مقالات كل العرب

حين تتكلم الدولة.. لا الميليشيا

حين تتكلم الدولة… لا الميليشيا

الدكتور جيلبير المجبر

في زمنٍ صار فيه الصوت الأعلى لمن يملك السلاح، خرج صوتٌ مختلف، هادئ لكنه ثابت، يُعيد للبنان جوهر فكرته الأولى: أن الدولة هي التي تحمي، لا تُستَعمل، وأن الكرامة الوطنية لا تُقاس بعدد الصواريخ، بل بقدرة الوطن على حماية نفسه من أن يتحول إلى ورقةٍ في لعبة الأمم.

اليوم، ليس المطلوب من لبنان أن يصرخ أكثر، بل أن يفكّر أكثر.
ليس عليه أن يدخل حربًا جديدة دفاعًا عن أحد، بل أن يدافع عن حقّه في الحياة، وعن أبنائه الذين تعبوا من أن يكونوا حطبًا في نار الآخرين.
كفى أن يُستنزف الجنوب، وكفى أن يُستثمر الدم اللبناني في مشاريع لا تشبهنا.

الذين يرفعون الشعارات الصاخبة باسم “القضية”، لم يقدّموا لهذا الوطن سوى الدمار والتهجير والانقسام.
أما الذين يتكلمون بلغة الدولة، فهم الذين يفهمون أن حماية لبنان تبدأ بتحييده عن منطق الارتزاق السياسي بالنار، وعن ثقافة تحويل الدم إلى وسيلة صعودٍ على حساب الناس.
الدولة لا تُبنى على الصوت العالي، بل على القرار الواضح والعقل الهادئ.

حين يتكلم الرئيس العماد جوزاف عون، يتكلم من موقع الدولة لا الفئة.
يتحدث باسم الوطن، لا باسم محور.
يُدرك أن منطق القوة الحقيقي ليس في إطلاق الصواريخ، بل في امتلاك القرار الوطني المستقل، وفي منع الآخرين من تحويل لبنان إلى بديلٍ عن غزة أو أي ساحة أخرى.
هو يرفض أن يُدفع لبنان إلى حروب بالوكالة، ويُصرّ على أن للبنان هدنة تخصّه، وسلامًا يليق بشعبه.

نعم، معه لأننا نريد دولة، لا متاريس.
نريده صوت العقل في زمن الجنون، وصوت الجيش في زمن الفوضى.
معه لأننا سئمنا من الذين يتاجرون بالوطن، ثم يبكون على أنقاضه.
معه لأننا نعرف أن الشجاعة ليست في الذهاب إلى الحرب، بل في امتلاك الجرأة على تجنّبها.

قد يختلف البعض معه، وقد يزايد آخرون عليه،
لكن من يقرأ بضميرٍ وطنيٍّ سيعرف أن هذا الموقف ليس تراجعًا بل شجاعة دولةٍ تعرف متى تصمت ومتى تقول كلمتها.
الرئيس لم يرفع صوته ليزايد، بل قال كلمة الدولة حين صمت الجميع.
كفى لبنان أن يكون ساحة.
كفى أن يعيش دائماً على حافة الحروب.
حان الوقت لأن يعيش الوطن هدأته، ويستعيد دوره، لا بظل البنادق، بل في ضوء الشرعية الواحدة.

هذا هو صوت لبنان الذي نؤمن به:
صوت الدولة حين تتكلم، لا الميليشيا حين تصرخ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى