في مصر عقب الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، لتبدأ أعمال التشييد عام 2013.

لم تكتف إثيوبيا بذلك، بل إنها عرضت على مصر والسودان المشاركة في تمويل السد بنسبة 20% و30% على التوالي، رفض السودان العرض لعدم توفر التمويل المطلوب، في حين رفضت مصر بسبب عدم اكتمال تقييمها لآثار السد.

رجعت مصر لاحقاً وطالبت بالمساهمة في بناء السد خلال اجتماع لرؤساء الدول في الكويت، لكن إثيوبيا اعتذرت لأن تشييد السد وصل إلى مراحل متقدمة. بعدها دخلت الدول الثلاث في مفاوضات متصلة على مختلف المستويات، أهمها قمة الخرطوم في مارس/آذار 2015 التي خرجت بإعلان المبادئ لسد النهضة الإثيوبي، بهدف تحويل نهر النيل إلى محور للتعاون والإخاء من أجل شعوب الدول الثلاث.

موقف إثيوبيا

يتبلور الموقف الإثيوبي، الذي لا يعترف عملياً بالاتفاقيات التي تحكم وادي النيل الموقعة بواسطة دول استعمارية والتي تحد من قدرة إثيوبيا في إقامة مزيد من السدود على النيل الأزرق، ممَّا سينهي طموحات إثيوبيا الرامية للتحول إلى مركز للطاقة الكهرومائية تبيعها لجيرانها في كل من جيبوتي وإرتريا وكينيا والسودان، وتمرير خط عبر السودان لكل من دولة جنوب السودان ومصر ومنها إلى أوروبا.

فإثيوبيا وهي تسعى لإنشاء مشاريعها لاستغلال مياه النيل الأزرق تؤكد أن هذه المشاريع خاصة بها، ولا تريد أن يكون هنالك كابح أو مقيد لها، رغم إعلانها الدائم بأنها لن تقوم بأي مشروع يتسبب في ضرر لمصر والسودان.

وبدا من الواضح أن المفاوض الإثيوبي بحنكته كان يهدف إلى كسب الوقت، وقفل الطريق أمام أي محاولات لإعاقة أعمال تشييد السد، أو تمويله. كما أنها لا تريد الدخول في التزامات بشأن إدارة السد وتشغيله، كشأن مصر في الانفراد بتشغيل السد العالي وإدارته. لذلك لم يكن مستغربا أن تعلن وزارة الخارجية الإثيوبية بأن “ملء السد بنجاح نصر دبلوماسي عزز مصداقية إثيوبيا على الساحة الدولية”.

موقف السودان

تاريخياً كان موقف السودان دوماً يتطابق تقليدياً مع مصر، بيد أن السودان اتخذ موقفاً مغايراً، أعلن أنه طرف أصيل في المفاوضات، له متطلبات أساسية يسعى بقوة لتحقيقها، ومخاوف يجاهد لإزالتها.

وقد عمل السودان على تقريب المواقف وإزالة المخاوف وخلق بيئة تفاوضية إيجابية. وأعلن أن لديه فوائد من وجود السد، بيد أن هذه المصالح لن تكتمل إلا في ظل التوافق.

حتى قبل اكتمال سد النهضة فإن للسودان تجربة حالية متميزة في استيراد الكهرباء من إثيوبيا عبر مشاريع الربط الكهربائي بين البلدين.

كما تلقى السودان وعوداً من الجانب الإثيوبي بتزويده بالكهرباء بسعر تفضيلي. إضافة إلى الكهرباء التي سيتحصل عليها السودان من سد النهضة، فإن هناك جملة من الفوائد الأخرى، تتمثل في تنظيم جريان مياه النيل الأزرق طوال العام، ممَّا يتيح للسودان فرصة الاستفادة من حصته في مياه النيل.

إلا أن المفاوض السوداني يسعى للتوصل إلى اتفاق لتكوين آلية تنسيقية حول ملء بحيرة السد حتى لا تتضرر سدوده المنتشرة على النيل الأزرق، إذ إن انخفاض المناسيب سيؤثر على خزاني الروصيرص، وسنار، كما أن عمليات الري ستتأثر في المشاريع الكبرى مثل مشروع الجزيرة. فقد صرح مؤخراً وزير الري السوداني بأنه ليس من حق إثيوبيا أن تملأ خزان سد النهضة دون اتفاق مع مصر والسودان.

موقف مصر

ترى مصر أن رؤية رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ملس زيناوي تأتي في إطار استراتيجية “إثيوبيا القوية”، والرامية إلى قيامها بتصدير الطاقة الكهرومائية. وتتوقع أديس أبابا أن تبيع ما لا يقل عن أربعة آلاف ميجاوات من الكهرباء للشركاء الإقليميين في العقد المقبل.

ولا شك أن هذه الرؤية الإثيوبية يمكن من خلالها تغيير نظرة العالم لإثيوبيا، وتحويلها إلى دولة إقليمية رائدة ذات موارد حيوية بالنسبة للمنطقة بأسرها، خاصة أن إثيوبيا أصبحت واحدة من أسرع الاقتصادات نمواً.

يسعى المفاوض المصري بعد أن تم بناء السد إلى التوصل إلى اتفاق حول الفترة اللازمة لملء السد، وذلك لتقليل الأضرار الناجمة عن احتجاز كميات كبيرة من الماء في بحيرة السد، وحتى لا يتأثر المخزون ببحيرة السد العالي، من خلال تكوين تنسيقية لديها صفة الإلزام، تشارك فيها الدول الثلاث لإدارة السد، خاصة عند مواسم الجفاف وقلة الأمطار, حيث إنه توجد آثار مباشرة لنقص الوارد من الماء لمصر الناتج عن سد النهضة تتمثل في بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وانخفاض منسوب المياه الجوفية، وزيادة تداخل مياه البحر في الدلتا وتملح أراضيها، وانكشاف العديد من مآخذ محطات مياه الشرب والمصانع الواقعة على نهر النيل وفرعيه، وزيادة تلوث مياه النهر والترع والمصارف والبحيرات الشمالية، وتهديد الثروة السمكية والملاحة النهرية.

إن نقص المياه يؤثر بشدة على الإنتاج الزراعي والاقتصاد المصري ككل، والمجتمعات الزراعية المحلية. فعلى المستوى الكلي سيحدث خلل في الميزان التجاري، وزيادة للبطالة بين المزارعين.

ويؤثر على خطط الحكومة للاكتفاء الذاتي من الغذاء، والاستقرار الاجتماعي، وجودة الأراضي الزراعية.

فمصر تعتمد بشكل أساسي على الزراعة ولكنه في الوقت الحالي يواجه العديد من التحديات، في مقدمتها ندرة المياه، علماً بأن مصر تقع ضمن قائمة الدول العشر الأولى المهددة بالنقص في المياه.

وتزايدت مخاوف الندرة المائية بسبب التغيرات المناخية والزيادة السكانية، إضافة إلى تناقص الوارد من نهر النيل بسبب سد النهضة، الذي يرفد مصر بنسبة 96% من احتياجاتها المائية.

تقوم اليوم إثيوبيا منفردة بملء بحيرة سد النهضة دون اتفاق مع السودان ومصر، ممَّا سوف ينذر بتداعيات تختلف حدتها لدى البلدين، إلا أنه من الواضح أن الضرر الأكبر سيقع على مصر، سواء في المدى القصير أو الطويل. فلقد بذلت الدبلوماسية المصرية جهداً كبيراً للتوصل إلى اتفاق، إلا أن ذلك لم يجدِ فتيلاً، فغياب الدبلوماسية المصرية عن إفريقيا مكن إثيوبيا من الظفر بالتعاطف الإفريقي، كما أن الأحداث الداخلية التي مرت بها مصر بعد عام 2011 تتكرر اليوم في ظل تحديات الوضع الداخلي ومحاولات التدخل الخارجي كما في ليبيا.

ممَّا جعل الدبلوماسية المصرية تطرق كل الأبواب، فاستعانت بالولايات المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومؤخراً عادت إلى البيت الإفريقي، فتم عقد قمة مصغرة لم تسفر عن إلزام إثيوبيا بإيقاف ملء بحيرة السد أو انخراط الدول الثلاث في آلية تنسيقية ملزمة.

اتفاقيات من “الحقبة الاستعمارية

أعطت الاتفاقيات الموقعة في عامي 1929 و1959 كلا من مصر والسودان حصة الأسد في مياه النيل. بينما ترفض إثيوبيا تلك الاتفاقيات باعتبارها “اتفاقيات من الحقبة الاستعمارية”، ووقعت اتفاقاً عام 2010 مع 6 دول في حوض النيل لسحب حق الفيتو من مصر والسودان ضد قيام مشروعات على النيل.

وقال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في الأمم المتحدة العام الماضي: “نعترف بحق إثيوبيا في التنمية ولكن مياه النيل مسألة حياة وبقاء بالنسبة لمصر”. وفي أوائل العام الجاري 2021، اعتمد السيسي على الوساطة الأمريكية أملا في الوصول لاتفاق، لكن إثيوبيا انسحبت من المحادثات زعماً بأن الاتفاق الذي طرحته واشنطن تضمن مقترحات لصالح القاهرة بشأن تخفيف الجفاف.

وذكرت دراسة لمجموعة الأزمات الدولية أن “أديس أبابا اعترضت على أن الاتفاق سيلزمها بتصريف مياه الخزان لمستوى غير مقبول في حال حدوث جفاف ممتد، ويلزمها قانونياً بعدم ملء السد دون الوصول لاتفاق”.

وقال السفير الإثيوبي لدى الولايات المتحدة فيتسوم أريغا إن بلاده “لن تمضي على أي اتفاق يجعلها تتخلى عن حقها في استخدام مياه النيل”.

وقاد الاتحاد الأفريقي، بمتابعة من مجلس الأمن، في يونيو/ حزيران، محاولة أخرى لجمع الدول الثلاث على طاولة المفاوضات، لكن دون اتفاق بعد.

مشروع وحدة وطنية

في إثيوبيا، يعتبر نجاح مشروع سد النهضة ضروريا ليس من أجل تعزيز دور أديس أبابا في المنطقة فحسب بل لتوحيد الوطن الممزق بسبب العنف العرقي.

في مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي، قُتل العشرات من الإثيوبيين خلال احتجاجات ضخمة أثارها موت المغني والناشط هاشالو هونديسا، أحد رموز مجموعة الأورومو التي تقول إنها مهمشة سياسياً.

اتهم النقاد رئيس الوزراء أبي أحمد لإخفاقه في احتواء العنف العرقي في البلاد، رغم حصوله على جائزة نوبل للسلام عام 2019، لدوره في إنهاء حرب أهلية بين إثيوبيا وإريتريا استمرت 20 عاما.

أصبح مشروع السد مصدراً للفخر الوطني، فهو ممول ذاتياً عن طريق سندات بنسبة 20%، و80% من أموال دافعي الضرائب في إثيوبيا. وأظهر السد نجاحاً في توحيد الوطن، وتصدر وسم “إنه سدي” موقع تويتر في إثيوبيا الشهر الماضي.

ويعتبر الأثيوبيون أن “سد النهضة مشروع وطني كسب تأييد الحكومة والمعارضة والشعب، فهو يعتبر بمثابة قوة موحِدة لإثيوبيا لأنه بني بأموال الإثيوبيين”.

المخاطر الكارثية لسد النهضة على مصر والسودان

عملية الملء الثاني للسد تحتاج إلى 13 ونصف مليار متر مكعب من المياه، فإذا ما تمت تلك الخطوة دون إخطار السودان الذي يقوم بتشغيل سدوده والتي هى بالقطع بعد سد النهضة، وهو يتعامل في التشغيل عن طريق البيانات اليومية التي تأتي من أعالي النيل الأزرق، فإذا ما انفردت إثيوبيا بالملء الثاني دون تنسيق مع السودان وإخطارها بالبيانات اليومية بعملية ملء سد النهضة ومعرفة نهاية فترة الملء حتى يستطيع السودان أخذ احتياطاته، ما لم يحدث هذا فستكون هناك مشكلة كبيرة وتعد إعلان حالة حرب على السودان.

إن مصر تعاني بالفعل من آثار السد منذ سنوات. فقد تم تعديل قانون الزراعة في 2018 لتخفيض مساحة محصول الأرز، المحصول الغذائي الثاني بعد قمح الخبز من مليوني فدان إلى 750 ألف فدان فقط، وتجريم المخالفين بالسجن 6 أشهر وغرامة 20 ألف جنيه، فتحولت مصر جراء هذا القانون من دولة مصدرة للأرز بمعدل مليون طن إلى مستوردة له بمعدل 800 ألف طن، وارتفع سعر الكيلو من جنيه ونصف في منظومة البطاقات التموينية إلى 10 جنيهات، ثم ألغي من المنظومة برمتها.

كما أن الحكومة المصرية أنفقت 200 مليار جنيه لإنشاء محطات لتحلية مياه البحر، ولكنها لن تجدي في حل أزمة شح المياه الناتجة عن السد الإثيوبي، وسيصل الإنفاق الحكومي إلى تريليون جنيه (ألف مليار جنيه) هذه المليارات سيتم اقتطاعها من موازنة الصحة والخدمات وسيظهر أثرها في عجز الدولة عن مواجهة فيروس كورونا المستجد، وقد يتسبب في موت الأطباء بسبب غياب الأدوات الطبية.

إن انخفاض حصة مصر من مياه نهر النيل بمقدار مليار متر مكعب فقط سيؤدي إلى فقدان 300 ألف فدان من أخصب أنواع الأراضي الزراعية في العالم، وفقدان 200 ألف أسرة لمصدر رزقها، وكذا فقدان وخسارة قدرها 430 مليون دولار في الإنتاج الزراعي، وزيادة كلفة الاستيراد إلى 19 مليار دولار، وهو ما لا تطيقه موازنة الدولة الغارقة في الديون الخارجية والداخلية، وسوف تفقد مصر من 3 إلى 4 ملايين فدان من الأراضي الزراعية، وسيفقد ثمانية ملايين مزارع يعيلون 32 مليون مواطن مصدر قوتهم.

وسيحدث عجز في إمدادات المياه لأغراض الشرب والصناعة نتيجة انخفاض منسوب المياه في نهر النيل والترع الفرعية عن مآخذ محطات مياه الشرب، وهو ما حدث بالفعل في السودان الأسبوع الماضي، حيث توقفت محطات الشرب تماما بسبب انخفاض منسوب المياه بفعل احتجاز إثيوبيا أثناء الملء الأول للسد.

ولسوف تتراكم الأملاح في الأراضي الزراعية وتتدهور إنتاجيتها أيضا، وتزحف مياه البحر المتوسط تحت الخزان الجوفي في شمال الدلتا، ما يسبب تدهور جودتها وإنتاجيتها. وينخفض منسوب المياه الجوفية بنحو 3 أمتار، ما يزيد من تكلفة رفع المياه وري المحاصيل. وتخسر المزارع السمكية 75% من إنتاجها بسبب تلوث المياه في النيل والترع والمصارف، وتتوقف الملاحة النهرية.

موقف أثيوبيا

قال أبي أحمد قبل أسبوع، في تغريدة عبر حسابه الرسمي على تويتر، إن “إثيوبيا، في تطويرها لنهر آباي لتلبية احتياجاتها، ليس لديها أي نية لإلحاق الضرر بدول المصب”، في إشارة إلى السودان ومصر.

وأضاف أن “الأمطار الغزيرة العام الماضي ساعدت في نجاح الملء الأول لسد النهضة، في حين أن وجود السد نفسه حال دون حدوث فيضانات شديدة في السودان المجاور”.

وتابع أبي أحمد بالقول: “قبل التعبئة الثانية، تقوم إثيوبيا بإطلاق المزيد من المياه من تخزين العام الماضي من خلال المنافذ المكتملة حديثاً، كما تقوم بمشاركة المعلومات”.

وأكد رئيس الوزراء الإثيوبي أن عملية التعبئة التالية لسد النهضة “ستتم فقط خلال أشهر هطول الأمطار الغزيرة في يوليو وأغسطس”، وقال إن ذلك “يضمن الفوائد في الحد من الفيضانات في السودان”.

من يكسب معركة السد

إن العناوين الرئيسية للخلاف مثل مدة ملء الخزان وسنوات الجفاف لن تكون هي أكبر مشكلات القاهرة والخرطوم مستقبلا بأي حال، فغياب المصارحة الإثيوبية فيما يتعلَّق بإنشاءات السد، والشكوك التي صاحبت دراسات عدة من مشكلات مُحتمَلة في بنيته التحتية إلى جانب تورُّط كلتا الشركتين المسؤولتين عنه في أعمال فساد وسوء إدارة؛ كل هذا يدع احتمالية كبيرة قائمة لتصدُّع أو انهيار السد نفسه عند التوجُّه نحو ملء خزانه، وهو ما يُشكِّل خطرا مُحتمَلا على الدول الثلاثة إذا ما حدث، وبإضافة النقص المُحتمَل لحصة مصر من المياه وغياب التنسيق بينها وبين إثيوبيا في عمل كلٍّ من سد النهضة والسد العالي بأسوان على النيل، وما قد يُسبِّبه ذلك من مشكلات لمصر في تدفُّق المياه وتوليد الكهرباء، فإن أزمة المياه في مصر على وشك أن تتجاوز مجرد الوصول إلى مرحلة الفقر المائي التي أعلنتها القاهرة بالفعل.

أما ما يتعلَّق بالصورة الكبرى حول أزمة السد، فإن أفريقيا تختبر الآن مرحلة من توازنات القوى التي تلعب فيها دول الجنوب الفقيرة قديما دور القوى الصاعدة بقوة على ساحة التأثير؛ إما لثرواتها الجاذبة لرؤوس الأموال الكبرى، وإما لمواقعها الإستراتيجية في مواطن الصراعات القادمة عالميا التي وُضعت منطقة القرن الأفريقي رغما عنها في الوسط منها، وبما يمنح إثيوبيا فرصة لاستعادة دورها التاريخي المؤثر هناك، دور يبدو أنه على وشك إزاحة القاهرة من مكانتها القديمة على رأس القوى الأفريقية الكبرى.

وعلى الرغم من أن سنوات عدة قادمة قد تلزم دول الجنوب الأفريقي للاستقرار والخروج من عنق الزجاجة سواء سياسيا أو اقتصاديا، فإنه يجب على القاهرة الانتباهُ لهذا في محاولتها الخروج بأقل خسائر مُمكنة في نزاعها على المياه مع أديس أبابا التي تبدو وكأنها لا تُبالي بالتهديدات وليس لديها ما تخسره، على عكس مصر التي قد تجد نفسها خلال العقد القادم في مواجهة نقص حاد في مياه الشرب والزراعة اللتين تُشكِّلان عصب الحياة ومصدرها الأول للغالبية العظمى من الشعب، وهو ما سيضع الحكومة في القاهرة حينها في مواجهة صراع داخلي على تقاسم موارد المياه بالشكل الذي يُهدِّد مستقبل مصر التي عرفها العالم منذ آلاف السنين بوصفها هبة النيل

 

المصادر

  1. من عمر سليمان إلى السيسي.. القصة الكاملة لسد النهضة الذي يهدد بإشعال الحرب بين مصر وإثيوبيا
  2. رئيس وزراء إثيوبيا: لا نية للإضرار بمصر والسودان.. والتعبئة التالية لسد النهضة في يوليو وأغسطس
  3. سد النهضة: بين إرث ترامب وبراغماتية بايدن
  4. مصر وإثيوبيا وما وراء سد النهضة
  5. مخاطر سد النهضة كارثية على مصر
  6. ما هي مخاطر الملء الثاني لسد النهضة الإثيوبي على مصر والسودان قبل التوصل إلى اتفاق ملزم؟
  7. سد النهضة: إثيوبيا مصرة على تنفيذ عملية الملء الثانية لكنها مستعدة لمشاركة المعلومات مع مصر والسودان
  8. سد النهضة – ويكيبيديا
  9. القصة الكاملة.. ما أسباب الخلاف بين مصر وإثيوبيا والسودان حول سد النهضة؟
  10. قصة سد النهضة
  11. سد النهضة: قصة نهوض إثيوبيا وانتكاسة مصر

 

 

 

محاضر جامعي، باحث في التاريخ  ومختص في علوم البيانات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى