“مروح للبلاد” على عتبة الأغنية.. أم تنتظر، ووطن يحن

“مروح للبلاد” على عتبة الأغنية… أمٌ تنتظر، ووطن يحنّ
أ. رجاء السنوسي
أطلق الفنان التونسي نور شيبة مساء الجمعة 27 جوان 2025 عمله الغنائي المصوّر الجديد بعنوان “مروح للبلاد”، في تجربة فنية اختار أن تكون محمّلة بالشجن والحنين والهوية، بعيدًا عن الطرح التجاري السائد الأغنية التي كتب كلماتها ولحّنها بنفسه، جاءت كاعتراف وجداني يترجم مشاعر الغربة والاشتياق للأرض والأم والعودة إلى الذات.
صوت المغترب… ونداء الرجوع
.”مروح للبلاد” أكثر من مجرّد عمل فني، بل حالة وجدانية نابضة بالحنين تحمل في تفاصيلها وجع الابتعاد عن الجذور وتمنح صوتًا لمن اختبر الغربة بمعناها الواسع. هي لا تعني فقط من غادر البلاد نحو المنافي البعيدة، بل تمسّ أيضًا كل من يعيش غربة داخل وطنه ممن انتقل من مدينته إلى ولاية أخرى بحثًا عن فرصة، عن معنى، أو عن خلاص.
بهذه الروح عانقت الأغنية مشاعر شريحة واسعة من التونسيين، أولئك الذين لا تزال أرواحهم معلّقة بزوايا الحومة برائحة الخبز في بيت الأم بصوت الأذان عند الغروب وبحنين التفاصيل الصغيرة التي لا يغادر صداها القلب مهما ابتعدت الأجساد.
الصورة… امتداد للنغمة
كليب الأغنية الذي أخرجه إسلام الرزقي (استرو)، جاء بسيطًا في تفاصيله، غنيًا في رمزيته. صُوّر في المدينة العتيقة، حيث تنساب الذاكرة بين الحجارة والأبواب القديمة، ورافقت الممثلة لطيفة القفصي الفنان في أداء دور الأم، فزرعت دفئًا بصريًا يزيد الأغنية صدقًا ووجعًا.
لطيفة القفصي… حضور الأم التي تسكننا جميعًا
بمجرّد ظهورها الصامت في الكليب، استطاعت الممثلة القديرة لطيفة القفصي أن تمنح الأغنية بعدًا وجدانيًا عميقًا. فدورها لم يكن مجرد أداء تمثيلي بل كان تجسيدًا صادقًا لصورة الأم التونسية البسيطة، الحنون التي تنتظر عودة ابنها دون كلام فقط بعينين تتكلمان بلغة الشوق والدعاء.
وجودها أعاد إلى الأذهان أمهاتنا اللاتي بقين على عتبة الدار، بين حكايات الخبز الساخن والقلق الصامت، ينتظرن عودة “ولد الدار”. ولعل اختيار نور شيبة لها لم يكن صدفة بل كان رسالة وفاء لجيل من الممثلات اللواتي رسّخن صورًا إنسانية لا تُنسى في الذاكرة الجماعية للتونسيين.
الظهور الصامت للأم في الفيديو كان كافيًا لإيصال رسالة مليئة بالأحاسيس: الأم ليست فقط حاضنة للذكريات، بل هي الوطن حين يغيب الوطن.
الهوية الموسيقية: بين التراث والعصر
من الناحية الموسيقية، أشرف على التوزيع محمد رزقي الذي مزج بين الإيقاعات التقليدية واللمسات المعاصرة دون أن يضيع جوهر النص الأغنية جاءت بتوليفة صوتية هادئة ومؤثرة تتناسب مع البعد العاطفي للكلمات، وتجعلها سهلة الولوج إلى القلب دون تصنّع.
حين يُغني الفن عن العودة
“مروح للبلاد” ليست عملاً عادياً، بل رسالة محمّلة بالوجع النبيل. هي قصة كل من غادر الأرض، لكنها ظلّت تسكنه. عبر هذا العمل، يواصل نور شيبة ترسيخ مكانته كفنان صادق، يعبّر عن الناس وينقل نبضهم، تمامًا كما يفعل العائد من الغربة حين يقبّل تراب وطنه قبل أن يفتح الباب على بيت أمه..