مقالات كل العرب

عبادة الصبر.. حين تصبح الأيام الصعبة سلما الى النور

شارك

عبادة الصبر.. حين تصبح الأيام الصعبة سلّماً إلى النور

د. تهاني رفعت بشارات

ليس الصبر انتظاراً عابراً تمضيه على قارعة العمر، بل هو عبور شجاع في دروب موحشة، مُضاءة فقط بنور اليقين بالله. الوقت الذي تقضيه في الصبر ليس وقتًا ضائعًا كما يظن البعض، بل هو أعظم استثمار للروح، وأسمى تجارة مع الرحمن، تُكتب أنفاسه في صحائف النور، وتُسقى بذوره من غيث الرحمة الإلهية.

كل لحظة تصبر فيها على ألمٍ ينهش روحك، أو واقعٍ يحاول أن يهزمك، ليست مجرد لحظة عابرة تمضي وتنطفئ، بل هي لحظة تفتح فيك أبواب العبادة، حتى وإن لم تكن راكعاً أو ساجداً. حين تجاهد قلبك لتتقبّل مرارة ما يحدث حولك بقلبٍ راضٍ مطمئن، فأنت في قمة العبادة. إنها عبادة لا يُسمع صوتها، ولا تُرى حركتها، لكنها تنقش في السماء أثراً لا يضيع، وترتفع إلى عرش الرحمن كأعظم طاعة خفية.

تخيّل أن انتظار الفرج من الله أشبه ما يكون بزرعٍ يغرس في أرضٍ قاحلة، يسقيه صاحبه لا بالماء، بل بحُسن ظنه بالله. وكلما طال الانتظار، ازدهرت الجذور في عمق الأرض، حتى إذا جاء الغيث، أزهرت الأرض بألوان لم تخطر على البال. حسن الظن بالله هو ذلك الغيث المنتظر، الذي لا يخيب الله فيه عبداً تجرع مرارة الأيام وهو يردد في داخله: “إن مع العسر يُسرًا”.

وكم هو نبيلٌ ذلك القلب الذي يحاول أن يبدو قوياً أمام الآخرين، بينما في داخله عاصفة من ضعفٍ ووجع! لكنه لا يظهر إلا الثبات، لا لكي يخدع من حوله، بل لكي يُخبر نفسه أن الأيام القادمة ستأتي محمّلة بالبشائر، وأن الله الذي كتب هذا الألم، قد كتب معه فرحاً أعظم. هو كالسفينة التي تُصارع أمواج البحر، تعلم أن خلف هذا المدى اليابسة تنتظرها، مهما اشتد الموج وهاج البحر.

كل ثانية تحتسبها لله في هذا الطريق، هي بذرة نور ستنبت في غدك شجرة وارفة الظلال، ستقف تحتها يوماً ما وتقول لنفسك: “ما كان هذا الصبر إلا خيراً كله”. بل إن الله الكريم لا يترك جميل صبر عبده يذهب هباءً؛ بل يعوّضه بما هو أعظم مما ظن، وأجمل مما كان يرجو.

ويكفيك وعد الله الذي لا يُخلف:

﴿ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ ما كانوا يَعمَلون ﴾

أي جمال أعظم من أن تكون في عبادة وأنت تمشي مثقلاً بالألم، وأن يُكتب في صحائفك أنك من الصابرين الذين عاهدوا الله على الرضا، فسجلهم الله في سجل الناجين؟

ثق أن الليل مهما طال، لا بد أن يتسلل من ثقوبه خيط الفجر، وأن الألم مهما اشتد، لا بد أن يعقبه فرحٌ يُنسيك مرارة الطريق.

الصبر ليس وقتاً ضائعاً… الصبر عبور إلى النور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى