مقالات كل العرب

هل يشكّل مفاعل بوشهر النووي خطرا إشعاعيًا على منطقة الخليج؟ الحقيقة التي يجب أن يعرفها أهل الخليج

شارك

هل يشكّل مفاعل بوشهر النووي خطرًا إشعاعيًا على منطقة الخليج؟
الحقيقة التي يجب أن يعرفها اهل الخليج

د. محمد بن احمد المرواني

في ظل التوترات المتصاعدة و الحرب بين إسرائيل وإيران، وما يصاحبها من ضربات متبادلة تتكون بسببها مخاوف إقليمية متنامية، بدأ يتردّد سؤال في الشارع الخليجي، ويتصدر عناوين النقاش في مواقع التواصل الاجتماعي: هل مفاعل بوشهر الإيراني يُهدد منطقة الخليج بتسرب إشعاعي إذا ما تطورت المواجهة؟

هذا السؤال الذي يبدو للوهلة الأولى مقلقًا ومشروعًا، خصوصًا بالنظر إلى موقع المفاعل على الساحل الإيراني المقابل لدول الخليج، يحتاج إلى تفكيك علمي دقيق، يضع المخاوف في موضعها الصحيح، ويزيل الالتباسات المتداولة في الفضاء الرقمي.

بدايةً، يجب التأكيد على أن مفاعل بوشهر هو مفاعل مدني لتوليد الطاقة الكهربائية، وليس منشأة نووية عسكرية بأي شكل من الأشكال. تم تشييده وتشغيله بإشراف مباشر من الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA)، وهي الجهة الأممية المعنية بمتابعة أي نشاط نووي حول العالم، وضمان أنه لا يخرج عن إطار الاستخدام السلمي للطاقة.

المفاعل يُدار من قبل شركة “روساتوم” الروسية، التي تزود إيران بالوقود النووي المستخدم فيه، وهو يورانيوم منخفض التخصيب بنسبة لا تتجاوز 3.67%، وهي النسبة المسموح بها دوليًا لتشغيل مفاعلات الطاقة، ولا تصلح بأي حال لإنتاج قنبلة نووية. وبعد انتهاء دورة الوقود، يتم إعادة النفايات المشعة الناتجة إلى روسيا، بموجب اتفاق تقني طويل الأمد. أي أن إيران لا تخزّن نفايات نووية عالية الخطورة في هذا الموقع، ولا تمتلك القدرة من خلال هذا المفاعل على تخصيب اليورانيوم أو تصنيع مواد تدخل في تسليح نووي.

أما من حيث الأهمية العسكرية، فلا تُدرج إسرائيل مفاعل بوشهر ضمن قائمة أهدافها ذات الأولوية. فهو ليس منشأة أبحاث، ولا يحتوي على أجهزة طرد مركزي، كما أن موقعه الجغرافي البعيد – إذ يبعد أكثر من 1,800 كيلومتر عن أقرب قاعدة جوية إسرائيلية – يجعل الوصول إليه معقدًا ومكلفًا من الناحية العملياتية، مقارنة بمواقع أخرى أكثر حساسية مثل نطنز وفوردو وأصفهان، وهي التي تتركز فيها بالفعل أنشطة التخصيب والتطوير.

ومع أن القلق الشعبي في الخليج مفهوم في ظل اشتداد وتيرة الحرب، فإن البيئة الإقليمية العلمية والعملياتية لا تشير إلى وجود تهديد إشعاعي حقيقي. فالمفاعل بُني وفق معايير أمان دولية، ويخضع لمراقبة تقنية متقدمة، وتُجرى عليه عمليات تفتيش دورية من قبل فرق الوكالة الدولية. وحتى في أسوأ الفرضيات – كوقوع حادث عرضي – فإن أنظمة الأمان والتبريد مُصممة لتقليل أي احتمالية تسرب، ناهيك عن أن اتجاهات الرياح الموسمية في المنطقة غالبًا ما تدفع الغبار والهواء من البحر إلى اليابسة، وليس العكس، ما يحد من احتمالية انتقال أي تلوث نحو دول الخليج.

ما ينبغي الحذر منه في مثل هذه الأوقات ليس التلوث الإشعاعي، بل التلوث المعلوماتي. فالإشاعات والمبالغات تسبق الحقائق بخطوات، وتنتشر دون تحقق علمي. والخلط بين مصطلحات مثل “مفاعل نووي” و”سلاح نووي” في الأذهان العامة يفتح الباب أمام موجات من الذعر لا مبرر لها.

خلاصة القول: مفاعل بوشهر لا يشكّل خطرًا إشعاعيًا على منطقة الخليج. ليس لأنه بعيد جغرافيًا فحسب، بل لأنه خاضع لإشراف دولي دقيق، ويعمل ضمن نطاق الاستخدام السلمي للطاقة، ولا يمثل هدفًا عسكريًا مباشرًا لأي من أطراف النزاع. وما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى هو المعلومة الدقيقة، والوعي العلمي، ومقاومة الانجرار وراء العناوين المثيرة دون سند.

في زمن الحروب، تبقى الحقيقة سلاحًا لا غنى عنه… فلنتمسك بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى