مقالات كل العرب

السعودية تتباهى بتراثها وفنونها في أكبر مهرجان مسرحي فرنسي

شارك

السعودية تتباهى بتراثها وفنونها في أكبر مهرجان مسرحي فرنسي

 

فائزة مصطفى – أفينيون، جنوب فرنسا

خاص كل العرب

عانقت أنغام الموسيقى السعودية التقليدية جدران قصر البابوات العريق في قلب مدينة أفينيون، حيث استمتع الجمهور الفرنسي والسياح الأجانب بأربعة عروض مستوحاة من التراث السعودي الأصيل، قُدّمت على مدار أسبوع كامل في باحة متحف أونقلادون. أضفت الأزياء المطرزة الملوّنة، وأنغام الطبول والدفوف، والحركات الإيقاعية المتناغمة طابعًا بهيجًا على هذه الفقرات. وفي موازاة ذلك، تألق المسرح السعودي في مشاركة لافتة ضمن فعاليات النسخة التاسعة والسبعين لأهم تظاهرة ثقافية في فرنسا.

 

في إطار الانفتاح الثقافي المتسارع الذي تشهده المملكة، تشارك هيئة المسرح والفنون الأدائية للمرة الأولى في مهرجان أفينيون، من خلال برنامج غني يمتد من 14 إلى 22 يوليو/تموز الجاري، وتهدف المشاركة إلى إبراز التراث الإبداعي وتعزيز التبادل الثقافي بين البلد العربي وأوروبا والعالم. ويأتي هذا الحضور تماشيًا مع تخصيص المهرجان في دورته الحالية مساحة بارزة للغة العربية، بوصفها “لغة النور والمعرفة”. وتندرج مسرحية “طوق” للمخرج السعودي الشاب فهد الدوسري ضمن 42 عملًا مسرحيًا تُقدَّم في 300 عرض، بينها 32 عملًا جديدًا من إنتاج عام 2025، وفق ما أعلنه مدير المهرجان تياغو رودريغيز.

ترانيم سعودية في قلب فرنسا: الخطوة، الليوة، والعرضة بين أزقة المدينة القديمة في أفينيون، وعلى وقع حجارة القلاع العتيقة وعبق البيوت الحجرية، قدّمت الفرقة الفنية السعودية لوحات إيقاعية نابضة بالحياة، عكست غنى التراث الثقافي وتنوعه في المملكة. افتُتحت العروض برقصة “الخطوة”، أحد أبرز فنون الجنوب، حيث امتزجت الأزياء التقليدية بخطوات متناغمة وألحان وجدانية آسرة. تلتها رقصة “الخبيتي” من سهول الغرب، تبدأ بقصائد شعرية تصاحبها أنغام السمسمية والدفوف، ويزهو المؤدّون بلباس “الحويس” الملوّن، بينما تؤدي النساء نسختهن الخاصة المعروفة بـ”الصحّن”. ومن شرق المملكة حضرت “اللِّيوة”، رقصة جماعية مبهجة يدور فيها الفنانون حول الطبول وآلة “الصرناي” النفخية، إحياءً لإيقاعات ساحلية فريدة. واختُتم المشهد بـ”عرضة وادي الدواسر”، لوحة حماسية تُؤدّى بقصائد ملحمية على وقع الطبول والسيوف اللامعة، والأزياء الوطنية الكاملة التي تجسّد روح الفخر والكرامة.

نساء على الخشبة… و”طوق” يوسّع آفاق المسرح السعودي

وخارج أسوار المدينة القديمة، انتقل الفن الرابع السعودي إلى قلعة سان شامو، على بُعد أربعة كيلومترات جنوبًا، حيث قُدّمت مسرحية “طوق” في قاعة صغيرة، مع ترجمة فورية إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية عبر لوح ضوئي. جسّد أدوار المسرحية كلٌّ من: أحمد الذكر الله، عبدالعزيز الزياني، خالد الهويدي، وشهاب الشهاب، فيما تألقت الممثلتان فاطمة الجشي ومريم حسين، اللتان أبرزتا مدى الحضور النسائي في المشهد المسرحي السعودي أمام الجمهور الفرنسي. وقد تولّى فيصل العبيد تصميم السينوغرافيا، ومحمد الحمد تأليف الموسيقى، وتنفيذ الإضاءة عبد الله بو قرصين، فيما أشرف نايف الدعيلج على تسيير الإنتاج، وتولّى حمد المويجد مسؤولية الإنتاج المسرحي. لتُصبح بذلك أول عمل سعودي يُقدَّم باللغة العربية الفصحى في مهرجان أفينيون منذ تأسيسه عام 1947.

يُذكر أن المسرحية، المدعومة من وزارة الثقافة، حازت جائزة “أفضل عرض معاصر” في الدورة الثانية من مهرجان الرياض للمسرح عام 2024. ويعالج العمل إشكالية رتابة الحياة اليومية وضغط الوقت، طارحًا تساؤلات فلسفية حول الانعتاق من القيود النفسية والاجتماعية. ومن المرتقب أن تنتقل المسرحية إلى مهرجان إدنبرة العالمي في اسكتلندا لتُعرض هناك خلال أغسطس/آب المقبل.

دورة عربية بامتياز تحتفي بالإبداع والهوية وبكوكب الشرق

تكتسب دورة هذا العام من مهرجان أفينيون طابعًا عربيًا استثنائيًا، حيث اختيرت اللغة العربية ضيفة شرف الدورة، بعد أن خُصصت الدورتان السابقتان للغتين الإنجليزية (عام 2023)، والإسبانية (عام 2024). ويشارك نحو 15 فنانًا عربيًا في مجالات مختلفة كالموسيقى والرقص والمسرح، مقدمين أعمالًا تسلط الضوء على غنى التراث العربي وتنوع إبداعه المعاصر، إلى جانب التطرّق إلى قضايا حسّاسة، أبرزها معاناة العمال المهاجرين خلال عدوان 2024 على لبنان، في عرض صادم صمّمه اللبناني علي شحرور. كما حضرت القضية الفلسطينية، والحرب في غزة.

كما استعاد المهرجان سيرة المطربة الكبيرة “أم كلثوم” في عمل موسيقي جديد من توقيع زيد حمدان، بمشاركة كلٍّ من: كاميليا جوردانا، سعاد ماسي، ومغني الراب دانيلن. ويشمل البرنامج كذلك حفلات موسيقية وقراءات بعنوان “نور”، بالتعاون مع معهد العالم العربي في باريس، إضافة إلى سلسلة من اللقاءات الفكرية والنقاشات التي تستضيف وجوهًا ثقافية بارزة، مثل الكاتبة المغربية ليلى سليماني، والصحافي اللبناني نبيل واكيم، والكاتب الفلسطيني إلياس صنبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى