الخيارات العربية بعد سقوط مبادرة السلام: القوة والتحصين في مواجهة التهديد الإقليمي

الخيارات العربية بعد سقوط مبادرات السلام: القوة والتحصين في مواجهة التهديد الإقليمي
أ. معتز فخرالدين
المقدمة
منذ اتفاقيات مدريد وأوسلو مروراً بمبادرة السلام العربية عام 2002، اعتمدت كل الجهود العربية على صيغة “الأرض مقابل السلام” لإنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي. اليوم، وبعد عقود من الوساطات والفشل المتكرر، بات واضحاً أن هذه المبادرات انهارت أمام الغطرسة الإسرائيلية المتمادية، بقيادة نتنياهو واليمين التلمودي الصهيوني المتطرف، الذي تجاوز كل الحدود وفرض الأمر الواقع على الأرض
الدرس الأساسي: السيادة الحقيقية لا تُمنح، بل تُفرض، والسلام لا يتحقق إلا بالقوة ، إذا أردت السلام فتجهز للحرب
أولاً: فشل التسوية
اتفاقيات أوسلو ومدريد ومبادرة السلام العربية لم تحقق أي انسحاب فعلي أو اعتراف كامل بالحقوق الفلسطينية.
اتفاقات إبراهام الأخيرة بين بعض الدول العربية وإسرائيل لم تعد مسألة سلام، بل تعبيراً عن قبول بالواقع الجديد وإبعاد فلسطين عن الأولوية
الوساطات الدولية غالباً ما كانت ستاراً شكلياً أمام إرادة القوة الإسرائيلية، ما يثبت أن السلام القائم على المبادرة أو الالتزام النظري صار وهماً
ثانياً: القوة الشاملة كشرط للسلم والسيادة
القوة ليست مجرد جيش أو سلاح، بل مزيج من القدرة العسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدبلوماسية.
عناصر القوة الشاملة:
القدرة السياسية على اتخاذ قرارات مستقلة دون ابتزاز أو تدخل خارجي.
القدرة الاقتصادية على تمويل مستدام للمشاريع الدفاعية والتنموية.
المجتمع المتماسك يتجسد بوعي شعبي وطني يرفض التطبيع النفسي مع الواقع المفروض.
الدبلوماسية الفاعلة في استثمار التحالفات الدولية والإقليمية بذكاء لتحقيق مصالح العرب.
القاعدة الاستراتيجية التي تقوم على من يملك القوة يفرض قواعد اللعبة، ومن يفتقر إليها يبقى أسير الأحداث.
ثالثاً: وحدة الفلسطينيين
الانقسام الفلسطيني بين غزة والضفة يضعف أي موقف عربي.
إعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية ضرورية لتقديم مشروع موحد قادر على التفاوض أو المقاومة، ولزيادة الشرعية الدولية للحقوق الفلسطينية.
الوحدة تعزز القدرة على الردع وتضاعف أثر أي استراتيجية عربية.
رابعاً: تحصين المجتمعات العربية
القوة تبدأ من الداخل: مؤسسات الدولة، الإعلام، الثقافة، التعليم، الاقتصاد، والمجتمع المدني.
التحصين الداخلي يضمن:
الاستقرار السياسي ومنع استغلال الفوضى.
وعياً جماعياً بالقضية الفلسطينية وحماية للهوية العربية.
قدرة الدولة على فرض القانون والسيادة، مما يجعل أي تهديد خارجي أو ميليشيا داخلية عاجزاً عن التأثير.
خامساً: تفعيل الدفاع العربي المشترك
الاتفاقية موجودة منذ عقود، لكنها لم تُفعل بسبب الانقسامات العربية.
تفعيلها يعزز القدرة الردعية الجماعية أمام أي تهديد إسرائيلي.
الربط بين الدفاع العربي المشترك والقضية الفلسطينية يجعل فلسطين جزءًا من الأمن الإقليمي، ويخلق توازنًا استراتيجيًا على الأرض.
سادساً: التهديد الإقليمي الممتد
الهدف ليس الفلسطينيين وحدهم، بل لبنان وسوريا والأردن وربما مصر.
أي استراتيجية عربية لا يمكن أن تركز على فلسطين فقط، بل تشمل:
تعزيز القدرات العسكرية والدفاعية للدول المستهدفة.
دعم مؤسسات الدولة وسيادتها.
تحصين المجتمع وزيادة الوعي لمواجهة التدخلات الداخلية والخارجية.
سابعاً: الأبعاد الدولية والاقتصادية والإعلامية
التحالفات الدولية (الولايات المتحدة، روسيا، الصين) تؤثر في أي استراتيجية عربية.
القوة الاقتصادية الداخلية ضرورية لضمان استدامة المشاريع الاستراتيجية.
الإعلام والدبلوماسية الشعبية يسهمان في زيادة الشرعية والضغط الدولي على إسرائيل، ويعززان أي قدرة عربية على فرض قواعد اللعبة.
ثامناً: البعد الزمني والاستدامة
القوة الحقيقية ليست لحظية، بل مشروع طويل المدى يحتاج إلى استدامة سياسية ومجتمعية واقتصادية وعسكرية.
بناء القدرة الشاملة يستغرق وقتاً، لكنه يضمن أن أي تهديد مستقبلي لن يفرض نفسه بسهولة.
الخاتمة
العرب اليوم أمام مفترق طرق تاريخي:
إما التسليم للأمر الواقع و”سلام القوة” الذي تفرضه إسرائيل الكبرى،
أو إعادة صياغة مشروع عربي شامل يعيد القضية الفلسطينية إلى صميم السياسة والاستراتيجية العربية.
السيادة الحقيقية والسلام المستدام لا يتحققان إلا من خلال القوة الشاملة والتحصين الداخلي، وحدة الفلسطينيين، تفعيل الدفاع العربي المشترك، والاستعداد لمواجهة التهديدات الإقليمية.
فلسطين ليست قضية ثانوية، بل اختبار حقيقي لقدرة العرب على فرض إرادتهم واستعادة سيادتهم، وربط الأمن العربي بالقضية الفلسطينية كركيزة لمستقبل المنطقة.