مقالات كل العرب

زيارة تونس 2025: المسرح العربي الفلسطيني يعمق حضوره في المشهد الثقافي التونسي

زيارة تونس 2025: المسرح العربي الفلسطيني يعمّق حضوره في المشهد الثقافي التونسي

أ. رجاء السنوسي

لم تكن زيارة وفد المسرح العربي – فلسطين إلى تونس في ديسمبر 2025 مجرد مشاركة بروتوكولية في تظاهرة ثقافية دولية، بل شكّلت محطة مفصلية لإعادة تثبيت الحضور الثقافي الفلسطيني داخل الفضاء الإبداعي التونسي، وفتح آفاق تعاون مؤسسي وفني مع عدد من أبرز الفاعلين الثقافيين في البلاد.

بدعوة من إدارة مهرجان قرطاج السينمائي الدولي، شارك مدير المسرح العربي، محمد صالح إغبارية، مرفوقًا بالمنتج علي عباسي، في فعاليات الدورة السادسة والثلاثين للمهرجان، التي احتضنتها العاصمة تونس خلال الفترة من 13 إلى 20 ديسمبر 2025. وقد حملت المشاركة أبعادًا تتجاوز الحدث السينمائي ذاته، مؤكدةً تلاقي المسرح والسينما في مشروع ثقافي عربي مشترك.

من قرطاج السينمائي إلى قرطاج المسرحي

أتاح حضور وفد المسرح العربي في حفل افتتاح مهرجان قرطاج السينمائي، أحد أعرق المهرجانات العربية والإفريقية، فرصة ثمينة للتواصل مع نخبة من صنّاع السينما والمسرح من مختلف البلدان، وأسهم في تعزيز موقع المسرح العربي الفلسطيني داخل فضاء ثقافي عربي مركزي لطالما لعب دورًا رياديًا في احتضان القضايا الثقافية والإنسانية.

لكن البعد الأبرز للزيارة تمثل في سلسلة اللقاءات المؤسسية التي أجراها الوفد مع عدد من الهياكل الثقافية التونسية، في مقدمتها مدينة الثقافة، الأوبرا التونسية، المسرح البلدي، المسرح الوطني التونسي، إضافة إلى إدارة مهرجان قرطاج الدولي. وكشفت هذه اللقاءات عن تقاطع في الرؤى حول أهمية الإنتاج المشترك، وتبادل التجارب، وفتح المسارح التونسية أمام العروض الفلسطينية.

تونس… تجربة مسرحية ملهمة

أكد مدير المسرح العربي في تصريحات إعلامية أن تونس تمثل إحدى أهم المدارس المسرحية في العالم العربي، سواء على مستوى التكوين أو التجريب أو علاقة المسرح بالفضاء العام. ومن هذا المنطلق، تسعى إدارة المسرح العربي إلى تحويل هذا الاطلاع المعرفي إلى مشاريع ملموسة، من خلال إنتاجات مشتركة، وإقامة عروض فلسطينية في تونس، وترشيح أعمال للمشاركة في الدورة القادمة من مهرجان قرطاج المسرحي 2026.

هذا التوجه يعكس وعيًا متزايدًا بدور المسرح بوصفه فعل مقاومة ثقافية ومساحة حوار عابرة للحدود، لا سيما في السياق الفلسطيني، حيث تظل الثقافة إحدى أدوات الحفاظ على الذاكرة والهوية.

حضور يتحدى الغياب القسري

تكتسب زيارة 2025 دلالتها الرمزية من كونها تأتي بعد غياب اضطراري للمسرح العربي عن مهرجان قرطاج المسرحي في 2023، رغم توجيه دعوة رسمية للمشاركة آنذاك بسبب اندلاع الحرب على غزة. إن عودة الوفد اليوم إلى تونس تحمل رسالة واضحة مفادها أن الثقافة الفلسطينية قادرة على استعادة حضورها، وبناء الجسور، ومواصلة الحوار مهما اشتدت الظروف.

الثقافة كجسر عربي مشترك

تكشف هذه الزيارة عن قناعة مشتركة لدى الطرفين التونسي والفلسطيني بأن التعاون الثقافي لم يعد ترفًا، بل ضرورة ملحّة في ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها العالم العربي. فقرطاج، بتاريخها ومكانتها، تظل بوابة عربية كبرى للإبداع، فيما يشكّل المسرح العربي الفلسطيني صوتًا إنسانيًا يسعى إلى إيصال روايته بلغة الفن.
ختاما ، تضع زيارة تونس 2025 أسس مرحلة جديدة من الشراكة الثقافية الفلسطينية–التونسية، قوامها الإنتاج المشترك، والانفتاح المتبادل، والإيمان بأن المسرح، في جوهره، مساحة لقاء وحوار قبل أن يكون مجرد عرض على خشبة المسرح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى