مقالات كل العرب

موسم الندوات يحل في باريس.. الدوحة تمد جسر الحوار الثقافي العربي- الأوروبي

موسم الندوات يحلّ في باريس… الدوحة تمدّ جسر الحوار الثقافي العربي–الأوروبي

أ. فائزة مصطفى

اكتظّت القاعة الرئيسية في معهد العالم العربي بحضور كبير ضمّ نخبة من الأدباء والباحثين والإعلاميين والدبلوماسيين الفرنسيين والعرب، وتقدّم الحاضرين سعادة الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني، وزير الثقافة القطري، ورئيس المعهد والوزير الفرنسي الأسبق جاك لانغ. وفي أجواء أضفت عليها هندسة أحد أبرز المعالم الثقافية في عاصمة الأنوار مزيدًا من الجمال، نُظّمت النسخة الرابعة من “موسم الندوات” بصورة استثنائية، والتي لم تُعزّز فعالياتها الروابط بين الشرق والغرب فحسب، بل فتحت آفاقًا جديدة للتعاون بين الدوحة وباريس، كما شكّل الحدث مناسبة لتأكيد الحضور الفاعل والمتنامي لدولة قطر على الساحة العالمية.

 

أكبر صرح ثقافي فرنسي يفتح أبوابه للمثقفين القطريين
ضمن تنظيمٍ محكمٍ وبرنامجٍ ثري، افتتح السيد جاك لانغ، رئيس المعهد، الفعالية، حيث قدّم كلمةً أشاد فيها بدور الفكر في إرساء السلام، ضاربًا المثل بدور قطر الكبير في الوساطات الدولية لتحقيق السلام العالمي، في إشارةٍ إلى جهودها من أجل وقف الحرب في غزة. كما أشاد بنجاح “موسم الندوات”، معتبرًا إياه فكرةً ومنصّةً إبداعيةً مهمةً للحوار والتواصل الثقافي بين الشعوب. وعلى هامش الجلسات الفكرية قال: “إن هذا المؤتمر يمثل نجاحًا كبيرًا من حيث عدد المشاركين ومستواه الرفيع والمواضيع التي طُرحت”، كما عبّر عن فخر مؤسسته باستضافة الحدث، داعيًا إلى المواظبة على تنظيم مثل هذه الندوات بشكلٍ دائم بين البلدين ودول أخرى بنفس المستوى والجودة والتنوع، تجمع كبار المفكرين والمثقفين من مختلف الجنسيات. وأضاف: “أنا متحمس جدًا لهذه الفكرة، وأدعو أصدقاءنا في قطر إلى التفكير في تطويرها.”


أما الشاعر ومدير المعهد شوقي عبد الأمير، فأثنى على ما امتازت به هذه النسخة من “موسم الندوات” من حيث مستوى التمثيل، مما يؤكد تحولها إلى فعلٍ ثقافيٍ تأسيسيٍ ونوعي، سواء من خلال المحاضرات وعناوينها المختلفة أو الأسماء المشاركة فيها.
وفي كلمته، أوضح سعادة الدكتور غانم بن مبارك العلي، وكيل وزارة الثقافة، أن النسخة الرابعة من هذه الفعالية، التي نُظّمت لأول مرة خارج قطر، تؤكد حرص وزارة الثقافة في بلاده على أن يكون الموسم فضاءً للحوار الممتد بين النخب الثقافية، وهو ما يلخص الدور العميق وأهمية الثقافة. مشيرًا إلى أن تنظيم “موسم الندوات” في معهد العالم العربي بباريس يفتح نافذةً جديدةً للتلاقي والإبداع بين الشرق والغرب، ويرسّخ الاعتراف المتبادل بالخصوصيات الثقافية. وقال خلال كلمته: “نأمل أن يكون هذا الموسم خطوةً جديدة في مسيرة التعاون الثقافي.” وأضاف مؤكّدًا أن التعاون مع المعهد يُجسّد هذا المعنى، قائلاً: “الغاية الأسمى هي إقامة جسور التواصل مع المفكرين والمثقفين، ضمن منهج الدبلوماسية الثقافية التي تعكس مكانة دولة قطر إقليميًا وعالميًا.”


وفي كلمةٍ لسعادة الشيخ علي بن جاسم آل ثاني، سفير دولة قطر لدى فرنسا، شدّد فيها على أن زيارة سعادة وزير الثقافة تعزّز أجواء الحوار الثقافي، الذي جسّده هذه المرة “موسم الندوات”، منوّهًا إلى أن أهم وأكبر مؤسسة تُعنى بالثقافة العربية في فرنسا وأوروبا هي المنبر المثالي لبناء جسور التواصل، مشيدًا بالدور الذي تلعبه الدبلوماسية الثقافية بين البلدين.
من الدوحة إلى باريس… تعزيز الحوار الحضاري بين الثقافات
على مدار نحو ثلاث ساعات، تناوب الأكاديميون والأدباء على الحديث عن أهمية التواصل الثقافي بين الشرق والغرب، في محاولةٍ للتخلص من الصور النمطية، وخلق جسورٍ جديدة بين الأجيال. وانقسمت الندوة إلى جلستين، حملت الأولى عنوان: “مستقبل الحوار الثقافي العربي–الأوروبي”، حيث تناول الدكتور حسن راشد الدرهم العوائق التي تواجه هذا الحوار، مشيرًا إلى ضرورة تطوير أشكاله الحالية والانتقال به نقلةً نوعية، إضافةً إلى تعميق الاشتغال النقدي داخل الثقافتين الغربية والعربية من أجل الاعتراف المتبادل بالاختلافات، مشدّدًا على دور المؤسسات المعرفية والثقافية في توسيع مجالات التبادل بين المنطقتين لتشمل مجالات فنية وجمالية وغيرها. وقدّم الباحث والرئيس السابق لجامعة قطر ورقة عمل مفصلة حول ماهية الحوار ومستقبله، داعيًا إلى تحرير المستقبل من التشويهات التي علقت بالعلاقة بين الشرق والغرب، والبحث عن نمطٍ جديدٍ لها بعيدًا عن الهيمنة.
وتحدثت الأكاديمية الفرنسية بينيديكت ليتلييه، أستاذة الأدب المقارن بجامعة لارينيون، عن دور اللغة العربية وترجمة الأعمال الأدبية إلى هذه اللغة، لما تحمله من قيمٍ فلسفيةٍ وفكريةٍ قادرةٍ على تعزيز التواصل بين الثقافتين. كما دعت إلى إشراك الشباب الفرنسي في البرامج الثقافية العربية، ودعم تدريس لغة الضاد، وإزالة الحواجز اللغوية والثقافية بين الأجيال الجديدة في المنطقتين.
دعوة لرؤية قطر بعيون معهد العالم العربي
تحدث سعادة الأكاديمي والدبلوماسي القطري علي زينل عن سبعة مقومات أساسية لإقامة حوارٍ عربي–أوروبي قابلٍ للاستمرار، من أبرزها الحوار المتبادل، والاحترام، والندية، والتوازن، والانفتاح، والتسامح، والدعم المؤسسي، والإعلام، والتركيز على القيم المشتركة. كما ركّز على الدور المميز للمرأة القطرية، مؤكدًا أنها تبوأت مكانة تليق بها في المجتمع إذ تقلدت مناصب مهمة في مختلف القطاعات. وانتقد الممثل الدائم السابق لدولة قطر لدى منظمة اليونسكو (2001–2020) الصورة النمطية التي روّج لها الإعلام والأفلام الغربية عن العرب، كما انتقد المواقف السلبية للإعلام الغربي تجاه تنظيم قطر لمونديال 2022، مشيرًا إلى أن تلك المواقف تستند إلى مفاهيم خاطئة يجب تصحيحها. ودعا الحاضرين إلى التعرف أكثر على بلاده، مثنيًا على الاطلاع الواسع الذي يتمتع به مدير المعهد جاك لانغ على ثقافة ومعالم وتراث هذه الدولة الخليجية.
وتطرّق البروفيسور جان باتيست برينيه، الباحث في العصور الوسطى وأستاذ الفلسفة العربية في جامعة باريس، إلى الصورة المشوّهة تاريخيًا عن العرب في المخيال الغربي، مرجعًا ذلك إلى اعتقاد الأوروبيين، ولأسباب متعددة، أن الثقافة العربية تقع خارج قارّتهم، في حين يُثبت التاريخ أنها جزء من عمقها الثقافي.
أما الجلسة الثانية، فتناولت موضوع “الثقافة العربية في العواصم الأوروبية: التفاعلات والإبداع”، حيث أكدت الأكاديمية القطرية الدكتورة العنود عبد الله آل خليفة أن الحضور الخليجي في الفضاء الثقافي الفرنسي يعمل كآليةٍ لإعادة تركيب الصور وإنتاج سردياتٍ بديلةٍ قادرةٍ على تفكيك الثنائيات التقليدية وفتح إمكاناتٍ جديدةٍ للفهم والحوار. واعتبرت الباحثة في وحدة دراسات الخليج والجزيرة العربية بالمركز العربي للأبحاث أن الحضور الثقافي القطري في فرنسا أصبح يؤدي دورًا معرفيًا مهمًا في إعادة بناء الصورة داخل وعي الفرنسيين من خلال الحوار والتعاون المؤسسي، وقدّمت نبذة عن العلاقات بين البلدين.
فيما وصف الكاتب والمترجم الجزائري محمد قاسمي الحوار الحضاري بأنه شائك لأسباب تاريخية، لكنه في الوقت ذاته يحمل بوادر إنجازٍ حضاري، أكّدته نصوص الرحالة وحركة التبادل الثقافي والترجمة، مما أفرز فسيفساء لغوية وموسيقية وغنىً في النتاج الأدبي والفني. أما الباحثة نعيمة ياحي، المتخصصة في قضايا الهجرة، فدعت إلى احترام تنوّع الهويات واللغات من أجل صياغة نموذجٍ ثقافيٍّ قادرٍ على دمج هذا التنوع ضمن إطارٍ حضاريٍّ جامع.
وأكثر ما لفت الانتباه خلال الفعاليات كان النقاش الذي فتحه الجمهور، ما عكس تعطّشه لاكتشاف حضارة وفنون وأدب دولة قطر، كما شجّع بعضهم على إطلاق مشاريع للترجمة وتسليط الضوء على التجارب الروائية والشعرية والفلسفية، في انتظار مواعيد مماثلة في المستقبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى