أخبار كل العربالرئيسية

التسامح كأفق للتعايش والحوار -د. عماد عبد الرزاق

شارك

التسامح كأفق للتعايش و الحوار

د.عماد عبد الرازق

مما لاشك فيه أن عالمنا اليوم في أشد الحاجة إلى التسامح و التعايش الايجابي و الفعال بين جميع فئات البشر على إختلاف أديانهم و أجناسهم أكثر من أي وقت مضى، نظرا لأن التقارب بين الثقافات و التفاعل بين الحضارات يزداد يوما بعد يوم، بسبب ثورة المعلوماتية و الاتصالات و الثورة التكنولوجية التي أزالت الحواجز الزمانية و المكانية بين الأمم و الشعوب، حتى أصبح الجميع يعيشون في قرية كونية صغيرة، مما يحتم على الجميع التفاعل و التعاون من أجل حياة سعيدة آمنة، ومستقبل واعد وغد أفضل. وهذا كله لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع إلا بترسيخ قيم و مفاهيم التسامح و الحوار، وتطبيق مبدأ التعايش السلمي بين البشر على تنوعهم و اختلافهم، والتعاون فيما بينهم جميعا لخدمة الإنسانية و النهوض بها إلى مراقي التقدم، والعمل على إرساء الأمن و الأمان على وجه المعمورة، وإفشاء السلام العادل و الشامل في مختلف الميادين و المجالات، فالبشرية اليوم دمرتها الحروب، ومزقتها الطائفية و العنصرية البغيضة، وشتت شملها الصراعات، لذا هي في أمس الحاجة الى التسامح و الحوار و التعايش، لكي تتخلص من مشاكلها و أزماتها التي تعصف بها بسبب طغيان الظلم و الكراهية بين فئات البشر. ويجب أن نلفت الإنتباه أن جوهر هذا التسامح و الحوار و التعايش هو من صميم الدين الإسلامي الحنيف و غيره من الأديان، التي تدعو إلى التسامح و الحوار و التعايش مع الآخر المختلف عني دينيا و مذهبيا و عقائديا. فالتسامح يرسخ مبدأ الحوار من أجل إرساء قيم الحرية و الإخاء و المساواة. فالإسلام الحنيف يؤكد على التسامح الذي هو قاعدة راسخة و فضيلة أخلاقية و ضرورة بشرية، وسبيل لضبط الاختلافات و إداراتها. من هنا التسامح يمثل ضرورة حياتية لحل الكثير من المشاكل و الصراعات بين البشر. وإذا رجعنا إلى الوراء لإلقاء الضوء على ذلك المصطلح الذي تطرب له الآذان، وتهوى إليه الأفئدة و تتطلع إليه النفوس. نجد أنه ظهر في القرن السابع عشر و الثامن عشر في أوروبا لتفادي تداعيات الحروب و الصراعات بين المذاهب و الأديان و الاتجاهات الفكرية و الفلسفية المختلفة التي شهدتها أوروبا إبان القرون الوسطى. و أيضا من اجل التوصل إلى صيغ مناسبة تضمن حقوق الإنسان و حرية الرأي و التعبير بشكل متساوي لجميع أفراد المجتمع وذلك بعد إقصاء سلطة الكنيسة. فالتسامح يمثل موقف ايجابي من العقائد و الرؤى، بما يسمح بتعايش تلك الرؤى و الاتجاهات المختلفة دينيا و سياسيا. من هنا نشير إلى أن التسامح يعني الإعتراف بالآخر و التعايش معه على أساس حرية العقيدة و حرية التعبير. من هنا التسامح يمثل ضرورة حياتية تظل الحاجة قائمة لها ما دام هناك إنسان يمارس العنف و الإقصاء و التكفير، ويرفض التعايش السلمي مع الآخر المختلف عنه، أيا كان هذا الاختلاف سواء كان ثقافيا أو سياسيا أو دينيا أو اجتماعيا. بل الحاجة إلى التسامح تزداد مع إتساع رقعة التنوع الأثيني و الديني، من أجل امتصاص تداعيات الاحتكاك بين القوميات و الثقافات و الأديان، والخروج بها من دائرة المواجهة إلى مستوى التعايش و الانسجام. إن ما نشاهده اليوم في عالم متأزم يموج بالصراعات الفكرية و الدينية و الاجتماعية، بل بصراعات مذهبية مقيتة يكشف عن الأسس الواهية التي يقوم عليها مفهوم التسامح أو غيابه كليا. فهو في نظر الأوساط المتصارعة لا يعدو كونه قيمة أخلاقية تتحكم به المؤثرات الاجتماعية و السياسية، وهو في رأيها منة و تفضل مشروط قد ينقلب إلى ضده إذا فقد رصيده الأخلاقي، وما نحتاجه فعلا لتوطيد العلاقة بين الطوائف و القوميات مفهوم يرتكز على أسس متينة تتفادى الاحتكاك على خطوط التماس. من هنا يجب أن يكون التسامح حق لجميع الأفراد على أساس الاعتراف بالآخر، وحماية لحقوقه. حق تفرضه الحقوق المشروعة لكل إنسان في الحرية الشخصية، وحرية الإعتقاد و حرية التعبير. ويجب أن نلفت الإنتباه في هذا السياق أنه لم يبقى أمام شعوب العالم بوجه عام، والشعوب الإسلامية بوجه خاص خيار للحد من ثقافة الموت و الاحتراب و العنف و التكفير، سوى تبني قيم التسامح و العفو والمغفرة و الإخوة و الحوار و التعايش، من اجل نزع فتيل الحروب و الصراعات و التوتر، وتحويل نقاط الخلاف الى مساحة من الحوار على أساس تبني قيم مشتركة من التفاهم و الإحترام المتبادل و عدم إقصاء الآخر. وهذا من وجهة نظرنا عمل صعب و معقد يحتاج تضافر الجهود من جميع افراد المجتمع الإنساني، تضافر الخطاب الإعلامي مع الخطاب الديني لنشر قيم التسامح و الحوار و التعايش السلمي. وهذا يمثل عمل جذري يستهدف البني الفكرية و العقدية. ولا يفوتنا هنا في هذا المقام أن نطرح سؤالا مهما و محوريا وهو: هل يمكن أن نرسخ قيم التسامح و الحوار في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية؟ هل لدينا حركات فكرية حرة تؤمن إيمانا مطلقا بحرية العقيدة و الاحترام المطلق لأفكار و معتقدات الآخرين الذين يختلفون معا في العقيدة و المذهب؟ الإجابة هي أن مجتمعاتنا العربية و الإسلامية للأسف الشديد تعاني من انتشار حركات الإسلام السياسي التي لا تؤمن لا بالحوار و لا بالتسامح، كما انها ترفض فكرة التعددية الدينية و الفكرية، بل و تكفر الآخر وتدعو الى نبذه و إبعاده و إقصائه لأنه يختلف عنه فكريا و مذهبيا. من هنا ندعو و بقوة إلى توطيد و ترسيخ قيم التسامح والحوار و التعايش، لما لهم من أهمية في مختلف المجالات، و ترسيخ هذه القيم يجنب المجتمعات الصراعات و التوتر و الاضطرابات. ونشير إلى أن للتسامح قيمة سياسية تقبل الاختلاف و الجدل والحوار بدلا من الإقصاء و الإبعاد. ويمكن أن نحقق ذلك في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية من خلال تطبيق الديمقراطية في الوطن العربي، أيضا من خلال و جود التسامح الديني كما أكد على ذلك الفيلسوف الفرنسي فولتير. وهذا يتطلب إحترام الحرية في كل مجال خصوصا حرية الاعتقاد وحرية الفكر الإنساني.
إن التسامح بمختلف أبعاده يفسح المجال أمام الحوار و التعايش السلمي بين المجتمعات، و تحقق الأمم من خلاله الأمن و الأمان و الاستقرار و الرقي و السعادة. و تعيش المجتمعات في سلام و طمأنينة. و تتحقق الرفاهية في مختلف المجالات و تتقدم الشعوب.

اكاديمي مصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى