مقالات كل العرب

عقيدة ايران – تصدير الثورة وأذرع النفوذ المذهبي – السياسي

عقيدة إيران – تصدير الثورة وأذرع النفوذ المذهبي–السياسي

أ. معتز فخرالدين

منذ انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، برزت فكرة “تصدير الثورة” كإحدى الركائز الجوهرية في السياسة الخارجية الإيرانية. لم يكن الأمر مجرد شعار دعائي، بل مشروع استراتيجي متكامل يقوم على الدمج بين العقيدة الدينية والمصالح الجيوسياسية، بهدف إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة لمصلحة طهران.
أولاً: الأساس العقائدي
ينص الدستور الإيراني، في مادته 154، على دعم “المستضعفين” في العالم والعمل على تحريرهم من “الاستكبار العالمي”، مع التأكيد على أن الثورة الإسلامية ليست حدثاً محلياً بل رسالة عالمية. وفي خطابات الإمام الخميني، تحول هذا المبدأ إلى واجب ديني–سياسي، يجعل من إيران مركز قيادة للأمة الإسلامية وفق مفهوم ولاية الفقيه.
ثانياً: الأهداف الاستراتيجية 1.بسط النفوذ الإقليمي: تحويل إيران إلى قوة مهيمنة قادرة على التأثير في القرارات الإقليمية.
2. إضعاف الأنظمة المنافسة: خاصة تلك المرتبطة بالغرب أو التي تقف ضد مشروعها، مثل العراق قبل 2003 ودول الخليج العربي.
3. تطويق إسرائيل والغرب: من خلال إنشاء محور مقاومة يمتد من طهران إلى البحر المتوسط.
4. السيطرة على الممرات الاستراتيجية: باب المندب، مضيق هرمز، الموانئ السورية واللبنانية.
ثالثاً: الأدوات والآليات- الأذرع العسكرية: إنشاء ميليشيات عقائدية تابعة للحرس الثوري وفيلق القدس (حزب الله في لبنان، الحوثيون في اليمن، الحشد الشعبي في العراق، فصائل أفغانية وباكستانية في سوريا).
- التغلغل السياسي: دعم أحزاب وشخصيات في الحكومات والبرلمانات العربية، لفرض نفوذ إيراني من داخل مؤسسات الدولة.
- الحرب الإعلامية: شبكات إعلامية ناطقة بالعربية والفارسية، وقنوات فضائية ومنصات إلكترونية لترويج خطاب الثورة والمظلومية المذهبية.
- التعبئة المذهبية: الاستثمار في الانقسام السني–الشيعي لتوفير بيئة حاضنة للمشروع الإيراني.
- الأداة الاقتصادية: تقديم الدعم المالي والسلاح والموارد، وبناء اقتصاديات موازية في مناطق النفوذ.
رابعاً: النتائج والتحديات
حققت إيران نجاحات ملموسة في توسيع نفوذها، حيث باتت تملك شبكة ممتدة من الحلفاء المسلحين والسياسيين في أربع عواصم عربية (بغداد، دمشق، بيروت، صنعاء). غير أن هذا التمدد جلب لها أيضاً تحديات كبيرة:
- استنزاف اقتصادي بفعل العقوبات وتكاليف التدخلات العسكرية.
- تصاعد العداء العربي ضدها، خصوصاً في دول الخليج ،العراق، سورية ولبنان .
- تورط في صراعات مذهبية عمّقت الانقسام داخل المجتمعات العربية.
خامساً: التقييم العام
عقيدة تصدير الثورة منحت إيران أوراق ضغط إقليمية ودولية، لكنها وضعتها أيضاً في مواجهة مفتوحة مع محيطها العربي ومع قوى دولية كبرى. وبدل أن تتحول إلى قوة إقليمية مقبولة، وجدت نفسها متهمة بتفكيك الدول العربية وإدامة الحروب بالوكالة.
خاتمة
إن عقيدة تصدير الثورة، كما مارستها إيران خلال العقود الأربعة الماضية، لم تبق إطارا عقائدياً محضاً، بل تحولت إلى أداة نفوذ جيوسياسي فاعلة، غيرت خرائط القوة والتحالفات في المشرق العربي. غير أن ما يثير الانتباه هو أن كثيراً من أدوات هذه العقيدة ونتائجها، تتقاطع – ولو من دون تنسيق – مع ما عرفته المنطقة سابقاً في إطار عقيدة المحيط الإسرائيلية. هذا التشابه في الأثر، رغم التناقض في الخطاب، هو ما سنحاول تفكيكه في المقال الثالث، عبر مقارنة معمّقة تضع المشروعين في سياق واحد، وتكشف كيف يمكن لخصمين معلنين أن يلتقيا في إضعاف المجال العربي وتفكيك بنيته الداخلية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى