مقالات كل العرب

انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة

شارك

انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة

 

ولادة الكيان السياسي الفلسطيني وانطلاقة حركة فتح

 

أ.عبدالعزيز أمين عرار / باحث ومؤرخ فلسطيني

 

تعرض الشعب العربي الفلسطيني عام  1948 إلى أقسى كارثة في الترحيل والطرد والاجتثاث عن أرضه وقد سيطرت المنظمات الصهيونية على 77.4 % من أراضي فلسطين التاريخية والبالغة مساحتها 27 الف كم2 ، وقد ألحقت الأجزاء الباقية مع الدول العربية المجاورة فقد ضمت الضفة الغربية  للضفة الشرقية ،وسميت المملكة الأردنية الهاشمية، واتبع قطاع غزة مع المملكة المصرية .

 

وقد دفعت هذه الكارثة طلائع الشعب الفلسطيني وشبابه إلى إنشاء تنظيمات وأحزاب ثورية أو الانتساب لأحزاب أخرى ، فقد  قام المرحوم الدكتور جورج حبش بتأسيس حركة القوميين العرب ،  والتي رفعت شعار: وحدة تحرر فداء ثأر في حين شكل فلسطينيون فروعا لحزب البعث العربي الاشتراكي في الضفة الغربية وقطاع غزة ، واختار بعضهم تأييد جمال عبدالناصر ،ناهيك عن انضمام البعض للأحزاب الأممية الشيوعية والإسلامية .

 

وفي  هذه الأثناء كان الشباب الفلسطيني يعود سرا إلى أرضه ووطنه ويقطع الحدود وخط الهدنة مما بعث القلق لدى قادة الاحتلال الصهيوني وقد أطلق عليهم ” المتسللون ” أي  الذين دخلوا  خفية إلى إسرائيل ودون طابع شرعي على حد زعمه ، وقد اشتبك بعضهم مع العدو الصهيوني وسقطوا شهداء في مناطق مختلفة من البلاد،  بينما حمل بعضهم أكياس البرتقال على اكتافهم لمسافات من بياراتهم إلى الضفة الغربية ، وسقط أخرون  شهداء على يد ما تسمى بقوات حرس الحدود الصهيونية ” شمار جفول” ، وقد اهتمت حكومة مصر في عهد جمال عبدالناصر برعاية هذا النشاط وقام هؤلاء الشباب ومنهم خليل الوزير أبو جهاد بتفجير خزانات للمياه في منطقة أسدود . ناهيك عن قتل ما يزيد عن 106  من سكان المستعمرات الصهيونية مما جعل الموساد ينفذ عملية قتل لمخطط هذه العمليات والمشرف عليها  المرحوم العقيد المصري مصطفى حافظ عام 1956 م . وتعد هذه واحدة من الذرائع  التي تذرع بها الكيان الصهيوني في العدوان الثلاثي على مصر في 26 تشرين أول 1956 .

 

بعد احتلال الكيان الصهيوني لقطاع غزة في 29/10/ 1956 تم تشكيل جبهة توطنية ضمت قيادات بعثية وفي حركة القوميين العرب وشخصيات وطنية وشباب ثوري كان من بينهم: الأخ سليم الزعنون ابو الاديب ،والرفيق وفا الصابغ والأخ كمال عدون  والأخ خليل الوزير ابو جهاد وعبدالله الحوراني وغيرهم والذين عملوا على تنسيق عملهم  مع المرحوم السيد كمال رفعت مسؤول الشؤون العربية  ، والذي زودهم بالمال والسلاح  .

 

لقد كانت هذه التجربة الوحدوية النضالية لمجموعة من الأحزاب والشخصيات تجربة كرست أهمية ولادة حركة تحررية وطنية تجمع مختلف أطياف الشعب الفلسطيني في داخلها تحت شعار التحرير الوطني أولا وقبول التعددية والمشارب الفكرية فيها بشرط أن لا تتبنى  هذه الحركة أي عقيدة فكرية سياسية .

 

وفي حين كانت هناك مجموعة من الشباب الفلسطيني قد نشطت في جامعة القاهرة باسم مجلس طلبة فلسطين ولاحقا ، أسست اتحاد طلبة فلسطين وعلى رأسها المهندس ياسر عرفات الذي شارك في تنظيف مخلفات الاحتلال في قناة السويس ،وكانت قد عقدت مؤتمرها الأول في الكويت إذ عملوا فيها ،وبدأ عملها في عقد مؤتمرها الأول  عام 1957 ، وصدر عنهم نشرة باسم فلسطيننا نداء الحياة .

 

يعد عام 1959 بداية ولادة فكرة الكيان الفلسطيني والذي أخذت تنادي به عدة جهات وأنظمة عربية ، فقد طرح الزعيم عبدالكريم قاسم في خطاب له في هذا العام أهمية قيام جمهورية فلسطينية ديمقراطية وحمل الأردن ومصر مسؤولية سرقة ما تبقى من فلسطين والحاقها بالضفة الغربية وقطاع غزة . في حين دعا رئيس وزراء الاردن هزاع المجالي إلى قيام كيان فلسطيني ، وربما تم تفجير الوزارة بسبب هذا التصريح ،  بينما راح حزب البعث العربي الاشتراكي يتناول في  مؤتمراته القومية منذ عام 1959 أهمية قيام الكيان السياسي الفلسطيني وما هو مطلوب من شعب فلسطين ونوع الكيان وقدم دراسة فيه  مؤكدا أهمية وجود كيان ثوري سياسي تحرري وليس كيان يضااف للأنظمة العربية.

 

توسعت مؤتمرات فتح 1959 وزاد عدد المنضوين تحت قيادتها وبلغوا قرابة 400 في هذا العام . وتأسس في هذا العام أيضا تنظيم جبهة التحرير الفلسطينية  الذي أسسه عدد من الضباط الفلسطينيين ممن عملوا في الجيش السوري أمثال: الضابط أحمد جبريل

 

وجاء فشل الوحدة المصرية السورية 1961 ويأس الجماهير الفلسطينية من شعار تطبيق الوحدة العربية كطريق لتحرير فلسطين ليدفع طليعة الشعب الفلسطيني نحو تأسيس مجموعة من التنظيمات والتي كان بعضها لا يتجاوز عدد أصابع اليد ويمتلك آلة طابعة وتقوم بتوزيع منشورات وقد بلغ عددها  قرابة اربعون عام 1962. وقد باتت مجموعة طليعية من الشباب الفلسطيني مؤمنة بأهمية تولي الشعب الفلسطيني لقضيته في حين طرح البعث الدور المركزي والقومي للقضية الفلسطينية وقد جاء في مؤتمره السادس 1963 .وفي سياق هذا الاهتمام المتزايد بولادة الكيان الفلسطيني وقيادته اهتمت مجموعة من البعثيين الفلسطينيين بتأسيس تنظيم بعثي فاجتمعوا قرابة 12 رجلا  في بيروت ومنهم : عبدالله الحوراني ومصطفى المالكي ومنير المالكي ، وقد قامت مجموعة البعث باستطلاع في الداخل الفلسطيني منطلقة من رام الله واكتشف النظام الأردني أمرها وشرع في اعتقالهم وتعذيبهم وعلى رأسهم منير المالكي الذي ابعد للخارج بضغط من جهاز المخابرات الأردني .

 

وفي هذه الأثناء جرت احداث جديدة بعد وفاة احمد حلمي عبدالباقي ، فقد أطلق الرئيس جمال عبدالناصر فكرة إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية ،وقد أختير المحامي احمد الشقيري  رئيسا لها وتوسع في تشكيلها لتشمل مجلس وطني ولجنة تنفيذية ومجلس مركزي ومركز أبحاث فلسطيني وجيش تحرير فلسطيني .

 

وكانت حركة فتح غير راضية عن م.ت.ف باعتبارها أداة وصنيعة عربية بيد النظام الرسمي العربي في حين وكذلك حزب البعث في سوريا لخلافه مع عبدالناصر ، وكذلك الملك الهاشمي .

 

شجع حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العربي السوري حركة التحرير الوطني الفلسطيني وورد في تقاريره أنها تختلف عن تنظيم مفتي فلسطين كما أن الأستاذ احمد ميشيل عفلق والقيادة القومية شجعت فكرة الانتساب لها عام 1965 في وقت كان فيه الحزب في القطر السوري تشغله الخلافات بين القيادة المدنية المؤسسة للحزب والقيادة العسكرية والتي نتج عنها انقلاب 23 شباط 1966

 

انضم لفتح عدد من البعثيين ومن مستويات تنظيمية مختلفة . أمثال / فاروق القدومي ، والكاتب ناجي علوش ، والشاعر صخر حبش ، ومصطفى المالكي ، والشاعر كمال ناصر ، ويوسف عرابي ومحمد حشمت وقتل الأخيرين وبسببهما قام حافظ أسد عام 1967 باعتقال قيادة فتح مدة من الزمن وشملت ياسر عرفات وخليل الوزير .ثم عاد وأفرج عنهم

 

وبينما كان النظام الرسمي العربي في حالة عجز تام ومشغولا في  عقد مؤتمر القمة وبحث آليات الرد دون فائدة في منع اليهود من   تحويل مياه نهر الاردن  إلى منطقة النقب . كانت عملية تفجير نفق عيلبون يوم 28 يناير 1964 أول عمل ثوري وإعلان فلسطيني بأن طريق الخلاص لا يكون إلا عبر الحرب الشعبية، وقد كانت جريدة الأحرار اللبنانية البعثية الوحيدة التي نشرت البيان الأول للعاصفة  الجناح العسكري لحركة فتح   في الأول من يناير1965 في حين عدها البعض مع عمل جهاز ال cia   وهو خير إعلان تعبوي وسياسي يبين طبيعة جركة فتح ومنطلقاتها  وهو إعلان لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة  التي نحتفل بها في كل عام .

 

ومنذ ذلك الحين تواصلت الإعمال الفدائية يحركها “فلسفة توريط النظام الرسمي العربي” الذي طرحته فتح في بداياتها و الذي أظهر عجز النظام الرسمي العربي في وقوفه أمام  تحويل مياه نهر الأردن  وطبريا عبر خطوط وأنابيب كبيرة إلى صحراء النقب لريها وزراعتها . وبعد هزيمة حزيران 1967 عادت حركة فتح لانطلاقة ثانية في عمليات قامت بها بالضفة الغربية ومحاولة صنع قواعد ارتكازية في بيت فوريك وقباطية ويوما بعد يوم انطلقت فصائل وطنية وبعثية وماركسية  ومن بينها جميعا برزت حركة فتح قائدة ورائدة للمشروع الوطني الفلسطيني وبرزت حركة فتح كأم للثورة وتنظيماتها وفصائلها في حين احتل المرحوم ياسر عرفات مركز القيادة والقرار في منظمة التحرير الفلسطينية وكانت معركة الكرامة 21/3/1968  خير مفصح عن انبعاث الكيانية الفلسطينية الثورية .

 

مراجع : جزب البعث العربي الاشتراكي ودوره في الحركة الوطنية الفلسطينية 1948 _ 1982

 

ا_ لموسوعة موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية تحرير  د. محمد اشتية .

 

_ وليد الخالدي كي لا ننسى .

 

_ اياد خلف ، فلسطيني بلا هوية

 

_ انظر : كتاب نصال البعث عدة أجزاء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى