مقالات كل العرب

السودان: غياب مشروع الدولة

شارك

السودان: غياب مشروع الدولة

أ.كمال أشواك

ما زالت الساحة السياسية السودانية تعيش نفس حالة التوهان التي ورثتها من النادي السياسي القديم الذي لم يفلح في انتاج مشروع و رؤية وطنية تستوعب كل الفسيفساء السودانية بتنوعها الإثني والثقافي الواسع ، وغياب المشروع الوطني الذي كان يفترض أن يؤسس لدولة المواطنة المحصنة بسياج الحرية والعدالة نتج عنه كل حالات الاحتراب التي حدثت وما زالت تحدث بين أبناء الوطن الواحد .
هذه الأزمة ليست مجرد أزمة هامش ومركز ، ما حدث في السودان من تطور دراماتيكي في 15أبريل 2023م انتهى بنا إلى أزمة سياسية عميقة وزاد من حالة الإرباك الموجودة في دولة ما بعد الاستقلال .
15 أبريل ليس مجرد يوم عابر في تاريخ السودان ؛ بل هو مؤشر على أزمة عميقة اجتاحت المشهد السياسي السوداني ؛ هذا الاجتياح كشف عن عورات النادي السياسي السوداني من ناحية هشاشة الأطروحات وعدم الاتساق بين ما تطرحه هذه القوى السياسية وما تمارسه على الأرض هذا التناقص فيه سقوط قيمي من قبل معظم التيارات السياسية السودانية ؛ وأكثر ما يبرز هذا في حالة التشاكس بين الأحزاب السياسية المعارضة ؛ لهذا تنعدم حالة التوافق على رؤية أو إستراتيجية ويصعب تحديد أولويات وطنية واضحة أو بناء توافق حول الأهداف الإستراتيجية .
–  إن عملية الإنتقال إلى مشروع الدولة الوطنية المحصن بمفاهيم الحرية والعدالة يبدأ من التأسيس لممارسة حقيقية داخل دور هذه الأحزاب السياسية فالمرض العام في شكل الدولة هو نتاج حالة الفصام والغش السياسي الذي مارسته كل هذه القوى السياسية بمختلف توجهاتها . لأن عودة التنسيق السياسي الفعال مرتبط بخلق حالة من التعافي السياسي وسط هذه الأجسام . و إلا ستظل الفجوة حاضرة بين ما يتم الإعلان عنه كأهداف سياسية وما يتم تحقيقه على أرض الواقع . عليه تظل عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلى عملية اتساق سياسي بين الأطروحات والممارسة – وبالرغم من أن مفهوم الديمقراطية في السودان مفهوم تعرض لكثير من التشوهات وهو مفهوم غير راسخ بشكل كاف في تربة النادي السياسي السوداني ، والشاهد على هذا الحديث ” كثير من الانقلابات العسكرية تتم عبر ضباط منتمين لهذه الأجسام السياسية بمختلف توجهاتها ” ومن ثم تتم عملية شرعنة للانقلابات . حدث هذا من قبل أحزاب تاريخية ومعروفة على سبيل المثال تجربة الجبهة الإسلامية وهي تعتبر النموذج الإسلامي الأسوأ في المنطقة العربية والافريقية إضافة إلى الأحزاب التي باركت إنقلاب 25 أكتوبر الأخير .
القوى السياسية في السودان ظلت تظهر الخطاب الديمقراطي وتتبناه نظرياً لكن عملياً هي أول من تنقلب عليه .
– الأزمة في السودان ليست مسألة صراع مناطقي ، جذر المشكلة اجتماعي اقتصادي وثقافي عميق ولا يمكن حل هذا الاشكال إلا عبر مشروع وطني ورؤية توافقية حول مفهوم الدولة.
– الحرب التى تدور الآن تدار من قبل محاور إقليمية وهو صراع حول البحر الأحمر وموارد هذا البلد .
– هذه الدول وفي سبيل تمدد نفوذها ظلت تقدم الدعم اللوجستي بحسب الجهة التى تحقق لها مصالحها ، هذا هو المعنى الجوهري للحرب الدائرة الآن وما بقية الاشكالات إلا تمظهرات قديمة تجددت الآن نتيجة لاستمرار غياب المشروع الوطني منذ الاستقلال وحتى اللحظة .
– الواقع الحالي لا يمكن اختزاله في صراع هامش ومركز لأن خطاب الهامش والمركز على موضوعية بعض نقاطه أصبح باب للمتاجرة ، يتم إستخدامه من قبل مجموعة من الساسة الانتهازييين المنتمين لمناطق الهامش وهم من صنيعة نخب المركز القابض ، و دونكم نظام الجبهة الإسلامية الذي كان جزءاً من التشكيل السياسي كُرّس للظلم والفساد والمحسوبية عبر السماح بالمشاركة لأفراد من جميع أنحاء البلاد ليس ضمن مشروع حقيقي وحكم راشد وتنوع مطلوب ، بل كانت على محاصصات سخيفة لإسكات القبائل و المجتمعات البسيطة حتى لا تبارح مربعات الجهل والفقر والمرض .
–  المصطلح الرائج الآن تحت مسمى “دولة 56” حقيقة هو إنعكاس واضح لغياب المشروع الوطني وتوارث حالة التوهان ، وزاد الأمر تعقيداً بهذه الحرب لأنها حملت نكهات عنصرية ظاهرة وإتسعت مساحات الغبن الإجتماعي . متى يستقيم وعي القوي السياسية المتشاكسة وتصلح من واقعها الداخلي أولا قبل أن تعود إلى الشوارع التي لا تخون؟!! فالعسكر هم العسكر لغتهم القمع والانقلابات ، لا فرق في هذا بين “البرهان” وصديقه “حميدتي” .

كاتب سياسي _المانيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى