مقالات كل العرب

ما يعنينا أولا و أخيرا هو سوريا

ما يعنينا أولا و اخيرا هو سوريا

أ. مصطفى الترك

ما يعنينا أولاً وأخيراً هو سوريا: أرضاً وشعباً، دولة واحدة قوية، لا ظلم فيها ولا غبن لأيٍّ من مكوّناتها.
مستقبل الوطن لا يُقاس بانتماء لأشخاص أو فصائل، بل بالالتزام الثابت بوحدة سوريا وحماية كرامة شعبها وحقوقه المشروعة.

اليوم، جاء الرئيس أحمد الشرع في إطار خارطة طريق إقليمية، تهدف إلى انتشال سوريا من تحت الركام.
إنها محاولة لإعادة البناء بعد دمار شامل خلّفه الطاغية وزبانيته. إنها تركة ثقيلة من فلول النظام وأوهام الغرور.
وأي حوار وطني جاد يجب أن ينطلق من وعي كامل بالمسؤولية وحجم التحديات.

الثورة لم تُبنَ على أكتاف الشرع وحده، وإن كان له دور مهم في الحفاظ على أرضيتها وحيويتها.
الشعب السوري هو من دفع الدماء. فقد قدّم خيرة أبنائه في السجون، مئات آلاف الشهداء، وعشرات ملايين المهجّرين.
كل ذلك لم يكن دفاعاً عن شخص أو فصيل، بل طلباً للحرية والكرامة، ورغبة في إعادة بناء الوطن بعد حكم طائفي فاشي دمّر الحجر وقتل البشر.

سوريا اليوم تواجه أطماعاً داخلية وخارجية. هناك من يراهن على زعزعة النظام الجديد واستغلال ثغراته.
محاولة انقلاب الساحل الدامية لم تكن مجرد قمع حريات، بل مؤامرة مكتملة الأركان.
وما جرى في السويداء كان استدراجاً مدروساً لإظهار قوى الأمن كأداة قمع طائفية، ضمن مخططات الهجري ومن يقف خلفه من فلول مخابرات الأسد وكارتيلات المخدرات، وصولاً إلى يد الصهاينة.
كثيرون ينظرون إلى ردود الأفعال، متغافلين عمداً عن المسبّبات والجذور.

اليوم، سوريا هي المستباحة، لا الشرع.
ضعف بنيتها العسكرية بعد حرب أهلية طويلة فتح شهية العدو لقضم أراضيها.
كما أغرى ذلك عملاء الداخل وأطماع الخارج.
أما التدخلات الإقليمية، وعلى رأسها إيران وما تبقى من ميليشياتها الطائفية، فهي تكشف حجم التركة الثقيلة.

في المقابل، بعض معارضي النظام من منصات إسطنبول والقاهرة وأستانة وغيرهم، يتوجسون من الشرع وهيكلية الحكم الجديدة.
لا يرون فيها ضمانة لدولة ديمقراطية علمانية.
لكن يقف خلفهم أيضاً طابور طويل من المتربصين، تجمعهم خيوط خارجية.
يعملون كالسوس في عظم بلدهم، وكأنهم لا يستحقون أن يكون لهم وطن اسمه سوريا.

في هذا السياق، لا يمكن إغفال قسد التي قدّمت نفسها كقوة محلية لمحاربة الإرهاب.
لكنها في الواقع تحوّلت إلى أداة انفصالية بيد الأميركي، تسعى لتقسيم الأرض السورية، وتستنزف ثروات الشعب في الجزيرة والفرات.
إن مشروعها لا يقل خطراً عن مشاريع النظام السابق أو الميليشيات الطائفية.
وإذا لم يُواجه بعقلانية وعدالة، فإنه سيبقي جرحاً مفتوحاً في جسد الوطن

إن الطريق أمام سوريا ليس سهلاً ولا خالياً من المخاطر. وهو يتطلب:
1. تحصين الداخل عبر تعزيز المؤسسات المدنية والقضائية والرقابية لضمان العدالة والمساواة بين كل المكوّنات.
2. تفعيل الجيش والأمن الوطني على أسس مهنية بعيدة عن الطائفية، ليكونوا درع الوطن وحصنه أمام أي تهديد داخلي أو خارجي.
3. إعادة بناء البنية الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة الفقر والفساد، واستثمار موارد سوريا لصالح شعبها كله لا فئات محدودة.
4. ترسيخ الهوية الوطنية بعيداً عن الطائفية والانقسامات، لتأكيد أن الثورة لم تذهب سدى، وأن دماء الشهداء لم تُهدر في صراعات جانبية.
5. مقاومة المشاريع الخارجية التي تسعى لاستغلال ضعفنا، بالتعاون مع شركاء حقيقيين في الأمة، لا مع أعداء يراهنون على فوضى البلد.

في النهاية، سوريا تحتاج إلى وعي جماعي ومسؤولية وطنية لا مساومة فيها.
فالوطنية الحقيقية ليست بالانتماء لشخص أو فصيل، بل بالعمل على حماية الأرض، وحدة الشعب وكرامته.
عندها فقط تبقى سوريا منارة للحرية والاستقرار في المنطقة.

مناضل و سياسي من لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى