الرئيسيةكل الفنون

عزت العلايلي في أول حوار بعد الصمت الطويل : أنا ناصري لكني دخلت المعتقل على أني إخوان

شارك
  • حسين عبد القادر

  عزت العلايلى.. فنان الزمن الجميل.. تاريخ طويل من الأعمال الناجحة والهادفة التي تركت بصمة واضحة في مشوار حياته الفني فأحبه الجمهور بمختلف أجيالها، فتم تكريمه من المهرجانات الفنية العالمية والمحلية.
يعشق فترة الناصرية.. يحرص دائما على تقديم نموذج القدرة الذي يرتفع فوق المشاعر والعواطف ولعل أبرزها يوم ماتت أقرب الناس إليه الذي عاش على حبها.. شيع جنازة زوجته ثم دفنها ومن المقابر أسرع إلى المطار ليلحق بالطائرة المتجهة للجزائر حيث كان الجميع ينتظره لتكريمه وعندما شاهدوا دموعه التي لا تجف عليها وقفوا احتراما وأحنوا لهم رؤوسهم.

يقرأ حالياً عدة أعمال فنية جديدة تعود به لدنيا الفن بعد اعتزال فترة حيث يعود ثانية للمسرح بمسرحية (هولاكو) وتعرض له السينما فيلم (تراب الماس).. ويقرأ سيناريو فيلم (عودة ريا وسكينة).
يراهن العلايلي على يقظة ووعي الجيل الجديد من الفنانين وكذلك المشاهدين ولكنه يطالب بتدخل الدولة المصرية لإنقاذ السينما من عثرتها وإعادة تقديم أعمال هادفة.
‪‬ التقت كل العرب عزت العلايلى وهكذا بدأنا حوارنا..

كل العرب: شهدت فترة شبابك تجربة ربما تكون قاسية وهي دخولك السجن؛ كيف كانت ظروف سجنك؟
يسكت قليلا ليستجمع أفكاره ثم يقول :
– القصة ببساطة انه بحكم نشأتي في حي السيدة زينب الشعبي وتأثري بصفه عامة بحالة الحراك الوطني. ضد الاحتلال الانجليزي في بداية الخمسينات قبل ثورة 25 يوليو وقعت عيناي على لافتة معلقة في شرفة أحد المحامين من جيراني كان يدعي مصطفي عبد الوهاب يطلب فيها متطوعين لمحاربة الانجليز في منطقة القناة فسجلت اسمي وتم اختياري حيث سافرت الي الإسماعيلية مع افراد المقاومة وكنت اقوم بنقل السلاح للفدائيين هناك، وبعد ذلك عدنا واعتقدت ان الامر انتهي بذلك مع قيام ثورة 23 يوليو. ولكن بعد سنوات ومع وقوع حادث المنشية لاغتيال جمال عبد الناصر، تم القبض على اعضاء جماعة الإخوان ومنهم هذا المحامي وعند تفتيش مكتبه عثر علي قوائم متطوعين المقاومة وانا منهم .فاعتقدوا انني اخواني. فتم اعتقالي في سجن الهايكستب. وظللت سجينا به نحو ثلاثة اشهر حتي أامر خالد محي الدين بالإفراج عني عقب مناقشته لي في السجن وتأكد من براءتي خاصة بعد شهادة عدد من المفكرين المسجونيين معي ولكن بتهم اخرى مثل عبد الرحمن الخميسي وحسن فؤاد وغيرهم..

كل العرب: هل تأثرت سلباً بهذه التجربة؟
– ابتسم عزت العلايلي قائلا :على العكس تماماً. أولاً لأنني قدرت ظروف اعتقالي ..ثانياً التأثير كان ايجابياً للغاية بل أثرت التجربة في توجهاتي السياسية والثقافية والفكرية ؛ من خلال مناقشاتي مع رموز الفكر والثقافة المحبوسين معي …ويصمت العلايلي قبل ان يستطرد قائلا: لقد كانت تلك الفترة انطلاق الامل للشعب المصري وشرارة ثورات التحرير في كل مكان.

كل العرب: لم تلمع نجوميتك كثيرا خلال الحقبة الناصرية ورغم ذلك كنت من عشاق جمال عبدالناصر؟
ـ التجربة الناصرية بالنسبة لي هي أجمل الذكريات. لقد كانت فترة انطلاق الأمل للشعب المصري وشرارة ثورة التحرير في أفريقيا والوطن العربي وحققت الكثير من الاستقرار لمصر وباقي المنطقة.

كل العرب: ولكنك على النقيض تعلن ندمك بشدة علي مشاركتك لقاء الفنانين بالرئيس الأسبق حسنى مبارك؟
ـ بالفعل كنت نادما بشدة علي مشاركتي في هذا اللقاء حتي أنني قلت لزملائي الذين لم يتم اختيارهم للمشاركة في هذا اللقاء أنكم كنتم أوفر حظا مني.. والسبب أن اللقاء الذي دعا إليه مبارك كان بغرض سياسي وشخصي بالمرة وهي عملية تجميل لصورته أمام المجتمع عكس ما أعلن أنه بغرض إصلاح الفن ودعمه.

كل العرب: كيف عمل ابنك بالسياسة وأنت فنان ألم تخش عليه من التجربة؟
ـ بالطبع لا.. لأني في الأساس صاحب جذور سياسية في العمل العام فأنا ناصري من الحزب الناصري ومؤمن لدرجة العشق بهذه المرحلة خاصة وأنني كنت أمين القيادة الجماعية السياسية لمؤسسة المسرح وكانت لي آرائي ومسؤولياتي السياسية. وكثيرا ما كان لي مواقف بين القيادة السياسية (الاتحاد الاشتراكي) والقاعدة الفنية كنا نرصد أية معوقات ونحلها لمصلحة العمل المسرحي.
كل العرب: هل حاولت التدخل في مساره السياسي؟
ـ إطلاقا هو له شخصيته المستقلة ويمتلك انعكاساته وله رؤياه التي احترمها وما بيننا بعض المناقشات كي يصوب خلالها خطواته في العمل السياسي كرئيس حزب؟

كل العرب: قضيت فترة ليست قصيرة بعيداً عن العمل هل شعرت وقتها بأي نوع من الندم لما قدمته في فترة ما؟
ـ إطلاقاً كان ابتعادي نوع من محاولة الاستراحة للتفكير والتأمل خاصة أنني مررت بتجربة شخصية قاسية وهو فراق زوجتي أهم شيء في حياتي.. ولكن أؤكد لك احترامي واعتزازي بكل عمل قدمته فليس في أرشيفي ما يدفعني للندم خاصة وأنني كنت اختار أعمالي بعناية وبما يحقق كل ما هو هادف اجتماعياً وإنسانياً.. وفي سبيل ذلك رفضت أعمال كثيرة كان رأيي فيها أنها بلا أي فائدة وإنما يمكن أن تلحق الضرر بالمجتمع وتسيئ لمشواري الفني وهذه النوعية كانت في مرحلة الاضطرار ولكني شخصيا لم أقع تحت حكم المضطر خاصة وأن قناعتي ووجهة نظري أن العمل الهادف يخلد صاحبه بعد وفاته.

كل العرب: هل تأثرت بموت زوجتك؟
ـ يكفي أن أقول لك إنها كانت كل شىء في حياتي لم أعرف عن مشاكل الحياة ومعوقاتها إلا بعد وفاتها كانت الأم والأخت والصديقة تتولى كل لحظات يومي وترتيب الأعمال.. ولا أعرف الحياة إلا من خلالها.. وانقطع الحديث فقد استغرق عزت في بكاء صامت لتبلل دموعه أسفل عينيه.

كل العرب: وما هي علاقتك بأحفادك؟
ـ ربما هم النعمة التي عوضني بها الله عن فراق زوجتي رغم أنني لا أراهم كثيراً فالكل مشغول بدراسته وحياته ولكنهم حريصين علي التواصل معى. ويوم حضور أي أحد منهم يأتي بما أحبه من فواكه أو مأكولات وأطعمة ونمضي الوقت في قفشات وضحك ,لدي عادل ابن نجلتي رحاب وهو الآن مهندس شاب تخرج بامتياز هذا العام وقد حضرت حفل تخرجه ومن أحفادي مريم ابنة محمود وهي حاصلة على الدكتوراه في العلوم السياسية والاقتصادية من جامعة السوربون بفرنسا.

كل العرب: رغم عشقك للفن منذ طفولتك إلا أنك لم تمارسه بعد تخرجك من معهد الفنون المسرحية إلا بعد سنوات.. لماذا؟
ـ ببساطة كنت أمام اختبار إنساني وأخلاقي خاص بالعائلة وكان لابد من اجتيازه كما تربيت وسط عائلتي.. فقد مات والدي وفوجئت بأنني أصبحت مسئول عن رعاية وتربية ٤ أشقاء فالتحقت بوظيفة مضمونة الدخل للإنفاق علي الأسرة.. حيث تم تعييني في التلفزيون كمعد برامج. وبعد ذلك جاءت أول أعمالي السينمائية من خلال فيلم (رسالة مجهولة) عام ١٩٦٢.

كل العرب: دائما ما تعرب عن فخرك وسعادتك بالمشاركة في الأعمال الوطنية مثل بئر الخيانة والطريق إلى إيلات؟
ـ أنا سعيد بكل أعمالي.. ولكن الأفلام الوطنية لها طعم ومذاق خاص محبب إلى قلبي تضفي علي بمشاعر الرضا باعتباري كفنان قدمت شيء مهم للوطن فهذه الأعمال تحمل أهداف وطنية وتعبر عن بطولات الشعب المصري.. إنها رسائل لإيقاظ الوجدان والشعور بالانتماء بفخر لهذا الوطن داخل كل الأجيال بجميع شرائحها.

كل العرب: ولكن مثل هذه الأعمال اختفت مؤخرا من خريطة العمل الفني؟
ـ هذا أمر مؤسف وسبب للشعور بالحزن ولكن السبب الحقيقي يرجع إلى التكلفة الباهظة الخاصة بإنتاج الأفلاح التاريخية والعسكرية ولذلك يحجم المنتجون عن إنتاجها. وهنا دور مهم للدولة وجميع المشاركين في الفيلم حتي تنخفض التكاليف بقدر المستطاع فأنا عن نفسي وفي فيلم (الطريق إلى إيلات) ولإيماني بالدور الوطني للفيلم ورغم الجهد الشاق الذي بذلته فلم اتقاضى سوي ٢٣ ألف جنيه رغم بطولتي للفيلم وكان هذا مقابل زهيد في ذلك الوقت تضامنا مني مع إنتاج الفيلم ويخرج للنور بأقل تكلفة.

كل العرب: معروف أنك لا تقدم عمل إلا إذا أقنعت بفكرته هل هذا ينطبق علي دورك في الجزء الأول من مسلسل (الجماعة)؟
ـ بالطبع، خاصة وأنني كفنان مسئول أمام الشعب يتبادر داخلي سؤال هل أضيف له بعملي أم انتقص من الحقيقة، والذي يؤكد قناعتي بموضوع المسلسل هو خروجي مع زملائي الفنانين معترضا على حكم الجماعة في ٣٠ يونيو. وعموما وحيد حامد كتب المسلسل بحيث قدم الجماعة بطريقة تعكس واقع سياسي موجود في البلاد والمسلسل يحكي واقع صميم من المجتمع المصري ودوري الذي قمت به كقاضي يحاكم الجماعة دور محل فخر واعتزاز لي.

كل العرب: هل وحشتك السينما؟
ـ ياه طبعا. طبعا.. ولكن رغم ذلك لن أقبل بأي عمل أعود به إليها هناك أوراق كثيرة أحاول قراءتها في هدوء لاختيار إحداها، منها فيلم (البحث عن ريا وسكينة) وهو يبحث عن رؤية جديدة للفكرة ودوري في هذا الفيلم هو شخصية رجل عاش هذه الفترة حيث يرصد كل ما دار وقتها ويتعلق بالسياسة والأدب والفيلم من إخراج عبدالقادر الأطرش وسيناريو وحوار أحمد عاشور.

كل العرب: كل من يتعامل معك من المنتجين والمخرجين يدرك جيدا أنك تحدد معايير ثابتة شرط لقبول أي عمل؟
ـ نعم، لابد أن يكون العمل هو ظل المجتمع الذي أعيشه فيمثل بحق عجينتي المصرية وليست به روح أجنبية. وأن يكون هذا العمل إضافة لتاريخي ولبلدي والطينة المصرية..
طلبت من عزت العلايلي أن نبتعد عن الفن ونقترب من حياته الشخصية..

كل العرب: بالمناسبة لماذا تراجعت السينما المصرية وهذا يتضح في نوعية الأفلام المميزة لهذه الفترة الأخيرة؟
ـ أقولها بصراحة لأن الدولة رفعت يدها ولم تعد تتدخل كما فعلت من قبل في فترات سابقة حيث قدمت أعمال ذات قيمة.. وأعتقد أن الحل يمكن علي يد رجال أعمال بنفس قيمة فكر وعطاء طلعت حرب مؤسس السينما المصرية.

كل العرب: ولكنك تعود بفيلم (تراب الماس) بعد فترة توقف طويلة فهل تختلف طبيعة الفيلم عن النوعية الحالية؟
ـ نعم هو فيلم متميز يحمل نوعية من الغموض والفلسفة والإثارة وفيه كل مقومات النجاح من سيناريو محكم وبناء قوي للأحداث إلى جانب الإنتاج المثمر واختيار منة شلبي وآسر ياسين للمشاركة في الفيلم جاء اختيار موفق للغاية خاصة وأن الفيلم يوجه رسائل مهمة للمشاهد بعيداً عن مشاهد الإسفاف والابتذال في إطار اجتماعي مملوء بالتشويق.

كل العرب: ما هو موضوع الفيلم؟
ـ تدر أحداث الفيلم حول الشاب طه الذي يعيش حياة باهتة كمندوب لأحد شركات الأدوية ونجح بأسلوبه وشخصيته في اجتذاب اهتمام واحترام أصحاب الشركات التي يتعامل معها ولكن يصطدم بواقع مرير عقب وقوع جريمة قتل غامضة فتنهار الصورة المثالية في نظره ليكتشف عالم آخر أكثر غموضا هو الطريق إلى الفساد والجريمة.

كل العرب: ولكن كيف تقبل هذا الدور الصغير بما لا يليق بتاريخك الفني الطويل؟
ـ أنا سعيد جدا بهذا الدور.. لا يهم الفنان الحقيقي حجم الدور ولكن الأهم ما هو التأثير على المتلقي فهناك من الفنانين العالميين من استحق الأوسكار على دور أصغر من دور في فيلم (تراب الماس) بكثير. خاصة وأن هذا الفيلم قائم على العمل الجماعي ويعكس صورة المجتمع المصري في زمن ما ومكان ما.. المهم أن يكون دوري ولو كلمة واحدة لها قيمة أهم من بطولة فيلم كامل بدون أي قيمة أو تأثير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى