مقالات كل العرب

لماذا قبل العالم بأحمد الشرع؟

شارك

لماذا قَبِلَ العالم بأحمد الشرع؟

أ. معتز فخرالدين

عن الشرعية الدولية حين لا تحكمها العدالة وحدها. إلى من يحمل في قلبه غضباً، أو مرارة، أو إمتعاضاً ، او ربما رفضاً صريحاً…
إلى من يرى في أحمد الشرع رجلاً سرق الثورة من أهلها، وتسلّق على دماء الشهداء ليبلغ السلطة…
إلى من يعتبره قادماً متأخراً او دخيلاً، بلا شرعية، أو من دون سند شعبي…

لا أكتب هذه السطور لتبرئة أحد، ولا لتلميع صورة أحد، ولا لإعادة رسم التاريخ كما يشتهيه المنتصرون.
بل أكتبها بدافع الحاجة لفهم سؤال جوهري: كيف ولماذا قبل العالم اليوم بأحمد الشرع؟

في مرحلة ما بعد الصراعات، لا تخرج الشعوب دائماً بما تستحق من عدالة، بل غالباً بما يُفرض عليها.
لا احد ينكر ان السيد أحمد الشرع من اوائل من حمل السلاح ،من الأنبار وبوكا الى الغوطة لإدلب ،سيرة مُجاهد ، وقائد ميداني ، تُكتب وتُدرس، من الجولاني لأحمد الشرع، مثّل تحوّلاً لافتاً في تاريخ سوريا الحديث، من قائد جهادي في الظل إلى شخصية سياسية تتصدر المشهد الانتقالي في البلاد. لكن السؤال الأهم هو:
لماذا قبل به العالم وهو المصنف ارهابي وعلى اللائحة السوداء، بينما بقي غيره ممن قدّموا تضحيات جسيمة على الهامش؟

هذا التساؤل لا يمكن الإجابة عنه فقط من بوابة العاطفة أو الإنصاف الأخلاقي.لفهم الأمر، نحتاج إلى أدوات تحليل من داخل حقل العلاقات الدولية، وتحديداً من خلال ثلاث نظريات رئيسية:

1. الواقعية Realism: لا صوت يعلو فوق القوة.

تنظر الواقعية إلى العالم باعتباره ساحة صراع بين قوى، لا تحكمه القيم بل موازين النفوذ.
في هذا السياق، الشرعية ليست نتيجة النقاء الثوري أو الرصيد الشعبي، بل نتيجة السيطرة الفعلية.
من يفرض سلطته على الأرض، ويمتلك قراراً مستقلاً، ويضبط المؤسسات، يصبح “فاعلاً” لا يمكن تجاوزه.

أحمد الشرع، وفق هذه الرؤية، هو رجل الواقع.
يُسيطر على الأرض، يدير المؤسسات، ويتعامل بندّية مع الفاعلين. وهذا يكفي في نظر الواقعيين.

2. البراغماتية: المصالح قبل المبادئ

البراجماتية pragmatism لا تهتم فقط بمن يمتلك القوة، بل بمن يمكن التعاون معه لضمان الاستقرار وتبادل المصالح.
وفق هذا المنظور، أحمد الشرع لا يحتاج إلى أن يكون ديمقراطياً، بل أن يكون “شريكاً قابلاً للتفاهم”.

فهو :
. خفف من الفوضى،
. أبقى مؤسسات الدولة فاعلة،
. سمح بتدفق المساعدات،
. وفتح أبواب الاستثمار أو الشراكة الأمنية،

فهذا يجعل منه خياراً أكثر واقعية من بدائل فوضوية.

3. البنائية constructivism: الخطاب يصنع الصورة

أما البنائية، فتنظر إلى كيفية تشكّل الشرعية من خلال الخطاب، والهوية، والصورة التي يعكسها الفاعل السياسي.
وقد نجح أحمد الشرع، نسبياً،في إعادة إنتاج صورته:
كرجل دولة أكثر منه قائد ميليشيا.
حريص على النظام أكثر من الفوضى.
متحدث بلغة المصالح، لا بلغة الشعارات.

هذه الصورة قد لا تُقنع الداخل، لكنها تكفي غالباً لإقناع الخارج الذي يبحث عن “عنوان مستقر” للتعامل.

ما الذي تعنيه هذه القراءات؟

الاعتراف بأحمد الشرع لم يكن مكافأة على ماضٍ مشرف، بل لأنه:
. يملك أدوات السلطة والنفوذ (واقعية)،
. يُمكن البناء عليه لضبط المشهد (براجماتية)،
. ويتقن مخاطبة الخارج بلغة مقبولة (بنائية).

الشرعية، في منطق العلاقات الدولية، لا تقوم على الأخلاق فقط، بل على القوة، والمصالح، والانطباعات.

في الختام:

هذه الورقة لا تحاول تبرير قبول الشرع، ولا تروّج له، ولا تصادر رأي خصومه.
بل هي دعوة لفهم ما جرى، بلغة سياسية باردة، رغم كل ما في الداخل من حرارة.

لأن رفض الواقع لا يُغيّره،
لكن فهمه… قد يكون أول خطوة لاستعادته…

كاتب من لبنان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى