قابس تختنق من جديد: تسرّب غازات سامة تعيد الجدل حول المجمع الكيميائي، ومسيرة احتجاجية تطالب بالحل

قابس تختنق من جديد: تسرّب غازات سامة تعيد الجدل حول المجمع الكيميائي، ومسيرة احتجاجية تطالب بالحل
أ. رجاء السنوسي
استيقظت مدينة قابس على وقع حادثة بيئية جديدة، إذ تم نقل 32 تلميذًا من المدرسة الإعدادية شطّ السلام إلى المستشفى الجامعي بقابس ومستشفى شنني الاستعجالي، بعد تعرّضهم لحالات اختناق يُرجّح أن سببها تسرّب غازات سامة صادرة عن المجمع الكيميائي بالجهة.
الحادثة أثارت حالة من الفزع بين التلاميذ والأولياء بينما سارع عدد من الأهالي إلى غلق الطرق المؤدية إلى المجمع احتجاجًا على تكرار هذه الظاهرة التي باتت تهدّد حياة السكان وخاصة الأطفال.
تأتي هذه الواقعة للمرة الثانية في أقل من شهر ما جعل أصوات الأهالي ترتفع مجددًا للمطالبة بإيجاد حل جذري لما وصفوه بـ”الخطر الصامت” الذي يخنق المدينة منذ سنوات.
وفي مفارقة لافتة، تزامنت الحادثة مع مسيرة شعبية نظّمت اليوم في قابس تحت شعار “قابس تحب تتنفس” دعى إليها ناشطون بيئيون ومنظمات مدنية، للتنديد بتواصل التلوث المنبعث من المجمع الكيميائي والمطالبة بإغلاق الوحدات الملوِّثة أو نقلها بعيدًا عن المناطق السكنية.
شارك في المسيرة عدد كبير من المواطنين، من مختلف الأعمار، رافعين شعارات تؤكد على الحق في بيئة سليمة وهواء نقي، ومنددين بما وصفوه بـ”التقاعس الرسمي” في مواجهة الأضرار الصحية والبيئية المتراكمة. وقد رافقت المسيرة دعوات إلى فتح تحقيق فوري في الحادثة الأخيرة، وتحديد نوع الغازات المتسربة ومدى خطورتها على صحة التلاميذ والسكان.
من جهتها، أكدت مصادر طبية أن حالات التلاميذ المستشفى لم تسجّل إصابات خطيرة، لكن عدداً منهم ما زال تحت المراقبة الطبية. فيما طالبت جمعيات المجتمع المدني في بياناتها بـ”شفافية المعلومات” حول طبيعة الحادث وأسبابه، وتفعيل الرقابة البيئية على المجمعات الصناعية.
يُذكر أن ولاية قابس لطالما مثّلت نقطة توتّر بيئي بسبب موقع المجمع الكيميائي الذي يُعتبر من أكبر المنشآت الصناعية في البلاد، حيث تتكرر فيه الانبعاثات الغازية والمخلفات السامة التي تطال الهواء والمياه الجوفية والبحر على حدّ سواء وقد نبهت عدة تقارير بيئية سابقة إلى ارتفاع نسب أمراض الجهاز التنفسي والحساسية في المنطقة مقارنة بغيرها من الولايات.
قابس، التي كانت تُعرف بجمالها الطبيعي وتنوّعها البيئي باتت اليوم مدينة تختنق تحت وطأة التلوث الصناعي لم يعد المشهد كما كان ولم يعد نسيمها العليل يحمل نكهة الحياة، بل أصبح مشوبًا برائحة المواد الكيميائية والقلق المستمر.
ورغم التحركات والاحتجاجات المتكررة، لا تزال الوعود الرسمية بإيجاد حلول بيئية جذرية تراوح مكانها، فيما يزداد شعور الأهالي بأن مدينتهم تُترك لتواجه مصيرها وحدها.
ما حدث في شطّ السلام ليس حادثًا معزولًا، بل حلقة جديدة في سلسلة أزمات بيئية مزمنة تهدد قابس منذ عقود وبين صرخات الأهالي ومسيرات الغضب، تظل المطالبة الأساسية واحدة:
أن تتنفس قابس من جديد.