بيان الائتلاف التربوي الفلسطيني بمناسبة انطلاق امتحان الثانوية العامة في ظل معركة البقاء

بيان الإئتلاف التربوي الفلسطيني بمناسبة انطلاق امتحان الثانوية العامة في ظل معركة البقاء
خاص كل العرب:
في زمنٍ يعلو فيه الضجيج وتخفت فيه الأصوات النقية، يبقى التعليم النبض الأصدق في معركة البقاء. ليس رفاهاً فكرياً، بل ضرورة وجودية تعيد للإنسان اسمه وسط محوٍ ممنهج للهوية والمعنى. حين تتصدع الجغرافيا وتتداخل الأقدار، تصبح الامتحانات فعلاً رمزياً يقاوم التلاشي، ومرآةً لوعي جمعي يرفض أن يُختزل في الخوف أو يُروّض بالتجهيل.
إن انعقاد امتحانات الثانوية العامة 2025 في قلب هذا العصف ــ في غزة المحاصرة، والقدس المُضيّقة، والضفة المُجتزأة ــ لا يُقاس بمعايير الأداء فحسب، بل يُقرأ كبيان حضاري لشعب يؤمن أن المعرفة ليست ترفاً في أوقات الرخاء، بل حقٌّ لا يُجمَّد، ومسارٌ لا يُغلق، وفضاءٌ يبقى مفتوحاً رغم الركام، يُعلن فيه الطلبة: نحن هنا… بالحرف والوعي، نصنع المعنى ونحمي الحلم.
يجدد الائتلاف التربوي الفلسطيني صرخته إزاء السياسات الاحتلالية التي تنتهج أسرلة ممنهجة للحياة التعليمية في القدس المحتلة، عبر إغلاق المدارس، ومنع وصول الطلبة، والتضييق على المعلمين، وفرض القيود الإدارية القسرية على المؤسسات. ما يجري في القدس ليس مجرد مواجهة عابرة، بل امتداد لحرب على الوعي الفلسطيني، تهدف إلى تفريغ المدينة من ذاكرتها وقطعها عن سياقها الحضاري والتربوي.
وإذ يثمّن الائتلاف التربوي الفلسطيني الجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم العالي، مع الطواقم التربوية والصحية والأمنية في الميدان، فإنه يدرك أن استمرار التعليم في هذه اللحظة المفصلية لا ينحصر في كونه انتظاماً مؤسسياً، بل هو موقف سيادي أخلاقي يُجسد ثبات شعب يُصون المعرفة كركيزة للثبات الإنساني والمعنوي. ففي تداخل الدمار مع الحياة اليومية، تتحول المدرسة إلى منارة صمود، ويصبح التعليم تعبيراً عن التمسك بالكرامة، ورفضاً للغياب القسري، وبوابةً نحو معنى وجودي متجدد رغم كل محاولات الطمس.
تأتي امتحانات الثانوية العامة هذا العام في ظل ضغط نفسي معقد الأبعاد، يتجاوز حدود القلق الدراسي ليصل إلى قلق وجودي يتخلله صوت الطائرات، وتهديدات الاجتياح، وانقطاع الخدمات الأساسية، وحرمان آلاف الطلبة من الوصول الآمن إلى مدارسهم، لا سيما في غزة والقدس والمناطق المعرضة للتهجير والتهويد. في هذه الظروف القاسية، تتحول العملية التعليمية إلى معركة من أجل الحفاظ على الأمل والكرامة، وحق الإنسان في التعلم والنمو وسط محيط متغير لا يرحم.
يوجّه الائتلاف دعوته إلى ترسيخ التكافل المجتمعي وتفعيل أطر الدعم النفسي والاجتماعي عبر تعاون متكامل بين المؤسسات الأهلية والمجتمعية، والبلديات، والمجالس القروية، والأطر الشبابية والنسوية، لبناء بيئة تحمي الطلبة من وطأة القلق، وتعيد للامتحان بُعده التربوي والإنساني بعيداً عن ثقافة الخوف والضغط النفسي. كما يحثّ الائتلاف وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية على صياغة خطاب يعزز الثقة بالذات، ويعيد تعريف النجاح ليس كمجرد أرقام، بل كقدرة على الصمود الفكري والتفاعل الواعي، مؤكداً دور الطالب كفاعل أساسي في صناعة المعرفة وبناء المعنى، لا مجرد مقيّم يُحكم عليه بمقاييس تقليدية.
يا أبناءَنا وبناتِنا، أنتم طليعةُ النور وموضعُ الرجاء، فلا تجعلوا الامتحان عبئاً على أرواحكم، بل اجعلوه فعلاً من أفعال الصمود، تكتبون فيه بإرادتكم سيرةَ وطنٍ لا يُهزم، وتُثبتون أن العقل الفلسطيني يولد من تحت الركام ويصنع الأمل من عمق الألم.
يُجدد الائتلاف التربوي الفلسطيني تأكيده على المبادئ الجوهرية التي تنبع من عمق الحق الإنساني وجوهر الوجود الوطني، وتؤطرها روح العدالة والشفافية في امتحانات الثانوية العامة كحق مقدس:
التعليمُ حقٌ إنسانيٌ أصيلٌ، لا يجوز تعليقهُ أو استغلالهُ تحتَ أيِّ ظرفٍ كان، بل يجبُ حمايتهُ وصيانتهُ، إذ هو ركيزةُ الكرامةِ وعمادُ الحريةِ في المجتمعاتِ الإنسانيةِ.
تعطيلُ التعليمِ في القدسَ ممارسةٌ ممنهجةٌ من التطهيرِ الثقافيِّ، تستدعي وقوفاً حازماً ومسؤوليةً مشتركةً على المستويين الوطني والدولي لمواجهتها وإزالتها.
إنَّ امتحاناتِ الثانويةِ العامةِ ليست آلياتٍ تقويميةً أكاديميةً فحسب، بل هي أداةٌ لتجسيدِ حريةِ الفكرِ وبناءِ الذاتِ في مواجهةِ التحدياتِ والظروفِ القاسيةِ.
حمايةُ المؤسساتِ التعليميةِ وصونُها واجبٌ وطنيٌّ ودوليٌّ، لا تقبلُ التهاونَ، إذ إنَّ استهدافَها يُعدُّ اعتداءً على حقِّ التعليمِ وكرامةِ الإنسانِ.
توفيرُ الدعمِ النفسيِّ والاجتماعيِّ الشاملِ للطلبةِ ضرورةٌ ملحّةٌ، تقتضي تفعيلَ كافةِ المواردِ المجتمعيةِ لضمانِ استقرارهم النفسيِّ وتمكينهم من اجتيازِ الامتحاناتِ بأمانٍ وسلامٍ.
امتحانُ الثانويةِ العامةِ تعبيرٌ عن إرادةٍ شعبيةٍ وعقلٍ لا يُقهَرُ، وفضاءٌ للحريةِ والمعرفةِ، تحميه العدالةُ والشفافيةُ دونَ تمييزٍ أو إقصاءِ.
لا بدَّ من ضمانِ إتمامِ جميعِ الطلبةِ، خاصةً في قطاع غزة، لامتحاناتِهم في ظروفٍ عادلةٍ ومتساويةٍ مع بقيةِ المناطقِ، بما يحفظُ حقوقَهم وفرصَهم التعليمية.
تستوجبُ المنظومةُ التعليميةُ إعادةَ هندسةِ نظامِ التقويمِ بما يتوافقُ مع أرقى المعاييرِ العالميةِ، ويعززُ التعلمَ النقديَّ والابتكارَ والمرونةَ، مع الحفاظِ على نزاهةِ وشفافيةِ الامتحاناتِ.
اعتمادُ الوسائلِ الرقميةِ الآمنةِ ضرورةٌ تربويةٌ لضمانِ استمراريةِ التقييمِ في البيئاتِ التي تُقيَّدُ فيها حقُ التعلمِ أو يصعبُ الوصولُ إليها، مع مراعاةِ العدالةِ الرقميةِ وعدمِ الإقصاءِ.
تقعُ على عاتقِ المجتمعِ الدوليِّ مسؤوليةٌ فوريةٌ وحاسمةٌ في حمايةِ حقِّ التعليمِ وامتحاناتِ الثانويةِ العامةِ، عبرَ الضغطِ على الاحتلالِ لوقفِ انتهاكاتهِ التي تستهدفُ العمليةَ التعليميةَ وطلابَنا، واعتبارَ ذلكَ التزاماً إنسانياً وقانونياً لا محيدَ عنه.
امتحان الثانوية العامة ليس مجرد اختبارٍ عادي، بل هو إرادةٌ لا تُقهَر، وصرخةُ سيادةٍ وكرامةٍ وطنية. إنه امتحانٌ جماعيٌ لصمود مجتمعٍ واعٍ، ومساحةٌ رحبةٌ للتفكير المتجاوز، وفرصةٌ متجددةٌ لتجديد العهد بأن يظل التعليمُ فضاءً للحرية والعدالة، وبوصلةً لا تنحرفُ عن طريق التحرر.
الائتلاف التربوي الفلسطيني
17 حزيران / يونيو 2025